أخبر تعالى أن في الأعراب كفارا ومنافقين ومؤمنين ، وأن كفرهم ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد ، وأجدر ، أي : أحرى ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ، كما قال الأعمش عن إبراهيم قال : جلس أعرابي إلى زيد بن صوحان وهو يحدث أصحابه ، وكانت يده قد أصيبت يوم نهاوند ، فقال الأعرابي : والله إن حديثك ليعجبني ، وإن يدك لتريبني فقال زيد : ما يريبك من يدي ؟ إنها الشمال . فقال الأعرابي : والله ما أدري ، اليمين يقطعون أو الشمال ؟ فقال زيد بن صوحان صدق الله : ( الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله )
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن أبي موسى ، عن وهب بن منبه ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من سكن البادية جفا ، ومن اتبع الصيد غفل ، ومن أتى السلطان افتتن " .
ورواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي من طرق ، عن سفيان الثوري ، به وقال الترمذي : حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث الثوري .
ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي لم يبعث الله منهم رسولا وإنما كانت البعثة من أهل القرى ، كما قال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) [ يوسف : 109 ] ولما أهدى ذلك الأعرابي تلك الهدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرد عليه أضعافها حتى رضي ، قال : " لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قرشي ، أو ثقفي أو أنصاري ، أو دوسي " ؛ لأن هؤلاء كانوا يسكنون المدن : مكة ، والطائف ، والمدينة ، واليمن ، فهم ألطف أخلاقا من الأعراب : لما في طباع الأعراب من الجفاء .
حديث [ الأعرابي ] في تقبيل الولد : قال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو أسامة وابن نمير ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أتقبلون صبيانكم ؟ قالوا : نعم . قالوا : ولكنا والله ما نقبل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأملك أن كان الله نزع منكم الرحمة ؟ " . وقال ابن نمير : " من قلبك الرحمة "
وقوله : ( والله عليم حكيم ) أي : عليم بمن يستحق أن يعلمه الإيمان والعلم ، ( حكيم ) فيما قسم بين عباده من العلم والجهل والإيمان والكفر والنفاق ، لا يسأل عما يفعل ، لعلمه وحكمته .
القول في تأويل قوله : الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الأعراب أشدُّ جحودًا لتوحيد الله، وأشدّ نفاقًا، من أهل الحضر في القرى والأمصار. وإنما وصفهم جل ثناؤه بذلك، لجفائهم، وقسوة قلوبهم، وقلة مشاهدتهم لأهل الخير, فهم لذلك أقسى قلوبًا، وأقلُّ علمًا بحقوق الله.
* * *
وقوله: (وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنـزل الله على رسوله)، يقول: وأخلق أن لا يعلموا حدود ما أنـزل الله على رسوله، (19) وذلك فيما قال قتادة: السُّنن.
17092- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنـزل الله على رسوله)، قال: هم أقل علمًا بالسُّنن.
17093- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن الأعمش, عن إبراهيم قال: جلس أعرابي إلى زيد بن صُوحان وهو يحدث أصحابه, وكانت يده قد أصيبت يوم نهاوَنْد, فقال: والله إنّ حديثك ليعجبني, وإن يدك لَتُرِيبُني ! فقال زيد: وما يُريبك من يدي؟ إنها الشمال! فقال الأعرابي: والله ما أدري، اليمينَ يقطعون أم الشمالَ؟ فقال زيد بن صوحان: صدق الله: (الأعرابُ أشدُّ كفرًا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنـزلَ الله على رسوله). (20)
* * *
وقوله: (والله عليم حكيم)، يقول: (والله عليم)، بمن يعلم حدودَ ما أنـزل على رسوله, والمنافق من خلقه، والكافرِ منهم, لا يخفى عليه منهم أحد =(حكيم)، في تدبيره إياهم, وفي حلمه عن عقابهم، مع علمه بسرائرهم وخِداعهم أولياءَه. (21)
---------------------
الهوامش :
(19) انظر تفسير " حدود الله " فيما سلف 8 : 68 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
(20) الأثر : 17093 - " عبد الرحمن بن مغراء الدوسي " ، ثقة ، متكلم فيه . مضى برقم : 11881 . وكان في المطبوعة : " عبد الرحمن بن مقرن " ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، فبدل من عند نفسه .
و "زيد بن صوحان العبدي " ، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، ثقة قليل الحديث ، مضى برقم : 13486 .
وهذا الخبر رواه ابن سعد في الطبقات 6 : 84 ، 85 من طريق يعلي بن عبيد ، عن الأعمش ، عن إبراهيم.
(21) انظر تفسير " عليم " و " حكيم " ، فيما سلف من فهارس اللغة ( علم ) ، ( حكم ) .
Quran Translation Sura At-Tawba aya 97
The bedouins are stronger in disbelief and hypocrisy and more likely not to know the limits of what [laws] Allah has revealed to His Messenger. And Allah is Knowing and Wise.