يقول تعالى : هلا تركتهم لما استأذنوك ، فلم تأذن لأحد منهم في القعود ، لتعلم الصادق منهم في إظهار طاعتك من الكاذب ، فإنهم قد كانوا مصرين على القعود عن الغزو [ وإن لم تأذن لهم فيه . ولهذا أخبر تعالى أنه لا يستأذنه في القعود عن الغزو ] أحد يؤمن بالله ورسوله ، فقال : ( لا يستأذنك ) أي : في القعود عن الغزو ( الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ) ؛ لأن أولئك يرون الجهاد قربة ، ولما ندبهم إليه بادروا وامتثلوا .
القول في تأويل قوله : لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44)
قال أبو جعفر: وهذا إعلامٌ من الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم سِيمَا المنافقين: أن من علاماتهم التي يُعرفون بها تخلُّفهم عن الجهاد في سبيل الله، باستئذانهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تركهم الخروجَ معه إذا استنفروا بالمعاذير الكاذبة.
يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، لا تأذننَّ في التخلُّف عنك إذا خرجت لغزو عدوّك، لمن استأذنك في التخلف من غير عذر, فإنه لا يستأذنك في ذلك إلا منافق لا يؤمن بالله واليوم الآخر. فأمَّا الذي يصدّق بالله، ويقرُّ بوحدانيته وبالبعث والدار الآخرة والثواب والعقاب, فإنه لا يستأذنك في ترك الغزو وجهاد أعداء الله بماله ونفسه (26) =(والله عليم بالمتقين)، يقول: والله ذو علم بمن خافه، فاتقاه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه، والمسارعة إلى طاعته في غزو عدوّه وجهادهم بماله ونفسه, وغير ذلك من أمره ونهيه. (27)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16768- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله)، فهذا تعييرٌ للمنافقين حين استأذنوا في القُعود عن الجهاد من غير عُذْر, وعَذَر الله المؤمنين, فقال: لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ، [سورة النور: 62].
------------------
الهوامش :
(26) انظر تفسير "جاهد" فيما سلف ص : 270 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(27) انظر تفسير " التقوى " فيما سلف من فهارس اللغة (وقى).
Quran Translation Sura At-Tawba aya 44
Those who believe in Allah and the Last Day would not ask permission of you to be excused from striving with their wealth and their lives. And Allah is Knowing of those who fear Him.