يقول تعالى : ما ينبغي للمشركين بالله أن يعمروا مساجد الله التي بنيت على اسمه وحده لا شريك له . ومن قرأ : " مسجد الله " فأراد به المسجد الحرام ، أشرف المساجد في الأرض ، الذي بني من أول يوم على عبادة الله وحده لا شريك له . وأسسه خليل الرحمن هذا ، وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر ، أي : بحالهم وقالهم ، كما قال السدي : لو سألت النصراني : ما دينك ؟ لقال : نصراني ، واليهودي : ما دينك ؟ لقال يهودي ، والصابئي لقال : صابئي ، والمشرك لقال : مشرك .
( أولئك حبطت أعمالهم ) أي : بشركهم ، ( وفي النار هم خالدون ) كما قال تعالى : ( وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون ) [ الأنفال : 34 ] ؛ ولهذا قال :
القول في تأويل قوله : مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما ينبغي للمشركين أن يعمروا مساجد الله وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر. يقول: إن المساجد إنما تعمر لعبادة الله فيها، لا للكفر به, فمن كان بالله كافرًا، فليس من شأنه أن يعمُرَ مساجد الله.
* * *
وأما شهادتهم على أنفسهم بالكفر, فإنها كما:-
16552- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر)، يقول: ما ينبغي لهم أن يعمروها. وأما(شاهدين على أنفسهم بالكفر)، فإن النصراني يسأل: ما أنت؟ فيقول: نصراني = واليهودي, فيقول: يهودي = والصابئ, فيقول: صابئ = والمشرك يقول إذا سألته: ما دينك؟ فيقول: مشرك ! لم يكن ليقوله أحدٌ إلا العرب.
16553- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو العنقزي, عن أسباط, عن السدي: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله)، قال: يقول: ما كان ينبغي لهم أن يعمروها.
16554- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو, عن أسباط, عن السدي: (شاهدين على أنفسهم بالكفر)، قال: النصراني يقال له: ما أنت؟ فيقول: نصراني = واليهودي يقال له: ما أنت؟ فيقول: يهودي = والصابئ يقال له: ما أنت؟ فيقول: صابئ.
* * *
وقوله: (أولئك حبطت أعمالهم)، يقول: بطلت وذهبت أجورها, لأنها لم تكن لله بل كانت للشيطان (15) =(وفي النار هم خالدون)، يقول: ماكثون فيها أبدًا, لا أحياءً ولا أمواتًا. (16)
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله)، فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة والكوفة: ( مساجد الله ) ، على الجماع. (17)
* * *
وقرأ ذلك بعض المكيين والبصريين: (مَسْجِدَ اللهِ)، على التوحيد, بمعنى المسجد الحرام.
* * *
قال أبو جعفر: وهم جميعًا مجمعون على قراءة قوله: (18) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ ، على الجماع, لأنه إذا قرئ كذلك، احتمل معنى الواحد والجماع, لأن العرب قد تذهب بالواحد إلى الجماع، وبالجماع إلى الواحد, كقولهم: " عليه ثوب أخلاق ". (19)
-----------------------
الهوامش :
(15) انظر تفسير " حبط " فيما سلف 113 : 116 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(16) انظر تفسير " الخلود " فيما سلف من فهارس اللغة ( خلد ) .
(17) في المطبوعة : " على الجمع " ، وأثبت ما في المخطوطة ، في هذا الموضوع ما يليه جميعا .
(18) يعني أبو جعفر أن جميع القرأة مجمعون على قراءة الآية التالية : " إنما يعمر مساجد الله " ، على الجماع ، بلا خلاف بينهم في ذلك ولذلك زدت تمام الآية ، وكان في المطبوعة والمخطوطة : " مساجد الله " ، دون : " إنما يعمر " .
(19) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 426 ، 427 .
Quran Translation Sura At-Tawba aya 17
It is not for the polytheists to maintain the mosques of Allah [while] witnessing against themselves with disbelief. [For] those, their deeds have become worthless, and in the Fire they will abide eternally.