قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن أخي الزهري محمد بن عبد الله ، عن عمه محمد بن مسلم الزهري ، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، أن عبد الله بن كعب بن مالك - وكان قائد كعب من بنيه حين عمي - قال : سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فقال كعب بن مالك : لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة غيرها قط إلا في غزوة تبوك ، غير أني كنت تخلفت في غزاة بدر ، ولم يعاتب أحد تخلف عنها ، وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش ، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين توافقنا على الإسلام ، وما أحب أن لي بها مشهد بدر ، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها وأشهر ، وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزاة ، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها ، حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد ، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا ، واستقبل عدوا كثيرا فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم ، فأخبرهم وجهه الذي يريد ، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ، لا يجمعهم كتاب حافظ - يريد الديوان - فقال كعب : فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله ، عز وجل ، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزاة حين طابت الثمار والظل ، وأنا إليها أصعر . فتجهز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه ، وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم ، فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا ، فأقول لنفسي : أنا قادر على ذلك إذا أردت ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى شمر بالناس الجد ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون معه ، ولم أقض من جهازي شيئا ، وقلت : الجهاز بعد يوم أو يومين ثم ألحقه فغدوت بعدما فصلوا لأتجهز ، فرجعت ولم أقض شيئا من جهازي . ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا ، فلم يزل [ ذلك ] يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو ، فهممت أن أرتحل فأدركهم - وليت أني فعلت - ثم لم يقدر ذلك لي ، فطفقت إذا خرجت في الناس بعد [ خروج ] رسول الله صلى الله عليه وسلم [ فطفت فيهم ] يحزنني ألا أرى إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق ، أو رجلا ممن عذره الله ، عز وجل ، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك ، فقال وهو جالس في القوم بتبوك : " ما فعل كعب بن مالك ؟ " قال رجل من بني سلمة : حبسه يا رسول الله برداه ، والنظر في عطفيه فقال له معاذ بن جبل : بئسما قلت ! والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا ! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال كعب بن مالك : فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك حضرني بثي فطفقت أتذكر الكذب ، وأقول : بماذا أخرج من سخطه غدا ؟ أستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي . فلما قيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما ، زاح عني الباطل وعرفت أني لم أنج منه بشيء أبدا . فأجمعت صدقه ، وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ، ثم جلس للناس . فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له - وكانوا بضعة وثمانين رجلا - فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم ويستغفر لهم ، ويكل سرائرهم إلى الله تعالى ، حتى جئت ، فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ، ثم قال لي : " تعال " ، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ، فقال لي : " ما خلفك ، ألم تك قد اشتريت ظهرك " ؟ قال : فقلت : يا رسول الله ، إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر ، لقد أعطيت جدلا ولكنه والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ، ليوشكن الله يسخطك علي ، ولئن حدثتك بصدق تجد علي فيه ، إني لأرجو أقرب عقبى ذلك [ عفوا ] من الله ، عز وجل والله ما كان لي عذر ، والله ما كنت قط أفرغ ولا أيسر مني حين تخلفت عنك قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما هذا فقد صدق ، فقم حتى يقضي الله فيك " . فقمت وبادرني رجال من بني سلمة واتبعوني ، فقالوا لي : والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ، ولقد عجزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون فقد كان كافيك [ من ذنبك ] استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك . قال : فوالله ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي : قال : ثم قلت لهم : هل لقي هذا معي أحد ؟ قالوا : نعم ، [ لقيه معك ] رجلان ، قالا ما قلت ، وقيل لهما مثل ما قيل لك . قلت : فمن هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع العامري ، وهلال بن أمية الواقفي . فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا لي فيهما أسوة . قال : فمضيت حين ذكروهما لي - قال : ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا - أيها الثلاثة - من بين من تخلف عنه ، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا ، حتى تنكرت لي في نفسي الأرض ، فما هي بالأرض التي كنت أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة . فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم ، فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين ، وأطوف بالأسواق فلا يكلمني أحد ، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه بعد الصلاة فأسلم ، وأقول في نفسي : حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟ ثم أصلي قريبا منه ، وأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي ، فإذا التفت نحوه أعرض ، حتى إذا طال علي ذلك من هجر المسلمين مشيت حتى تسورت حائط أبي قتادة - وهو ابن عمي ، وأحب الناس إلي - فسلمت عليه ، فوالله ما رد علي السلام ، فقلت له : يا أبا قتادة ، أنشدك الله : هل تعلم أني أحب الله ورسوله ؟ قال : فسكت . قال : فعدت فنشدته [ فسكت ، فعدت فنشدته ] فقال : الله ورسوله أعلم . قال : ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار . فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط الشام ، ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول : من يدل على كعب بن مالك ؟ قال : فطفق الناس يشيرون له إلي ، حتى جاء فدفع إلي كتابا من ملك غسان ، وكنت كاتبا فإذا فيه : أما بعد ، فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسك . قال : فقلت حين قرأتها : وهذا أيضا من البلاء . قال : فتيممت به التنور فسجرته حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين ، إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك . قال : فقلت : أطلقها أم ماذا أفعل ؟ قال : بل اعتزلها ولا تقربها . قال : وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك قال : فقلت لامرأتي : الحقي بأهلك ، فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر . قال : فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له : يا رسول الله ، إن هلالا شيخ ضائع ليس له خادم ، فهل تكره أن أخدمه ؟ قال : " لا ولكن لا يقربنك " قالت : وإنه والله ما به حركة إلى شيء ، والله ما يزال يبكي من لدن أن كان من أمرك ما كان إلى يومه هذا . قال : فقال لي بعض أهلي : لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك ، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه . قال : فقلت : والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما أدري ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته وأنا رجل شاب ؟ قال : فلبثنا [ بعد ذلك ] عشر ليال ، فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا قال : ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى منا : قد ضاقت علي نفسي ، وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صارخا أوفى على جبل سلع يقول بأعلى صوته : يا كعب بن مالك ، أبشر . قال : فخررت ساجدا ، وعرفت أن قد جاء فرج ، فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى الفجر ، فذهب الناس يبشروننا ، وذهب قبل صاحبي مبشرون ، وركض إلي رجل فرسا ، وسعى ساع من أسلم وأوفى على الجبل ، فكان الصوت أسرع من الفرس . فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني ، فنزعت ثوبي ، فكسوتهما إياه ببشارته ، والله ما أملك غيرهما يومئذ ، واستعرت ثوبين فلبستهما ، وانطلقت أؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة ، يقولون : ليهنك توبة الله عليك . حتى دخلت المسجد ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد حوله الناس ، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول ، حتى صافحني وهنأني ، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره قال : فكان كعب لا ينساها لطلحة . قال كعب : فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور : " أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك " . قال : قلت : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال : " لا بل من عند الله " . قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر ، حتى يعرف ذلك منه . فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله ، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله . قال : " أمسك عليك بعض مالك ، فهو خير لك " . قال : فقلت : فإني أمسك سهمي الذي بخيبر . وقلت : يا رسول الله ، إنما نجاني الله بالصدق ، وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقا ما بقيت . قال : فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني الله تعالى ، والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي . قال : وأنزل الله تعالى : ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم . وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم . يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) قال كعب : فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ألا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوه [ حين كذبوه ] ؛ فإن الله تعالى قال للذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد ، قال الله تعالى : ( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون . يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ) [ التوبة : 95 ، 96 ] . قال : وكنا خلفنا - أيها الثلاثة - عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا ، فبايعهم واستغفر لهم ، وأرجأ رسول الله أمرنا ، حتى قضى الله فيه ، فبذلك قال الله تعالى : ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) وليس تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا الذي ذكر مما خلفنا بتخلفنا عن الغزو ، وإنما هو عمن حلف له واعتذر إليه ، فقبل منه .
هذا حديث صحيح ثابت متفق على صحته ، رواه صاحبا الصحيح : البخاري ومسلم من حديث الزهري ، بنحوه .
فقد تضمن هذا الحديث تفسير هذه الآية الكريمة بأحسن الوجوه وأبسطها . وكذا روي عن غير واحد من السلف في تفسيرها ، كما رواه الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر بن عبد الله في قوله تعالى : ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) قال : هم كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن ربيعة وكلهم من الأنصار .
وكذا قال مجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي وغير واحد - وكلهم قال : مرارة بن ربيعة .
[ وكذا في مسلم : مرارة بن ربيعة في بعض نسخه ، وفي بعضها : مرارة بن الربيع ] .
وفي رواية عن سعيد بن جبير : ربيع بن مرارة .
وقال الحسن البصري : ربيع بن مرارة أو مرارة بن ربيع .
وفي رواية عن الضحاك : مرارة بن الربيع ، كما وقع في الصحيحين ، وهو الصواب .
وقوله : " فسموا رجلين شهدا بدرا " ، قيل : إنه خطأ من الزهري ، فإنه لا يعرف شهود واحد من هؤلاء الثلاثة بدرا ، والله أعلم .
ولما ذكر تعالى ما فرج به عن هؤلاء الثلاثة من الضيق والكرب ، من هجر المسلمين إياهم نحوا من خمسين ليلة بأيامها ، وضاقت عليهم أنفسهم ، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، أي : مع سعتها ، فسددت عليهم المسالك والمذاهب ، فلا يهتدون ما يصنعون ، فصبروا لأمر الله ، واستكانوا لأمر الله ، وثبتوا حتى فرج الله عنهم بسبب صدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخلفهم ، وأنه كان عن غير عذر ، فعوقبوا على ذلك هذه المدة ، ثم تاب الله عليهم ، فكان عاقبة صدقهم خيرا لهم وتوبة عليهم
القول في تأويل قوله : وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ =(وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا)، وهؤلاء الثلاثة الذين وصفهم الله في هذه الآية بما وصفهم به فيما قيل, هم الآخرون الذين قال جل ثناؤه: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [سورة التوبة: 106]، فتاب عليهم عز ذكره وتفضل عليهم.
وقد مضى ذكر من قال ذلك من أهل التأويل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: ولقد تاب الله على الثلاثة الذين خلفهم الله عن التوبة, فأرجأهم عمَّن تاب عليه ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما:-
17431- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عمن سمع عكرمة في قوله: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، قال: خُلِّفوا عن التوبة.
17432- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: أما قوله: (خلفوا) ، فخلِّفوا عن التوبة.
* * *
(حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت) ، يقول: بسعتها، (2) غمًّا وندمًا على تخلفهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم =(وضاقت عليهم أنفسهم) ، بما نالهم من الوَجْد والكرْب بذلك =(وظنوا أن لا ملجأ) ، يقول: وأيقنوا بقلوبهم أن لا شيء لهم يلجئون إليه مما نـزل بهم من أمر الله من البلاء، (3) بتخلفهم خِلافَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينجيهم من كربه, ولا مما يحذرون من عذاب الله، إلا الله، ثم رزقهم الإنابة إلى طاعته, والرجوع إلى ما يرضيه عنهم, لينيبوا إليه، ويرجعوا إلى طاعته والانتهاء إلى أمره ونهيه =(إن الله هو التواب الرحيم) ، يقول: إن الله هو الوهّاب لعباده الإنابة إلى طاعته، الموفقُ من أحبَّ توفيقه منهم لما يرضيه عنه =(الرحيم)، بهم، أن يعاقبهم بعد التوبة, أو يخذل من أراد منهم التوبةَ والإنابةَ ولا يتوب عليه. (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
17433- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن أبي سفيان, عن جابر في قوله: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، قال: كعب بن مالك, وهلال بن أمية, ومُرارة بن الربيع, وكلهم من الأنصار. (5)
17434- حدثني عبيد بن محمد الوراق قال، حدثنا أبو أسامة, عن الأعمش, عن أبي سفيان, عن جابر بنحوه = إلا أنه قال: ومرارة بن الربيع, أو: ابن ربيعة, شكّ أبو أسامة. (6)
17435- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن إسرائيل, عن جابر, عن عكرمة وعامر: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، قال: أرْجئوا، في أوسط " براءة ".
17436- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: (الثلاثة الذين خلفوا) ، قال: الذين أرجئوا في أوسط " براءة ", قوله: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ ، [سورة التوبة: 106] هلال بن أمية, ومرارة بن رِبْعيّ, وكعب بن مالك. (7)
17437- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، الذين أرجئوا في وسط " براءة ".
17438- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن أبيه, عن ليث, عن مجاهد: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، قال: كلهم من الأنصار: هلال بن أمية, ومرارة بن ربيعة, وكعب بن مالك.
17439-...... قال، حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، قال: الذين أرجئوا.
17440-...... قال، حدثنا جرير, عن يعقوب, عن جعفر, عن سعيد قال: (الثلاثة الذين خلفوا) ، كعب بن مالك وكان شاعرا, ومرارة بن الربيع, وهلال بن أمية, وكلهم أنصاريّ. (8)
17441-...... قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، والمحاربي, عن جويبر, عن الضحاك قال: كلهم من الأنصار: هلال بن أمية, ومرارة بن الربيع, وكعب بن مالك.
17442- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هاشم, عن جويبر, عن الضحاك قوله: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، قال: هلال بن أمية, وكعب بن مالك, ومرارة بن الربيع، كلهم من الأنصار.
17443- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، إلى قوله: (ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم) ، كعب بن مالك, وهلال بن أمية, ومرارة بن ربيعة، تخلفوا في غزوة تبوك. ذكر لنا أن كعب بن مالك أوثق نفسه إلى سارية, فقال: لا أطلقها = أو لا أطلق نفسي (9) = حتى يُطلقني رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال رسول الله: والله لا أطلقه حتى يطلقه ربُّه إن شاء! وأما الآخر فكان تخلف على حائط له كان أدرك, (10) فجعله صدقة في سبيل الله, وقال: والله لا أطعمه! وأما الآخر فركب المفاوز يتبع رسول الله، ترفعه أرض وتَضَعه أخرى, وقدماه تَشَلْشَلان دمًا. (11)
17444- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن السدي, عن أبي مالك قال: (الثلاثة الذين خلفوا) ، هلال بن أمية, وكعب بن مالك, ومرارة بن ربيعة.
17445-...... قال، حدثنا أبو داود الحفري, عن سلام أبي الأحوص, عن سعيد بن مسروق, عن عكرمة: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، قال: هلال بن أمية, ومرارة, وكعب بن مالك.
17446- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا ابن عون, عن عمر بن كثير بن أفلح قال: قال كعب بن مالك: ما كنت في غَزاة أيسر للظهر والنفقة مني في تلك الغَزاة! قال كعب بن مالك: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: " أتجهز غدًا ثم ألحقه "، فأخذت في جَهازي, فأمسيت ولم أفرغ. فلما كان اليوم الثالث، أخذت في جهازي, فأمسيت ولم أفرغ, فقلت: هيهات! سار الناس ثلاثًا! فأقمت. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعل الناس يعتذرون إليه, فجئت حتى قمت بين يديه، فقلت: ما كنت في غَزاة أيسر للظهر والنفقة مني في هذه الغزاة! فأعرض عني رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأمر الناس أن لا يكلمونا, وأمِرَتْ نساؤنا أن يتحوَّلن عنَّا. قال: فتسوَّرت حائطا ذات يوم، فإذا أنا بجابر بن عبد الله, فقلت: أيْ جابر! نشدتك بالله، هل علمتَني غششت الله ورسوله يومًا قطُّ؟ فسكت عني فجعل لا يكلمني. (12) فبينا أنا ذات يوم, إذ سمعت رجلا على الثنيَّة يقول: كعب! كعب! حتى دنا مني, فقال: بشِّروا كعبًا. (13)
17447- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس, عن ابن شهاب قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، وهو يريد الروم ونصارى العرب بالشام, حتى إذا بلغ تبوك، أقام بها بضع عشرة ليلة، ولقيه بها وفد أذْرُح ووفد أيلة, فصَالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية، ثم قَفَل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ولم يجاوزها, وأنـزل الله: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ، الآية, والثلاثة الذين خلفوا: رَهْطٌ منهم: كعب بن مالك، وهو أحد بني سَلِمة, ومرارة بن ربيعة، وهو أحد بني عمرو بن عوف, وهلال بن أمية، وهو من بني واقف، وكانوا تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة في بضعة وثمانين رجلا. فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة, صَدَقه أولئك حديثهم، واعترفوا بذنوبهم, وكذب سائرهم, فحلفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حبسهم إلا العذر, فقبل منهم رسول الله وبايعهم, ووكَلَهم في سرائرهم إلى الله، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلام الذين خُلِّفوا, وقال لهم حين حدَّثوه حديثهم واعترفوا بذنوبهم: قد صدقتم، فقوموا حتى يقضي الله فيكم. فلما أنـزل الله القرآن، تاب على الثلاثة, وقال للآخرين: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ، حتى بلغ: لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [سورة التوبة: 95 - 96].
= قال ابن شهاب: وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك: أن عبد الله بن كعب بن مالك = وكان قائد كعبٍ من بنيه حين عَمي = قال: سمعت كعب بن مالك يحدِّث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. قال كعب: لم أتخلَّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط، إلا في غزوة تبوك, غير أني قد تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتبْ أحدًا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عِيرَ قريش, حتى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد. ولقد شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، حين تواثقنا على الإسلام, وما أحبُّ أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكرَ في الناس منها. (14)
= فكان من خبري حين تخلفت عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة, والله ما جمعت قبلها راحلتين قطُّ حتى جمعْتُهما في تلك الغزوة. فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرٍّ شديد, واستقبل سفرًا بعيدًا ومفاوِزَ, واستقبل عدوًّا كثيرًا, فجلَّى للمسلمين أمرهم ليتأهَّبُوا أهبة غزوهم, فأخبرهم بوجهه الذي يريد, والمسلمون مع النبي صلى الله عليه وسلم كثير, ولا يجمعهم كتاب حافظٌ = يريد بذلك: الديوان = قال كعب: فما رجلٌ يريد أن يتغيّب إلا يظنَّ أن ذلك سيخفى، ما لم ينـزل فيه وَحْيٌ من الله. وغزا رسول الله تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال, وأنا إليهما أصعَرُ. (15) فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه, وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم, [فأرجع ولم أقض شيئًا، وأقول في نفسي: " أنا قادر على ذلك إذا أردت!"، فلم يزل ذلك يتمادى بي، حتى استمرّ بالناس الجدُّ. فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديًا والمسلمون معه]، (16) ولم أقض من جَهازي شيئًا, ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئًا. فلم يزل ذلك يتمادى [بي]، (17) حتى أسرعوا وتفارط الغزْوُ, (18) وهممت أن أرتحل فأدركهم, فيا ليتني فعلت, فلم يُقَدَّر ذلك لي. فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم يحزنني أنّي لا أرى لي أسوةً إلا رجلا مغموصًا عليه في النفاق، (19) أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء. ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك, فقال وهو جالس في القوم بتبوك: ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من بني سَلِمَة: يا رسول الله، حبسه بُرْداه، والنظر في عِطْفيْه! (20) [فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت! والله يا رسول الله، ما علمنا عليه إلا خيرًا]! (21) فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا هو على ذلك، رأى رجلا مُبَيِّضًا يزول به السرابُ, (22) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة! فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري, وهو الذي تصدَّق بصاع التمر, فلمزه المنافقون. (23)
= قال كعب: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجَّه قافلا من تبوك، حضرني بثِّي, (24) فطفقت أتذكر الكذب، وأقول: " بم أخرج من سَخَطه غدًا " ؟ وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي. فلما قيل: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظَلّ قادمًا!"، زاح عني الباطل, (25) حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبدًا, فأجمعت صدقه، (26) وصَبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادمًا, (27) وكان إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس. فلما فعل ذلك، جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له, وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم, ووكل سرائرهم إلى الله. حتى جئتُ, فلما سلمت تبسم تبسُّم المغْضَب, ثم قال: تعالَ! فجئت أمشي حتى جلست بين يديه, فقال لي: ما خلَّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ قال قلت: يا رسول الله، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أني سأخرج من سَخَطه بعذرٍ، لقد أعطيتُ جدلا (28) ولكني والله لقد علمت لئن حدَّثتك اليوم حديثَ كذبٍ ترضى به عني، ليوشكنّ الله أن يُسْخِطَك عليّ, ولئن حدثتك حديث صِدْق تَجدُ عليّ فيه، (29) إني لأرجو فيه عفوَ الله، (30) والله ما كان لي عُذْر! والله ما كنت قطُّ أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلفت عنك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمّا هذا فقد صَدَق, قم حتى يقضي الله فيك! فقمت, وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني وقالوا: والله ما علمناك أذنبت ذنبًا قبل هذا! لقد عجزتَ في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون, (31) فقد كان كافِيَك ذنبك استغفارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لك! قال: فوالله ما زالوا يؤنِّبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذّبَ نفسي! قال: ثم قلت لهم: هل لَقي هذا معي أحدٌ؟ قالوا: نعم، لقيه معك رجلان قالا مثلَ ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك. قال: قلت من هما؟ قالوا: مرارة بن ربيع العامري، (32) وهلال بن أمية الواقفي. قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا، فيهما أسوة. (33) قال: فمضيت حين ذكروهما لي. (34)
= ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيُّها الثلاثة، (35) من بين من تخلّف عنه. قال: فاجتنبنا الناسُ وتغيَّروا لنا، حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلةً، فأمّا صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان, وأمّا أنا فكنت أشبَّ القوم وأجلدهم, فكنت أخرج وأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق، ولا يكلمني أحدٌ, وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة, فأقول في نفسي: " هل حرك شفتيه بردّ السلام أم لا؟"، ثم أصلي معه، وأسارقه النظر, فإذا أقبلتُ على صلاتي نظر إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين, مشيت حتى تسوَّرت جدار حائط أبي قتادة = وهو ابن عمي، وأحبُّ الناس إليّ = فسلمت عليه, فوالله ما ردّ علي السلام! فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك بالله، هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فسكت. قال: فعُدْت فناشدته، فسكت, فعدت فناشدته، فقال: الله ورسوله أعلم! ففاضت عيناي, وتولَّيت حتى تسوَّرت الجدار.
= فبينا أنا أمشي في سوق المدينة, إذا بنبطيّ من نَبَط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة, يقول: من يدلُّ على كعب بن مالك؟ قال: فطفق الناس يشيرون له، حتى جاءني, فدفع إليَّ كتابًا من ملك غسان, وكنت كاتبًا, فقرأته، فإذا فيه: " أما بعدُ، فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك, ولم يجعلك الله بدار هَوَانٍ ولا مَضْيَعةٍ, فالحق بنا نُوَاسِك ".
= قال: فقلت حين قرأته: وهذا أيضًا من البلاء!! فتأمَّمتُ به التنُّور فسجرته به. (36) حتى إذا مضت أربعون من الخمسين، واستلبث الوحي، (37) إذا رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك. قال فقلت: أطلِّقها، أم ماذا أفعل؟ قال: لا بل اعتزلها فلا تقربها. قال: وأرسل إلى صاحبي بذلك. قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. (38)
= قال: فجاءت امرأة هلالٍ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادمٌ, فهل تكره أن أخدُمَه؟ فقال: لا ولكن لا يقرَبَنْكِ! قالت فقلت: إنه والله ما به حركة إلى شيء! ووالله ما زال يبكي مُنْذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا! قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك، فقد أذن لامرأة هلال أن تخدُمه؟ قال فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما يدريني ماذا يقول لي إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شابٌّ!
= فلبثت بعد ذلك عشر ليالٍ, فكمل لنا خمسون ليلةً من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا. (39) قال: ثم صليت صلاة الفجر صباحَ خمسين ليلة على ظهر بيتٍ من بيوتنا, فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله منّا، (40) قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت, سمعتُ صوت صارخٍ أوْفى على جبل سَلْع، (41) يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر! قال: فخررت ساجدًا, وعرفت أن قد جاء فرجٌ. قال: وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر, (42) فذهب الناس يبشروننا, (43) فذهب قِبَلَ صاحبي مبشرون, وركض رجل إلي فرسًا, وسعى ساعٍ من أسْلَم قِبَلي وأوفى على الجبل, وكان الصوت أسرعَ من الفرس. فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني، نـزعت له ثوبيَّ فكسوتهما إياه ببشارته, والله ما أملك غيرهما يومئذ, واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم. (44) فتلقَّاني الناس فوجًا فوجًا يهنئوني بالتوبة ويقولون: لِتَهْنِكَ توبة الله عليك! (45) حتى دخلت المسجد, فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد حوله الناس, فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يُهَرول حتى صافحني، وهنأني, والله ما قام رجل من المهاجرين غيره = قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة (46) = قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وهو يبرُقُ وجهه من السرور: أبشر بخير يومٍ مرَّ عليك منذ ولدتك أمك! فقلت: أمن عندك، يا رسول الله, أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله! وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه، حتى كأن وجهه قطعة قمر, وكنا نعرف ذلك منه.
= قال: فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله. (47) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك بعض مالك، فهو خيرٌ لك! قال فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. وقلت: يا رسول الله، إن الله إنما أنجاني بالصدق, وإنّ من توبتي أن لا أحدِّث إلا صدقًا ما بقيت! قال: فوالله ما علمت أحدًا من المسلمين ابتلاه الله في صِدْق الحديث، منذ ذكرت ذلك لرسول الله عليه السلام، أحسن مما ابتلاني, (48) والله ما تعمَّدت كِذْبَةً منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا, وإني أرجو أن يحفظني الله فيما بقي. قال: فأنـزل الله: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ ، حتى بلغ: (وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا) ، إلى: اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ .
= قال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمةٍ قطُّ بعد أن هَدَاني للإسلام أعظمَ في نفسي من صدقي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، أن لا أكون كذبته، (49) فأهلك كما هلك الذين كذبوه, فإن الله قال للذين كذبوا، حين أنـزل الوحي، شَرَّ ما قال لأحدٍ: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ، إلى قوله: لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ، [سورة التوبة: 95 - 96].
= قال كعب: خُلِّفنا، أيها الثلاثة، (50) عن أمر أولئك الذين قَبِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم توبتهم حين حَلفوا له, فبايعهم واستغفر لهم, وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمْرَنا حتى قضى الله فيه. فبذلك قال الله: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) ، وليس الذي ذكر الله مما خُلِّفنا عن الغزو، (51) إنما هو تخليفه إيّانا، (52) وإرجاؤه أمرَنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه. (53)
17448- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث, عن عقيل, عن ابن شهاب قال، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك: أن عبد الله بن كعب بن مالك = وكان قائد كعب من بنيه حين عَمِي = قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك, فذكر نحوه. (54)
17449- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الزهري, عن عبد الرحمن بن كعب, عن أبيه قال: لم أتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غَزاة غَزاها إلا بدرًا, ولم يعاتب النبيُّ صلى الله عليه وسلم أحدًا تخلف عن بدر, ثم ذكر نحوه. (55)
17450- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن ابن شهاب الزهري, عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري, ثم السلمي, عن أبيه، أن أباه عبد الله بن كعب, وكان قائد أبيه كعب حين أصيب بصره = قال: سمعت أبي كعبَ بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك, وحديث صاحبيه، قال: ما تخلفت عن رَسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها, غير أني كنت تخلفت عنه في غزوة بدر, ثم ذكر نحوه. (56)
----------------------
الهوامش :
(1) انظر ما سلف ص : 464 - 467 .
(2) انظر تفسير " رحب " فيما سلف . ص : 179 .
(3) انظر تفسير " الظن " فيما سلف 2 : 17 - 20 ، 265 / 5 : 352 .
= وتفسير " الملجأ " فيما سبق ص : 298 .
(4) انظر تفسير " التواب " ، " والرحيم " ، فيما سلف من فهارس اللغة ( ثوب ) ، ( رحم ) .
(5) الأثر : 17433 - " مرارة بن ربيعة " ، المشهور : " مرارة بن الربيع " ، ولكنه هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة هنا . ثم جاء في الأخبار التالية " الربيع " . وقد مضى مثل هذا الاختلاف وأشد منه فيما سلف في التعليق على رقم 17177 ، 17178 ، 17183 . وذكر ابن كثير في تفسيره 4 : 264 ، وذكر هذا الخبر فقال : " وكذا في مسلم : ربيعة ، في بعض نسخه ، وفي بعضها : مرارة بن الربيع " .
(6) الأثر : 17434 - " عبيد بن محمد الوراق " ، هو " عبيد بن محمد بن القاسم بن سليمان بن أبي مريم " ، " أبو محمد الوراق النيسابوري " ، سكن بغداد ، وحدث بها عن موسى بن هلال العبدي وأبي النضر هاشم بن القاسم ، والحسن بن موسى الأشيب ، ويعقوب بن محمد الزهري ، وبشر بن الحارث . كان ثقة ، مات سنة 255 ، ولم أجد له ترجمة في غير تاريخ بغداد 11 : 97 ، وروى عنه الطبري في موضعين من تاريخه 2 : 202 ، 250 ، روى عن روح بن عبادة .
وكان في المطبوعة : " عبيد بن الوراق " ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، لأن الناسخ كتب " عبيد بن محمد " كلمة واحدة مشتبكة الحروف .
وأما " مرارة بن الربيع " أو " ابن ربيعة " ، فانظر التعليق السالف .
(7) الأثر : 17436 - " مرارة بن ربعي " ، هكذا في المخطوطة كما أثبته ، وفي المطبوعة " ابن ربيعة " ولكن هكذا ، جاء هنا ، كالذي مضى في رقم : 17177 ، 17178 ، فانظر التعليق هناك .
(8) في المطبوعة : " أنصار " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب محض .
(9) في المطبوعة : " لا أطلقها ، أو لا أطلق نفسي " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(10) " الحائط " ، هو البستان من النخيل ، إذا كان عليه حائط ، وهو الجدار . ويقال لها أيضا " حديقة " ، لإحداق سوره بها . فإذا لم يكن عليها حائط ، فهي " ضاحية " ، لبروزها للعين . و " أدرك الثمر " ، أي بلغ نضجه .
(11) " تشلشلان " ، " تتشلشلان " ، على حذف إحدى التائين . " تشلشل الماء والدم " ، إذا تبع قطران بعضه بعضا في سيلانه متفرقا .
(12) انظر " جعل " ، وأنها من حروف الاستعانة فيما سلف 11 : 250 ، في كلام الطبري ، والتعليق هناك رقم : 1 ، والتعليق على الأثر رقم : 13862 .
(13) الأثر : 17446 - " عمر بن كثير بن أفلح المدني " ، مولى أبي أيوب الأنصاري ، ثقة ، ذكره ابن حبان في أتباع التابعين ، وكأنه لم يصح عنده لقيه للصحابة . وذكر غيره أنه روى عن كعب بن مالك . وابن عمر ، وسفينة . ومضى برقم : 12223 .
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 4 : 454 ، 455 ، من هذه الطريق نفسها بنحوه .
(14) قوله : " أذكر " أي أشهر ذكرا .
(15) " أصعر " ، أي : أميل ، على وزن " أفعل " التفضيل ، وأصله من " الصعر " ( بفتحتين ) ، وهو ميل في الوجه ، كأنه يلتفت إليه شوقا .
(16) الذي بين القوسين ساقط من المخطوطة ، وأثبته من رواية مسلم في صحيحه . وكان في المطبوعة : " . . . لكي أتجهز معهم ، فلم أقضي من جهازي شيئا " ، أما المخطوطة ، فكان فيها ما يدل على أن الناسخ قد أسقط من الكلام : " . . . لكي أتجهز معهم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا " .
(17) الزيادة بين القوسين ، من صحيح مسلم .
(18) " تفارط الغزو " ، أي فات وقته ، ومثله " تفرط " ، وفي الحديث : " أنه نام عن العشاء حتى تفرطت " ، أي : فات وقتها .
(19) " أسوة " ، أي : قدوة ومثلا . و " المغموص عليه " ، من قولهم " غمص عليه قولا قاله " ، أي : عابه عليه، وطعن به عليه . ويعني : مطعونا في دينه ، متهما بالنفاق .
(20) " النظر في عطفيه " ، كناية عن إعجابه بنفسه ، واختياله بحسن لباسه . و " العطفان " ، الجانبان ، فهو يتلفت من شدة خيلائه .
(21) الزيادة بين القوسين ، من صحيح مسلم . وظاهر أن الناسخ أسقطها في نسخه .
(22) " المبيض " ( بتشديد الباء وكسرها ) ، هو لا بس البياض . و " يزول به السراب " ، أي : يرفعه ويخفضه ، وإنما يحرك خياله .
(23) " لمزه " ، عابه وحقره .
(24) في المطبوعة : " حضرني همي " ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، والذي فيها مطابق لرواية مسلم في صحيحه . و " البث " ، أشد الحزن . وذلك أنه إذا اشتد حزن المرء ، احتاج أن يفضي بغمه وحزنه إلى صاحب له يواسيه ، أو يسليه ، أو يتوجع له .
(25) " أظل قادما " ، أي : أقبل ودنا قدومه ، كأنه ألقى على المدينة ظله . وقوله : " زاح عني الباطل " ، أي : زال وذهب وتباعد .
(26) " أجمعت صدقه " ، أي : عزمت على ذلك كل العزم ، " أجمع صدقه " و " أجمع على صدقه " ، سواء .
(27) في المطبوعة : " وأصبح " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في صحيح مسلم .
(28) " الجدل " ، اللدد في الخصومة ، والقدرة عليها ، وعلى مقابلة الحجة بالحجة .
(29) " تجد " من " الوجد " ، وهو الغضب والسخط .
(30) هكذا في المخطوطة : " عفو الله " ومثله في مسند أحمد 3 : 460 وفي صحيح مسلم " عقبى الله " ، أي : أن يعقبني خيرا ، وأن يثبتني عليه .
(31) في المطبوعة حذف " في " من قوله : " لقد عجزت في أن لا تكون " ، وهي ثابتة في المخطوطة ، وهي مطابقة لما في صحيح مسلم . وأما الذي في المطبوعة ، فهو مطابق لما في البخاري من رواية غيره .
(32) في المطبوعة : " ابن الربيع " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وانظر روايته في مسلم " مرارة بن ربيعة " ، وما قالوا في اختلاف رواه مسلم . وما قالوه أيضا في روايته " العامري " ، وأن صوابها " العمري " نسبة إلى بني عمرو بن عوف .
(33) في المطبوعة : " لي فيهما أسوة " ، زاد من عنده ما ليس في المخطوطة ، ولا في صحيح مسلم . وإنما هو من رواية البخاري ، بغير هذا الإسناد .
(34) " مضيت " ، أي : أنفذت ما رأيت . من قولهم : " مضى في الأمر مضاء " ، نفذ ، و " أمضاه " أنفذه .
(35) قوله : " أيها الثلاثة " ، أي : خصصنا بذلك دون سائر المعتذرين . وهذه اللفظة تقال في الاختصاص ، وتختص بالمخبر عن نفسه والمخاطب ، تقول : " أما أنا فأفعل هذا ، أيها الرجل " ، يعني نفسه . انظر ما سلف 3 : 147 ، تعليق : 1 ، في الخبر رقم : 2182 .
(36) " فتأممت " ، وهكذا في المخطوطة أيضا ، وفي رواية البخاري " فتيممت ". وأما في صحيح مسلم ، " فتياممت " ، وقال النووي : " هكذا هو في حميع النسخ ببلادنا ، وهي لغة في : تيممت ، ومعناها : قصدت " . وأما القاضي عياض ، فقال في مشارق الأنوار ( أمم ) : " ومثله : فتيممت بها التنور ، كذا رواه البخاري . ولمسلم : فتأممت ، وكلاهما بمعنى ، سهل الهمزة في رواية ، وحققها في أخرى = أي : قصدت " .
ثم انظر تفسير " الأم " و " التأمم " في تفسير أبي جعفر فيما سلف 5 : 558 / 8 : 407 / 9 : 471 .
وفي المطبوعة : " فتأممت به " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في مسلم والبخاري ، إلا أن في مسلم " فسجرتها بها " ، وفي البخاري : " فسجرته بها " . وأنث " بها " ، إرادة لمعنى الصحيفة ، وهي الكتاب ، ثم رجع بالضمير إلى " الكتاب " .
" والتنور " ، الكانون الذي يخبز فيه .
و " سجر التنور " ، أوقده وأحماه وأشبع وقوده ، وأراد : أنه زاد التنور التهابا ، بإلقائه الصحيفة في ناره . وهذا كلام معجب ، أراد به أن يسخر من رسالة ملك غسان إليه .
(37) " استلبث " ، أي : أبطأ وتأخر .
(38) في المطبوعة : " تكوني عندهم " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في صحيح مسلم . وفي البخاري بغير هذا الإسناد : " فتكوني " .
(39) في صحيح مسلم " حين نهي عن كلامنا " ، وضبط " نهي " بالبناء للمجهول ، ورواية أبي جعفر ، تصحح ضبطه بالبناء للمعلوم أيضا .
(40) في المطبوعة : " التي ذكر الله عنا " ، غير ما في المخطوطة ، هو مطابق لما في صحيح مسلم ، وهو العربي العريق .
(41) " أوفى عليه " ، صعده وارتفع عليه ، فأشرف على الوادي منه واطلع .
(42) " آذن " أعلم الناس بها . ورواية مسلم : " فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس " ، والذي هنا مطابق لرواية البخاري ، بغير هذا الإسناد .
(43) " ذهب " ، سلف ما كتبته عن الاستعانة بقولهم : " ذهب " و " جعل " . انظر رقم : 17429 ، ص : 541 ، تعليق 3 ، والمراجع هناك .
(44) انظر ص : 553 ، تعليق : 1 .
(45) في المخطوطة والمطبوعة : " لتهنك " ، وهي كذلك في رواية البخاري بغير هذا الإسناد ، وفي صحيح مسلم المطبوع : " لتهنئك " ، وذكره القاضي عياض في مشارق الأنوار ( هنأ ) فقال : " ولتهنك توبة الله ، يهمز ، ويسهل " . وقد ذكر صاحب لسان العرب (هنأ ) أن العرب تقول : " ليهنئك الفارس " بجزم الهمزة ، و " ليهنيك الفارس " بياء ساكنة ، ولا يجوز " ليهنك " كما تقول العامة " ، والذي قاله ونسبه للعامة ، صواب لا شك فيه عندي .
(46) قال الحافظ في الفتح : " قالوا : سبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بينه وبين طلحة ، لما آخى بين المهاجرين والأنصار . والذي ذكره أهل المغازي أنه كان أخا الزبير ، لكن كان الزبير أخا طلحة في أخوة المهاجرين ، فهو أخو أخيه " .
(47) " انخلع من ماله " ، أي : خرج من جميع ماله ، وتعرى منه كما يتعرى إنسان إذا خلع ثوبه . وأراد : إخراجه متصدقا به .
(48) " أبلاه " أي : أنعم عليه .
(49) " أن لا أكون " ، " لا " زائدة ، كالتي في قوله تعالى : ( مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ) [ سورة : الأعراف : 12] . انظر ما سلف في تفسير الآية 12 : 323 - 325 .
(50) في المطبوعة : " خلفنا " دون " كنا " ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، وما أثبته مطابق لرواية مسلم في صحيحه .
(51) في صحيح مسلم : " مما خلفنا ، تخلفنا عن الغزو " ، والذي هنا وفي المخطوطة ، مطابق لما فيه رواية البخاري بغير هذا الإسناد .
(52) في المطبوعة : " ختم الجملة بقوله : " فقبل منهم " بالجمع ، خالف ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في صحيح مسلم والبخاري .
(53) الأثر : 17447 - حديث كعب بن مالك ، سيرويه أبو جعفر من طرق سأبينها بعد . أما روايته هذه من طريق ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، فهو إسناد مسلم في صحيحه 17 : 87 ، 98 ، وانظر التعليق على الأخبار التالية . وانظر الأثرين السالفين رقم : 16147 ، 17091 ، والتعليق عليهما .
(54) الأثر : 17448 - من هذه الطريق رواه البخاري في صحيحه ( الفتح 8 : 86 - 93 ) ، وأحمد في مسنده 3 : 459 ، 460 ، الحديث بطوله .
(55) الأثر : 17449 - من هذه الطريق ، طريق معمر ، رواه أحمد في مسنده 6 : 387 - 390 . وانظر أيضا ما رواه أحمد في مسنده 3 : 456 ، روايته من طريق يعقوب بن إبراهيم ، عن ابن أخي الزهري محمد بن عبد الله ، عن عمه محمد بن مسلم الزهري ، الحديث بطوله ، وصحيح مسلم 17 : 98 - 100 .
(56) الأثر : 17450 - سيرة ابن هشام 4 : 175 - 181 ، الحديث بطوله .
Quran Translation Sura At-Tawba aya 118
And [He also forgave] the three who were left behind [and regretted their error] to the point that the earth closed in on them in spite of its vastness and their souls confined them and they were certain that there is no refuge from Allah except in Him. Then He turned to them so they could repent. Indeed, Allah is the Accepting of repentance, the Merciful.