تفسير سورة سبح وهي مكية .
والدليل على ذلك ما رواه البخاري : حدثنا عبدان : أخبرني أبي ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب قال : أول من قدم علينا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مصعب بن عمير وابن أم مكتوم ، فجعلا يقرئاننا القرآن . ثم جاء عمار وبلال وسعد . ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين . ثم جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به ، حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون : هذا رسول الله قد جاء ، فما جاء حتى قرأت : " سبح اسم ربك الأعلى " في سور مثلها .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا إسرائيل ، عن ثوير بن أبي فاختة ، عن أبيه ، عن علي قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب هذه السورة : " سبح اسم ربك الأعلى " . تفرد به أحمد .
وثبت في الصحيحين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ : " هلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى ، والشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، عن أبيه ، عن حبيب بن سالم ، عن أبيه ، عن النعمان بن بشير : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في العيدين ب " سبح اسم ربك الأعلى " و " هل أتاك حديث الغاشية " وإن وافق يوم الجمعة قرأهما جميعا .
هكذا وقع في مسند الإمام أحمد إسناد هذا الحديث . وقد رواه مسلم - في صحيحه - وأبو داود والترمذي والنسائي ، من حديث أبي عوانة وجرير وشعبة ، ثلاثتهم عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، عن أبيه ، عن حبيب بن سالم ، عن النعمان بن بشير ، به قال الترمذي : " وكذا رواه الثوري ومسعر ، عن إبراهيم - قال : ورواه سفيان بن عيينة عن إبراهيم - عن أبيه ، عن حبيب بن سالم ، عن أبيه ، عن النعمان . ولا يعرف لحبيب رواية عن أبيه " .
وقد رواه ابن ماجه عن محمد بن الصباح ، عن سفيان بن عيينة ، عن إبراهيم بن المنتشر ، عن أبيه عن حبيب بن سالم ، عن النعمان به كما رواه الجماعة ، والله أعلم .
ولفظ مسلم وأهل السنن : كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة ب " سبح اسم ربك الأعلى " و " هل أتاك حديث الغاشية " وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأهما .
وقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي بن كعب ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الرحمن بن أبزى ، وعائشة أم المؤمنين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الوتر ب " سبح اسم ربك الأعلى " و " قل يا أيها الكافرون " و " قل هو الله أحد " زادت عائشة : والمعوذتين .
وهكذا روي هذا الحديث - من طريق - جابر وأبي أمامة صدي بن عجلان ، وعبد الله بن مسعود ، وعمران بن حصين ، وعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم ولولا خشية الإطالة لأوردنا ما تيسر من أسانيد ذلك ومتونه ولكن في الإرشاد بهذا الاختصار كفاية ، والله أعلم .
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا موسى - يعني ابن أيوب الغافقي - حدثنا عمي إياس بن عامر ، سمعت عقبة بن عامر الجهني لما نزلت : ( فسبح باسم ربك العظيم ) [ الواقعة : 74 ، 96 ] قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اجعلوها في ركوعكم " . فلما نزلت : ( سبح اسم ربك الأعلى ) قال : " اجعلوها في سجودكم " .
ورواه أبو داود وابن ماجه ، من حديث ابن المبارك ، عن موسى بن أيوب ، به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ : ( سبح اسم ربك الأعلى ) قال : " سبحان ربي الأعلى " .
وهكذا رواه أبو داود عن زهير بن حرب ، عن وكيع ، به وقال : " خولف فيه وكيع ، رواه أبو وكيع وشعبة ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، موقوفا " .
وقال الثوري ، عن السدي ، عن عبد خير قال : سمعت عليا قرأ ( سبح اسم ربك الأعلى ) فقال : سبحان ربي الأعلى .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا حكام عن عنبسة ، عن أبي إسحاق الهمداني : أن ابن عباس كان إذا قرأ : ( سبح اسم ربك الأعلى ) يقول : سبحان ربي الأعلى ، وإذا قرأ : ( لا أقسم بيوم القيامة ) [ القيامة : 1 ] فأتى على آخرها : ( أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) [ القيامة : 40 ] يقول : سبحانك وبلى .
وقال قتادة : ( سبح اسم ربك الأعلى ) ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأها ، قال : " سبحان ربي الأعلى " .
القول في تأويل قوله تعالى : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى (1)
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى ) فقال بعضهم: معناه: عظم ربك الأعلى، لا ربّ أعلى منه وأعظم، وكان بعضهم إذا قرأ ذلك قال: سبحان ربي الأعلى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عمر أنه كان يقرأ: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى ) سبحان ربي الأعلى ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ) قال: وهي في قراءة أُبيّ بن كعب كذلك .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: سفيان، عن السدي، عن عبد خير، قال: سمعت عليًا رضي الله عنه قرأ: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى ) فقال: سبحان ربي الأعلى .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن أبي إسحاق الهمداني، أن ابن عباس، كان إذا قرأ ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى ) يقول: سبحان ربي الأعلى، وإذا قرأ لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فأتى على آخرها أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ؟ يقول: سبحانك اللهمّ وبَلَى .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى ) ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال: سبحان ربي الأعلَى.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن خارجة، عن داود، عن زياد بن عبد الله، قال: سمعت ابن عباس يقرأ في صلاة المغرب: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى ) سبحان ربي الأعلَى .
وقال آخرون: بل معنى ذلك: نـزه يا محمد اسم ربك الأعلى، أن تسمي به شيئًا سواه، ينهاه بذلك أن يفعل ما فعل من ذلك المشركون من تسميتهم آلهتهم بعضها اللات وبعضها العزّى.
وقال غيرهم: بل معنى ذلك: نـزه الله عما يقول فيه المشركون كما قال: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وقالوا: معنى ذلك: سبح ربك الأعلى؛ قالوا: وليس الاسم معنيًا.
وقال آخرون: نـزه تسميتك يا محمد ربك الأعلى وذكرك إياه أن تذكره إلا وأنت له خاشع متذلل؛ قالوا: وإنما عُنِي بالاسم: التسمية، ولكن وُضع الاسم مكان المصدر.
وقال آخرون: معنى قوله: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى ) : صلّ بذكر ربك يا محمد ، يعني بذلك: صلّ وأنت له ذاكر، ومنه وجل خائف.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معناه: نـزه اسم ربك أن تدعو به الآلهة والأوثان، لما ذكرت من الأخبار، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة أنهم كانوا إذا قرءوا ذلك قالوا: سبحان ربي الأعلى، فَبَيَّن بذلك أن معناه كان عندهم معلوما: عظم اسم ربك ونـزهه.
Quran Translation Sura Al-A'laa aya 1
Exalt the name of your Lord, the Most High,