أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
(للإنتقال إلى الصفحة الرئيسية للموسوعة الإسلامية اضغط هنا)



عودة إلى السورة

تفسير: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (سورة الأنفال الآية 48)

    القرآن الكريم تفسير سورة الأنفال الآية رقم 48.
    قال اللهُ تعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال: 48].


    التفاسير للآية 48 من سورة الأنفال


    التفسير الميسر


    واذكروا حين حسَّن الشيطان للمشركين ما جاؤوا له وما همُّوا به، وقال لهم: لن يغلبكم أحد اليوم، فإني ناصركم، فلما تقابل الفريقان: المشركون ومعهم الشيطان، والمسلمون ومعهم الملائكة، رجع الشيطان مُدْبرًا، وقال للمشركين: إني بريء منكم، إني أرى ما لا ترون من الملائكة الذين جاؤوا مددًا للمسلمين، إني أخاف الله، فخذلهم وتبرأ منهم. والله شديد العقاب لمن عصاه ولم يتب توبة نصوحًا.


    تفسير ابن كثير


    وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ|||

    وقوله : ( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ) الآية ، حسن لهم - لعنه الله - ما جاءوا له وما هموا به ، وأطمعهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس ، ونفى عنهم الخشية من أن يؤتوا في ديارهم من عدوهم بني بكر فقال : أنا جار لكم ، وذلك أنه تبدى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، سيد بني مدلج ، كبير تلك الناحية ، وكل ذلك منه ، كما قال [ الله ] تعالى عنه : ( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ) [ النساء : 120 ] .

    قال ابن جريج قال ابن عباس في هذه الآية : لما كان يوم بدر سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين ، وألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم ، وإني جار لكم . فلما التقوا ، ونظر الشيطان إلى إمداد الملائكة ، ( نكص على عقبيه ) قال : رجع مدبرا ، وقال : ( إني أرى ما لا ترون ) الآية .

    وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين ، معه رايته ، في صورة رجل من بني مدلج ، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال الشيطان للمشركين : ( لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ) فلما اصطف الناس أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين ، فولوا مدبرين وأقبل جبريل ، عليه السلام ، إلى إبليس ، فلما رآه - وكانت يده في يد رجل من المشركين - انتزع يده ثم ولى مدبرا هو وشيعته ، فقال الرجل : يا سراقة ، أتزعم أنك لنا جار ؟ فقال : ( إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ) وذلك حين رأى الملائكة .

    وقال محمد بن إسحاق : حدثني الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ؛ أن إبليس خرج مع قريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فلما حضر القتال ورأى الملائكة ، نكص على عقبيه ، وقال : ( إني بريء منكم ) فتشبث الحارث بن هشام فنخر في وجهه ، فخر صعقا ، فقيل له : ويلك يا سراقة ، على هذه الحال تخذلنا وتبرأ منا . فقال : ( إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب )

    وقال محمد بن عمر الواقدي : أخبرني عمر بن عقبة ، عن شعبة - مولى ابن عباس - عن ابن عباس قال : لما تواقف الناس أغمي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعة ثم كشف عنه ، فبشر الناس بجبريل في جند من الملائكة ميمنة الناس ، وميكائيل في جند آخر ميسرة الناس ، وإسرافيل في جند آخر ألف . وإبليس قد تصور في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي ، يدبر المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس . فلما أبصر عدو الله الملائكة ، نكص على عقبيه ، وقال : ( إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون ) فتشبث به الحارث بن هشام ، وهو يرى أنه سراقة لما سمع من كلامه ، فضرب في صدر الحارث ، فسقط الحارث ، وانطلق إبليس لا يرى حتى سقط في البحر ، ورفع ثوبه وقال : يا رب ، موعدك الذي وعدتني .

    وفي الطبراني عن رفاعة بن رافع قريب من هذا السياق وأبسط منه ذكرناه في السيرة .

    وقال محمد بن إسحاق : حدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير قال : لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر من الحرب ، فكاد ذلك أن يثنيهم ، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي - وكان من أشراف بني كنانة - فقال : أنا جار لكم أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه ، فخرجوا سراعا .

    قال محمد بن إسحاق : فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة بن مالك لا ينكرونه ، حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان ، كان الذي رآه حين نكص الحارث بن هشام - أو : عمير بن وهب - فقال : أين ، أي سراق ؟ ومثل عدو الله فذهب - قال : فأوردهم ثم أسلمهم - قال : ونظر عدو الله إلى جنود الله ، قد أيد الله بهم رسوله والمؤمنين فانتكص على عقبيه ، وقال : ( إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون ) وصدق عدو الله ، وقال : ( إني أخاف الله والله شديد العقاب ) وهكذا روي عن السدي ، والضحاك ، والحسن البصري ، ومحمد بن كعب القرظي ، وغيرهم ، رحمهم الله .

    وقال قتادة : وذكر لنا أنه رأى جبريل ، عليه السلام ، تنزل معه الملائكة ، فعلم عدو الله أنه لا يدان له بالملائكة فقال : ( إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله ) وكذب عدو الله ، والله ما به مخافة الله ، ولكن علم أنه لا قوة له ولا منعة ، وتلك عادة عدو الله لمن أطاعه واستقاد له ، حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم شر مسلم ، وتبرأ منهم عند ذلك .

    قلت : يعني بعادته لمن أطاعه قوله تعالى : ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله ) [ الحشر : 16 ] ، وقوله تعالى : ( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم 4 75 وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم ) [ إبراهيم : 22 ] .

    وقال يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، عن بعض بني ساعدة قال : سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة بعدما أصيب بصره يقول : لو كنت معكم الآن ببدر ومعي بصري ، لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى .

    فلما نزلت الملائكة ورآها إبليس ، وأوحى الله إليهم : أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ، وتثبيتهم أن الملائكة كانت تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه ، فيقول له : أبشر فإنهم ليسوا بشيء ، والله معكم ، كروا عليهم . فلما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه ، وقال : ( إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون ) وهو في صورة سراقة ، وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول : لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم ، فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه . ثم قال : واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه في الحبال ، فلا تقتلوهم وخذوهم أخذا . وهذا من أبي جهل لعنه الله كقول فرعون للسحرة لما أسلموا : ( إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها ) [ الأعراف : 123 ] ، وكقوله ( إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ) [ طه : 71 ] ، وهو من باب البهت والافتراء ، ولهذا كان أبو جهل فرعون هذه الأمة .

    وقال مالك بن أنس ، عن إبراهيم بن أبي عبلة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما رئي إبليس في يوم هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وذلك مما يرى من تنزل الرحمة والعفو عن الذنوب إلا ما رأى يوم بدر . قالوا : يا رسول الله ، وما رأى يوم بدر ؟ قال : أما إنه رأى جبريل ، عليه السلام ، يزع الملائكة .

    هذا مرسل من هذا الوجه .




    تفسير ابن جرير الطبري


    وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ|||

    القول في تأويل قوله : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)

    قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم)، وحين زين لهم الشيطان أعمالهم، وكان تزيينه ذلك لهم، (21) كما:-

    16183- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قال: جاء إبليس يوم بدر في جُنْد من الشياطين، معه رايته، في صورة رجل من بني مُدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم, (22) فقال الشيطان للمشركين: ( لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ). فلما اصطف الناس, أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضةً من التراب فرمى بها في وجوه المشركين, فولَّوا مدبرين. وأقبل جبريل إلى إبليس, فلما رآه, وكانت يده في يد رجل من المشركين, انتزع. إبليس يده فولَّى مدبرًا هو وشيعته, فقال الرجل: يا سراقة، تزعم أنك لنا جار؟ قال: ( إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب)، وذلك حين رأى الملائكة.

    16184- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا، أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط, عن السدي قال: أتى المشركين إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكنانيّ الشاعر، ثم المدلجي, فجاء على فرس، فقال للمشركين: (لا غالب لكم اليوم من الناس) ! فقالوا: ومن أنت؟ قال: أنا جاركم سراقة, وهؤلاء كنانة قد أتوكم!

    16185- حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق, حدثني يزيد بن رومان, عن عروة بن الزبير قال: لما أجمعت قريش المسير، ذكرت الذي بينها وبين بني بكر =يعني من الحرب= فكاد ذلك أن يثنيهم, (23) فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة [بن مالك] بن جعشم المدلجيّ, وكان من أشراف بني كنانة, فقال: " أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة [من خلفكم بشيء] تكرهونه "! فخرجوا سراعا. (24)

    16186- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق في قوله: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم)، فذكر استدراج إبليس إياهم، وتشبهه بسراقة بن مالك بن جعشم لهم، (25) حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة في الحرب التي كانت بينهم، (26) يقول الله: (فلما تراءت الفئتان)، ونظر عدوّ الله إلى جنود الله من الملائكة قد أيَّد الله بهم رسوله والمؤمنين على عدوهم =(نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون)، وصدق عدوّ الله، إنه رأى ما لا يرون= وقال: (إني أخاف الله والله شديد العقاب) , فأوردهم ثم أسلمهم. قال: فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منـزل في صورة سراقة بن مالك بن جعشم لا ينكرونه. حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان, كان الذي رآه حين نكص: " الحارث بن هشام " أو: " عمير بن وهب الجمحي", فذُكر أحدهما، فقال: أينَ، أيْ سُرَاقَ! ، (27) ومثَل عدوُّ الله فذهب. (28)

    16187- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم)، إلى قوله: (شديد العقاب)، قال: ذُكر لنا أنه رأى جبريل تنـزل معه الملائكة, فزعم عدو الله أنه لا يَدَيْ له بالملائكة, وقال: (إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله)، وكذب والله عدو الله, ما به مخافة الله, ولكن علم أن لا قوة له ولا منعة له, وتلك عادة عدو الله لمن أطاعه واستقاد له, (29) حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم شر مُسْلَم، (30) وتبرأ منهم عند ذلك.

    16188- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) الآية, قال: لما كان يوم بدر, سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين, وألقى في قلوب المشركين: أنّ أحدًا لن يغلبكم، وإني جار لكم! فلما التقوا، ونظر الشيطان إلى أمداد الملائكة، نكص على عقبيه =قال: رجع مدبرًا= وقال: (إني أرى ما لا ترون)، الآية.

    16189- حدثنا أحمد بن الفرج قال، حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون قال، حدثنا مالك, عن إبراهيم بن أبي عبلة, عن طلحة بن عبيد الله بن كريز: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما رؤي إبليس يومًا هو فيه أصغرُ، ولا أحقرُ، ولا أدحرُ، ولا أغيظُ من يوم عرفة, وذلك مما يرى من تنـزيل الرحمة والعفو عن الذنوب, إلا ما رأى يوم بدر! قالوا: يا رسول الله، وما رأى يوم بدر؟ قال: " أما إنه رأى جبريل يَزَعُ الملائكة ". (31)

    16190- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سليمان بن المغيرة, عن حميد بن هلال, عن الحسن في قوله: (إني أرى ما لا ترون) قال: رأى جبريل معتجرًا ببُرْدٍ، (32) يمشي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم , وفي يده اللجام, ما رَكبَ.

    16191- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا هاشم بن القاسم قال، حدثنا سليمان بن المغيرة, عن حميد بن هلال قال: قال الحسن، وتلا هذه الآية: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) الآية, قال: سار إبليس مع المشركين ببدر برايته وجنوده, وألقى في قلوب المشركين أن أحدًا لن يغلبكم وأنتم تقاتلون على دين آبائكم, (33) ولن تغلبوا كثرةً! فلما التقوا نكص على عقبيه =يقول: رجع مدبرًا= وقال: (إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون)، يعني الملائكة.

    16192- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر, عن محمد بن كعب قال: لما أجمعت قريش على السير قالوا: إنما نتخوف من بني بكر! فقال لهم إبليس، في صورة سراقة بن مالك بن جعشم: أنا جار لكم من بني بكر, ولا غالب لكم اليوم من الناس.

    * * *

    قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: ( وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) في هذه الأحوال =وحين زين لهم الشيطان خروجهم إليكم، أيها المؤمنون، لحربكم وقتالكم وحسَّن ذلك لهم وحثهم عليكم، وقال لهم: لا غالب لكم اليوم من بني آدم, فاطمئنوا وأبشروا =(وإني جار لكم) ، من كنانة أن تأتيكم من ورائكم فمعيذكم، (34) أجيركم وأمنعكم منهم, فلا تخافوهم, واجعلوا حدَّكم وبأسكم على محمد وأصحابه (35) =(فلما تراءت الفئتان)، يقول: فلما تزاحفت جنود الله من المؤمنين وجنود الشيطان من المشركين, ونظر بعضهم إلى بعض=(نكص على عقبيه)، يقول: رجع القهقري على قفاه هاربًا. (36)

    * * *

    يقال منه: " نكص ينكُص وينكِص نكوصًا ", ومنه قول زهير:

    هُـمْ يَضْرِبُـونَ حَبِيكَ البَيْضِ إِذْ لَحِقُوا

    لا يَنْكُصُـون, إِذَا مَـا اسْتُلْحِمُوا وَحَمُوا (37)

    وقال للمشركين: (إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون)، يعني أنه يرى الملائكة الذين بعثهم الله مددًا للمؤمنين, والمشركون لا يرونهم (38) = إني أخاف عقاب الله، وكذب عدوُّ الله=(والله شديد العقاب) . (39)

    ----------------------

    الهوامش :

    (21) انظر تفسير " زين " فيما سلف 12 : 136 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

    (22) في المطبوعة ، حذف قوله : " والشيطان " ، وساق الكلام سياقًا واحدًا .

    (23) في المطبوعة : " أن يثبطهم " ، غير ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في السيرة .

    (24) الأثر : 16185 - سيرة ابن هشام 2 : 263 ، والزيادة بين الأقواس منها .

    (25) في المطبوعة ، حذف " لهم " ، وهي ثابتة في المخطوطة وسيرة ابن هشام .

    (26) في المطبوعة : " من الحرب " ، غير ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في سيرة ابن هشام . والناشر كما تعلم وترى ، كثير العبث بكلام أهل العلم .

    (27) هذه الجملة والتي تليها غيرها الناشر كل التغير ، فكتب : " فقال : أين سراقة ! أسلمنا عدو الله وذهب " . والذي في المخطوطة مطابق لما في سيرة ابن هشام " . وقوله : " مثل " ، أي : انتصب ونهض .

    (28) الأثر : 16186 - سيرة ابن هشام 2 : 318 ، 319 ، وأخر صدر الخبر فجعله في آخره . وهذا الخبر لم يروه ابن هشام في سياق تفسير هذه الآيات في سيرته 2 : 329 ، تابعًا للأثر السالف رقم : 16173 ، بل ذكر الآية ثم قال : " وقد مضى تفسير هذه الآية " .

    (29) في المطبوعة : " واستعاذ به " ، غير ما في المخطوطة بسوء أمانته ورأيه . و " استقاد له " ، انقاد له وأطاعه .

    (30) " مسلم " ( بضم فسكون ففتح ) مصدر ميمي ، بمعنى " الإسلام " .

    (31) الأثر : 16189 - رواه مالك في الموطأ : 422 ، بنحو هذا اللفظ ، وانظر التقصي لابن عبد البر : 12 ، 13 .

    " أحمد بن الفرج بن سليمان الحمصي " ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 6899 ، 15377 . و " عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون التيمي " ، فقيه المدينة ومفتيها في زمانه ، وهو فقيه ابن فقيه ، وهو ضعيف الحديث . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 2 358 .

    و " إبراهيم بن أبي عبلة الرملي " ، مضى برقم : 11014 .

    و " طلحة بن عبيد الله بن كريز بن جابر الكعبي " ، كان قليل الحديث ، مضى برقم : 15585 .

    هذا خبر مرسل .

    وقوله : " يزع الملائكة " ، أي : يرتبهم ويسويهم ، ويصفهم للحرب ، فكأنه يكفهم عن التفرق والانتشار ، و " الوازع " ، هو المقدم على الجيش ، الموكل بالصفوف وتدبير أمرهم ، وترتيبهم في قتال العدو . من قولهم : " وزعه " ، أي : كفه وحبسه عن فعل أو غيره .

    (32) " الاعتجار " ، هو لف العمامة على استدارة الرأس ، من غير إدارة تحت الحنك . وإدارتها تحت الحنك هو " التلحي " ( بتشديد الحاء ) .

    (33) في المطبوعة : " لن يغلبكم " ، وأثبت ما في المخطوطة .

    (34) في المطبوعة : " فيغيركم " ، ومثلها في المخطوطة غير منقوطة ، وهذا صواب قراءتها بعد إصلاح فسادها .

    (35) في المطبوعة : " جدكم " بالجيم ، وانظر ما سلف ج 13 ص : 577 ، تعليق : 1 .

    (36) انظر تفسير " العقب " فيما سلف 3 : 163 11 : 450 .

    (37) ديوانه : 159 ، من قصيدته في هرم بن سنان ، وهي من جياد شعره . و " حبيك البيض " ، طرائق حديده . و " البيض " جمع " بيضة " ، هي الخوذة من سلاح المحارب ، على شكل بيضة النعام ، يلبسها الفارس على رأسه لتقيه ضرب السيوف والرماح . و " استلحم الرجل " ( بالبناء للمجهول ) : إذا نشب في ملحمة القتال ، فلم يجد مخلصًا . وقوله : " وحموا " ، من قولهم : " حمى من الشيء حمية ومحمية " ، إذا فارت نفسه وغلت ، وأنف أن يقبل ما يراد به من ضيم ، ومنه : " أنف حمى " .

    (38) انظر تفسير " بريء " فيما سلف من فهارس اللغة ( برأ ) .

    (39) انظر تفسير " شديد العقاب " فيما سلف من فهارس اللغة ( عقب ) .




    English Saheeh International Translation


    Quran Translation Sura Al-Anfaal aya 48

    And [remember] when Satan made their deeds pleasing to them and said, "No one can overcome you today from among the people, and indeed, I am your protector." But when the two armies sighted each other, he turned on his heels and said, "Indeed, I am disassociated from you. Indeed, I see what you do not see; indeed I fear Allah. And Allah is severe in penalty."

    لتحميل المصحف القرآن الكريم بصيغة PDF اضغط هنا
    تحميل تفسير ابن كثير بصيغة PDF اضغط هنا
    تحميل تفسير ابن جرير الطبري بصيغة PDF اضغط هنا
    تحميل القرآن الكريم المصحف الوسط بصيغة PDF اضغط هنا
    تحميل التفسير الميسر طباعة مجمع الملك فهد بصيغة PDF اضغط هنا