وقوله : ( وإذا رأيت ) أي : وإذا رأيت يا محمد ، ( ثم ) أي : هناك ، يعني في الجنة ونعيمها وسعتها وارتفاعها وما فيها من الحبرة والسرور ، ( رأيت نعيما وملكا كبيرا ) أي : مملكة لله هناك عظيمة وسلطانا باهرا .
وثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجا منها ، وآخر أهل الجنة دخولا إليها : إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها .
وقد قدمنا في الحديث المروي من طريق ثوير بن أبي فاختة ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألفي سنة ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه " ، فإذا كان هذا عطاؤه تعالى لأدنى من يكون في الجنة ، فما ظنك بما هو أعلى منزلة ، وأحظى عنده تعالى .
وقد روى الطبراني هاهنا حديثا غريبا جدا فقال : حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا محمد بن عمار الموصلي ، حدثنا عفيف بن سالم ، عن أيوب بن عتبة ، عن عطاء ، عن ابن عمر قال : جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال له رسول الله : " سل واستفهم " ، فقال : يا رسول الله ، فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة ، أفرأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بمثل ما عملت به ، إني لكائن معك في الجنة ؟ قال : " نعم ، والذي نفسي بيده ، إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام " . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال : لا إله إلا الله ، كان له بها عهد عند الله ، ومن قال : سبحان الله وبحمده ، كتب له مائة ألف حسنة ، وأربعة وعشرون ألف حسنة " ، فقال رجل : كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله ، فتقوم النعمة - أو : نعم الله - فتكاد تستنفذ ذلك كله ، إلا أن يتغمده الله برحمته " . ونزلت هذه السورة : ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر ) إلى قوله : ( وملكا كبيرا ) فقال الحبشي : وإن عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة ؟ قال : " نعم " ، فاستبكى حتى فاضت نفسه . قال ابن عمر : فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليه في حفرته بيده .
وقوله : ( وإذا رأيت ثم رأيت نعيما ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وإذا نظرت ببصرك يا محمد ، ورميت بطرفك فيما أعطيت هؤلاء الأبرار في الجنة من الكرامة . وعني بقوله : ( ثم ) الجنة ( رأيت نعيما ) ، وذلك أن أدناهم منزلة من ينظر في ملكه فيما قيل في مسيرة ألفي عام ، يرى أقصاه ، كما يرى أدناه .
وقد اختلف أهل العربية في السبب الذي من أجله لم يذكر مفعول رأيت الأول ، فقال بعض نحويي البصرة : إنما فعل ذلك لأنه يريد رؤية لا تتعدى ، كما تقول : ظننت في الدار ، أخبر بمكان ظنه ، فأخبر بمكان رؤيته . وقال بعض نحويي الكوفة : إنما فعل ذلك لأن معناه : وإذا رأيت ما ثم رأيت نعيما ، قال : وصلح إضمار ما كما قيل : لقد تقطع بينكم ، يريد : ما بينكم ، قال : ويقال : إذا رأيت ثم يريد : إذا نظرت ثم ، [ ص: 112 ] أي إذا رميت ببصرك هناك رأيت نعيما .
وقوله : ( وملكا كبيرا ) يقول : ورأيت مع النعيم الذي ترى لهم ثم ملكا كبيرا . وقيل : إن ذلك الملك الكبير : تسليم الملائكة عليهم ، واستئذانهم عليهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثني من سمع مجاهدا يقول : ( وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ) قال : تسليم الملائكة .
قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : سمعت سفيان يقول في قوله : ( ملكا كبيرا ) قال : بلغنا أنه تسليم الملائكة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا الأشجعي ، في قوله : ( وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ) قال : فسرها سفيان قال : تستأذن الملائكة عليهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ( وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ) قال استئذان الملائكة عليهم .
Quran Translation Sura Al-Insaan aya 20
And when you look there [in Paradise], you will see pleasure and great dominion.