قال نوح: ربِّ إن قومي بالغوا في عصياني وتكذيبي، واتبع الضعفاء منهم الرؤساء الضالين الذين لم تزدهم أموالهم وأولادهم إلا ضلالا في الدنيا وعقابًا في الآخرة، ومكر رؤساء الضلال بتابعيهم من الضعفاء مكرًا عظيمًا، وقالوا لهم: لا تتركوا عبادة آلهتكم إلى عبادة الله وحده، التي يدعو إليها نوح، ولا تتركوا وَدًّا ولا سُواعًا ولا يغوث ويعوق ونَسْرا - وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، وكانت أسماء رجال صالحين، لما ماتوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن يقيموا لهم التماثيل والصور؛ لينشطوا- بزعمهم- على الطاعة إذا رأوها، فلما ذهب هؤلاء القوم وطال الأمد، وخَلَفهم غيرهم، وسوس لهم الشيطان بأن أسلافهم كانوا يعبدون التماثيل والصور، ويتوسلون بها، وهذه هي الحكمة من تحريم التماثيل، وتحريم بناء القباب على القبور؛ لأنها تصير مع تطاول الزمن معبودة للجهال. وقد أضلَّ هؤلاء المتبوعون كثيرًا من الناس بما زيَّنوا لهم من طرق الغَواية والضلال. ثم قال نوح -عليه السلام-: ولا تزد- يا ربنا- هؤلاء الظالمين لأنفسهم بالكفر والعناد إلا بُعْدا عن الحق. فبسبب ذنوبهم وإصرارهم على الكفر والطغيان أُغرقوا بالطوفان، وأُدخلوا عقب الإغراق نارًا عظيمة اللهب والإحراق، فلم يجدوا من دون الله مَن ينصرهم، أو يدفع عنهم عذاب الله.
تفسير ابن كثير
وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا|||
وقوله : ( ومكروا مكرا كبارا ) قال مجاهد : ( كبارا ) أي عظيما . وقال ابن زيد : ( كبارا ) أي : كبيرا . والعرب تقول : أمر عجيب وعجاب وعجاب . ورجل حسان ، وحسان : وجمال وجمال ، بالتخفيف والتشديد ، بمعنى واحد .
والمعنى في قوله : ( ومكروا مكرا كبارا ) أي : باتباعهم في تسويلهم لهم بأنهم على الحق والهدى ، كما يقولون لهم يوم القيامة : ( بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا )[ سبأ : 33 ] ولهذا قال هاهنا : ( ومكروا مكرا كبارا )
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( كُبَّارًا ) قال: عظيما.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا ) كثيرا، كهيئة قوله: لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا والكُبَّار: وهو &; 23-639 &; الكبير، كما قال ابن زيد، تقول العرب: أمر عجيب وعجاب بالتخفيف، وعُجَّاب بالتشديد؛ ورجل حُسَان وحَسَّان، وجُمال وَجمَّالٌ بالتخفيف والتشديد، وكذلك كبير وكُبَّار بالتخفيف والتشديد.