قال مجاهد : كان المشركون يطوفون بالبيت عراة ، يقولون : نطوف كما ولدتنا أمهاتنا . فتضع المرأة على فرجها النسعة ، أو الشيء وتقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
فأنزل الله تعالى ( وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها ) الآية .
قلت : كانت العرب - ما عدا قريشا - لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها ، يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها ، وكانت قريش - وهم الحمس - يطوفون في ثيابهم ، ومن أعاره أحمسي ثوبا طاف فيه ، ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه أحد ، فمن لم يجد ثوبا جديدا ولا أعاره أحمسي ثوبا ، طاف عريانا . وربما كانت امرأة فتطوف عريانة ، فتجعل على فرجها شيئا يستره بعض الشيء وتقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
.
وأكثر ما كان النساء يطفن عراة بالليل ، وكان هذا شيئا قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم ، واتبعوا فيه آباءهم ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله وشرع ، فأنكر الله تعالى عليهم ذلك ، فقال : ( وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها ) فقال تعالى ردا عليهم : ( قل ) أي : قل يا محمد لمن ادعى ذلك : ( إن الله لا يأمر بالفحشاء ) أي : هذا الذي تصنعونه فاحشة منكرة ، والله لا يأمر بمثل ذلك ( أتقولون على الله ما لا تعلمون ) أي : أتسندون إلى الله من الأقوال ما لا تعلمون صحته .
القول في تأويل قوله : وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28)
قال أبو جعفر: ذكر أن معنى " الفاحشة "، في هذا الموضع, (42) ما:-
14462- حدثني علي بن سعيد بن مسروق الكندي قال، حدثنا أبو محياة، عن منصور, عن مجاهد: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها)، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة, يقولون: " نطوف كما ولدتنا أمهاتنا ", فتضع المرأة على قُبُلها النِّسعة أو الشيء، (43) فتقول:
الْيَــوْمَ يَبْــدُو بَعْضُــهُ أَوْ كُلُّــهُ
فَمَــا بَــدَا مِنْــهُ فَــلا أُحِلُّــهُ (44)
* * *
14463- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد في قوله: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا)، فاحشتهم أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة.
14464- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة, عن مفضل, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
14464- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمران بن عيينة, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير والشعبي: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا)، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة.
14465- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها)، قال: كان قبيلة من العرب من أهل اليمن يطوفون بالبيت عراة, فإذا قيل: لم تفعلون ذلك؟ قالوا: وجدنا عليها آباءنا, والله أمرنا بها.
14466- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: (وإذا فعلوا فاحشة)، قال: طوافهم بالبيت عراة.
14467- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد, عن مجاهد (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا)، قال: في طواف الحُمْس في الثياب، وغيرهم عراة. (45)
14468- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, قوله: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا)، قال: كان نساؤهم يطفن بالبيت عراة, فتلك الفاحشة التي وجدوا عليها آباءهم: (قل إن الله لا يأمر بالفحشاء)، الآية.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: وإذا فعل الذين لا يؤمنون بالله، الذين جعل الله الشياطين لهم أولياء، قبيحًا من الفعل، وهو " الفاحشة ", وذلك تعرِّيهم للطواف بالبيت وتجردهم له, فعُذِلوا على ما أتوا من قبيح فعلهم وعوتبوا عليه, قالوا: " وجدنا على مثل ما نفعل آباءنا, فنحن نفعل مثل ما كانوا يفعلون, ونقتدي بهديهم، ونستنّ بسنتهم, والله أمرنا به, فنحن نتبع أمره فيه ".
يقول الله جل ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " قل "، يا محمد، لهم: " إن الله لا يأمر بالفحشاء ", يقول: لا يأمر خلقه بقبائح الأفعال ومساويها =" أتقولون "، أيها الناس،" على الله ما لا تعلمون " ، يقول: أتروون على الله أنه أمركم بالتعرِّي والتجرد من الثياب واللباس للطواف, (46) وأنتم لا تعلمون أنه أمركم بذلك؟
------------------
الهوامش :
(42) انظر تفسير (( الفاحشة )) ، و (( الفحشاء )) فيما سلف : ص : 218 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(43) (( القبل )) ( بضمتين ) : فرج المرأة والرجل . و (( النسعة )) : قطعة من الجلد مضفورة عريضة ، تجعل على صدر البعير .
(44) الأثر : 14462 - (( أبو محياة )) ، هو (( يحيى بن يعلي بن حرملة التيمي )) ، ثقة . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 /2 / 311 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 196 .
ةسيأتي تخريج الخبر في تخريج الآثار : 14503 - 14506 .
(45) (( الحمس )) ، جمع (( أحمس )) هم قريش ، لتشددهم في دينهم ، وانظر تفسير ذلك مفصلا فيما سلف 3 : 557 ، تعليق : 1 ، وانظر الأثر رقم : 3832 ، وأنها : (( ملة قريش )) .
(46) هكذا في المطبوعة والمخطوطة : (( أتروون على الله )) ، وأنا أرجح أن الصواب (( أتزورون )) ، أي : أتقولون الزور والكذب .
Quran Translation Sura Al-A'raaf aya 28
And when they commit an immorality, they say, "We found our fathers doing it, and Allah has ordered us to do it." Say, "Indeed, Allah does not order immorality. Do you say about Allah that which you do not know?"