وقال في هذه السورة الكريمة أيضا : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) فهذه الآيات الثلاث في " الأعراف " و " المؤمنون " و " حم السجدة " ، لا رابع لهن ، فإنه تعالى يرشد فيهن إلى معاملة العاصي من الإنس بالمعروف والتي هي أحسن ، فإن ذلك يكفه عما هو فيه من التمرد بإذنه تعالى ; ولهذا قال : ( فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) ثم يرشد تعالى إلى الاستعاذة به من شيطان الجان ، فإنه لا يكفه عنك الإحسان ، وإنما يريد هلاكك ودمارك بالكلية ، فإنه عدو مبين لك ولأبيك منقبلك .
قال ابن جرير في تفسير قوله : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ) وإما يغضبنك من الشيطان غضب يصدك عن الإعراض عن الجاهلين ويحملك على مجازاتهم ( فاستعذ بالله ) يقول : فاستجر بالله من نزغه ) سميع عليم ) يقول : إن الله الذي تستعيذ به من نزغ الشيطان سميع لجهل الجاهل عليك ، والاستعاذة به من نزغه ، ولغير ذلك من كلام خلقه ، لا يخفى عليه منه شيء ، عليم بما يذهب عنك نزغ الشيطان ، وغير ذلك من أمور خلقه .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لما نزل : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا رب ، كيف بالغضب ؟ " فأنزل الله : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم )
قلت : وقد تقدم في أول الاستعاذة حديث الرجلين اللذين تسابا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ، فغضب أحدهما حتى جعل أنفه يتمزع غضبا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " . فقيل له ، فقال : ما بي من جنون
وأصل " النزغ " : الفساد ، إما بالغضب أو غيره ، قال الله تعالى : ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم ) [ الإسراء : 53 ] و " العياذ " : الالتجاء والاستناد والاستجارة من الشر ، وأما " الملاذ " ففي طلب الخير ، كما قال أبو الطيب [ الحسن بن هانئ ] المتنبي :
يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظما أنت كاسره ولا يهيضون عظما أنت جابره
وقد قدمنا أحاديث الاستعاذة في أول التفسير ، بما أغنى عن إعادته هاهنا .
القول في تأويل قوله : وَإِمَّا يَنْـزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَـزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وإما ينـزغنك من الشيطان نـزغ)، وإما يغضبنك من الشيطان غضب يصدُّك عن الإعراض عن الجاهلين، ويحملك على مجازاتهم. =(فاستعذ بالله)، يقول: فاستجر بالله من نـزغه = (25) (إنه سميع عليم)، يقول: إن الله الذي تستعيذ به من نـزع الشيطان =(سميع) لجهل الجاهل عليك، ولاستعاذتك به من نـزغه، ولغير ذلك من كلام خلقه, لا يخفى عليه منه شيء =(عليم) بما يذهب عنك نـزغ الشيطان، وغير ذلك من أمور خلقه، (26) كما:
15553 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكيف بالغضب يا رب؟ قال: (وإما ينـزغنك من الشيطان نـزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم).
15554 - حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (وإما ينـزغنك من الشيطان نـزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم) قال: علم الله أن هذا العدوَّ مَنِيع ومَريد.
* * *
وأصل " النـزغ ": الفساد, يقال: " نـزغ الشيطان بين القوم "، إذا أفسد بينهم وحمّل بعضهم على بعض. ويقال منه: " نـزغ ينـزغ ", و " نغز ينغز ".
------------------
الهوامش :
(25) انظر تفسير (( الاستعاذة )) فيما سلف 1: 111 / 6: 326 .
(26) انظر تفسير (( سميع )) و (( عليم )) فيما سلف من فهارس اللغة ( سمع ) و ( علم ) .
Quran Translation Sura Al-A'raaf aya 200
And if an evil suggestion comes to you from Satan, then seek refuge in Allah. Indeed, He is Hearing and Knowing.