وقوله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) أي : جهدكم وطاقتكم . كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه "
وقد قال بعض المفسرين - كما رواه مالك ، عن زيد بن أسلم - إن هذه الآية العظيمة ناسخة للتي في " آل عمران " وهي قوله : ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) [ آل عمران : 102 ]
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني ابن لهيعة ، حدثني عطاء - هو ابن دينار - عن سعيد بن جبير في قوله : ( اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) قال : لما نزلت الآية اشتد على القوم العمل ، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم ، فأنزل الله تخفيفا على المسلمين : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) فنسخت الآية الأولى .
وروي عن أبي العالية ، وزيد بن أسلم ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، والسدي ، ومقاتل بن حيان نحو ذلك .
وقوله : ( واسمعوا وأطيعوا ) أي : كونوا منقادين لما يأمركم الله به ورسوله ، ولا تحيدوا عنه يمنة ولا يسرة ، ولا تقدموا بين يدي الله ورسوله ، ولا تتخلفوا عما به أمرتم ، ولا تركبوا ما عنه زجرتم .
وقوله تعالى : ( وأنفقوا خيرا لأنفسكم ) أي : وابذلوا مما رزقكم الله على الأقارب والفقراء والمساكين وذوي الحاجات ، وأحسنوا إلى خلق الله كما أحسن إليكم ، يكن خيرا لكم في الدنيا والآخرة ، وإن لا تفعلوا يكن شرا لكم في الدنيا والآخرة .
وقوله : ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) تقدم تفسيره في سورة " الحشر " وذكر الأحاديث الواردة في معنى هذه الآية ، بما أغنى عن إعادته ها هنا ، ولله الحمد والمنة ،
قوله: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) يقول تعالى ذكره: واحذروا الله أيها المؤمنون وخافوا عقابه، وتجنبوا عذابه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، والعمل بما يقرّب إليه ما أطقتم وبلَغه وسعكم.
وذُكر أن قوله: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) نـزل بعد قوله: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ تخفيفًا عن المسلمين، وأن قوله: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ناسخ قوله: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ) هذه رخصة من الله، والله رحيم بعباده، وكان الله جلّ ثناؤه أنـزل قبل ذلك اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وحقّ تقاته أن يُطاع فلا يعصى، ثم خفَّف الله تعالى ذكره عن عباده، فأنـزل الرخصة بعد ذلك فقال: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ) فيما استطعت يا ابن آدم، عليها بايع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على السمع والطاعة فيما استطعتم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ قال: نسختها: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) .
وقد تقدم بياننا عن معنى الناسخ والمنسوخ بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ؛ وليس في قوله: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) دلالة واضحة على أنه لقوله: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ناسخ، إذ كان محتملا قوله: اتقوا الله حقّ تقاته فيما استطعتم، ولم يكن بأنه له ناسخ عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فإذا كان ذلك كذلك، فالواجب استعمالهما جميعًا على ما يحتملان من وجوه الصحة.
وقوله: ( وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ) يقول: واسمعوا لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وأطيعوه فيما أمركم به ونهاكم عنه ( وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لأنْفُسِكُمْ ) يقول: وأنفقوا مالا من أموالكم لأنفسكم تستنقذوها من عذاب الله، والخير في هذا الموضع المال.
وقوله: ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) يقول تعالى ذكره: ومن يَقِه الله شحَ نفسه، وذلك اتباع هواها فيما نهى الله عنه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني أَبو معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ) يقول: هوى نفسه حيث يتبع هواه ولم يقبل الإيمان.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جامع بن شدّاد، عن الأسود بن هلال، عن ابن مسعود ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ) قال: أن يعمد إلى مال غيره فيأكله، وقوله: ( فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) يقول: فهؤلاء الذين وُقُوا شحّ أنفسهم، المُنجحون الذين أدركوا طلباتهم عند ربهم.
Quran Translation Sura At-Taghaabun aya 16
So fear Allah as much as you are able and listen and obey and spend [in the way of Allah]; it is better for your selves. And whoever is protected from the stinginess of his soul - it is those who will be the successful.