أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
(للإنتقال إلى الصفحة الرئيسية للموسوعة الإسلامية اضغط هنا)



عودة إلى السورة

تفسير: ۞ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (سورة الأنعام الآية 151)

    القرآن الكريم تفسير سورة الأنعام الآية رقم 151.
    قال اللهُ تعالى: ۞ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام: 151].


    التفاسير للآية 151 من سورة الأنعام


    التفسير الميسر


    قل -أيها الرسول- لهم: تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم: أن لا تشركوا معه شيئًا من مخلوقاته في عبادته، بل اصرفوا جميع أنواع العبادة له وحده، كالخوف والرجاء والدعاء، وغير ذلك، وأن تحسنوا إلى الوالدين بالبر والدعاء ونحو ذلك من الإحسان، ولا تقتلوا أولادكم مِن أجل فقر نزل بكم؛ فإن الله يرزقكم وإياهم، ولا تقربوا ما كان ظاهرًا من كبير الآثام، وما كان خفيًّا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وذلك في حال القصاص من القاتل أو الزنى بعد الإحصان أو الردة عن الإسلام، ذلكم المذكور مما نهاكم الله عنه، وعهد إليكم باجتنابه، ومما أمركم به، وصَّاكم به ربكم؛ لعلكم تعقلون أوامره ونواهيه.


    تفسير ابن كثير


    ۞ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ|||

    قال داود الأودي ، عن الشعبي ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : من أراد أن يقرأ صحيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه ، فليقرأ هؤلاء الآيات : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ) إلى قوله : ( لعلكم تتقون ) .

    وقال الحاكم في مستدركه : حدثنا بكر بن محمد الصيرفي بمرو ، حدثنا عبد الصمد بن الفضل ، حدثنا مالك بن إسماعيل النهدي ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن خليفة قال : سمعت ابن عباس يقول : في الأنعام آيات محكمات هن أم الكتاب ، ثم قرأ : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ) .

    ثم قال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .

    قلت : ورواه زهير وقيس بن الربيع كلاهما عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن قيس ، عن ابن عباس ، به . والله أعلم .

    وروى الحاكم أيضا في مستدركه من حديث يزيد بن هارون ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن أبي إدريس ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيكم يبايعني على ثلاث؟ " - ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) حتى فرغ من الآيات - فمن وفى فأجره على الله ، ومن انتقص منهن شيئا فأدركه الله به في الدنيا كانت عقوبته ومن أخر إلى الآخرة فأمره إلى الله ، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه "

    ثم قال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه . وإنما اتفقا على حديث الزهري ، عن أبي إدريس ، عن عبادة : " بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا " الحديث . وقد روى سفيان بن حسين كلا الحديثين ، فلا ينبغي أن ينسب إلى الوهم في أحد الحديثين إذا جمع بينهما ، والله أعلم .

    وأما تفسيرها فيقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد - لهؤلاء المشركين الذين أشركوا وعبدوا غير الله ، وحرموا ما رزقهم الله ، وقتلوا أولادهم وكل ذلك فعلوه بآرائهم وتسويل الشياطين لهم ، ( قل ) لهم ( تعالوا ) أي : هلموا وأقبلوا : ( أتل ما حرم ربكم عليكم ) أي : أقص عليكم وأخبركم بما حرم ربكم عليكم حقا لا تخرصا ، ولا ظنا ، بل وحيا منه وأمرا من عنده : ( ألا تشركوا به شيئا ) وكأن في الكلام محذوفا دل عليه السياق ، وتقديره : وأوصاكم ( ألا تشركوا به شيئا ) ; ولهذا قال في آخر الآية : ( ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ) وكما قال الشاعر :

    حج وأوصى بسليمى الأعبدا أن لا ترى ولا تكلم أحدا ولا يزل شرابها مبردا

    وتقول العرب : أمرتك ألا تقوم .

    وفي الصحيحين من حديث أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئا من أمتك ، دخل الجنة . قلت : وإن زنا وإن سرق؟ قال : وإن زنا وإن سرق . قلت : وإن زنا وإن سرق؟ قال : وإن زنا وإن سرق . قلت : وإن زنا وإن سرق؟ قال : وإن زنا وإن سرق ، وإن شرب الخمر " : وفي بعض الروايات أن القائل ذلك إنما هو أبو ذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه عليه السلام قال في الثالثة : " وإن رغم أنف أبي ذر " فكان أبو ذر يقول بعد تمام الحديث : وإن رغم أنف أبي ذر .

    وفي بعض المسانيد والسنن عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى : يا ابن آدم ، إنك ما دعوتني ورجوتني فإني أغفر لك على ما كان منك ولا أبالي ، ولو أتيتني بقراب الأرض خطيئة أتيتك بقرابها مغفرة ما لم تشرك بي شيئا ، وإن أخطأت حتى تبلغ خطاياك عنان السماء ثم استغفرتني ، غفرت لك "

    ولهذا شاهد في القرآن ، قال الله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ النساء : 48 ، 116 ] .

    وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود : " من مات لا يشرك بالله شيئا ، دخل الجنة " والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جدا .

    وروى ابن مردويه من حديث عبادة وأبي الدرداء : " لا تشركوا بالله شيئا ، وإن قطعتم أو صلبتم أو حرقتم "

    وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف الحمصي ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا نافع بن يزيد حدثني سيار بن عبد الرحمن ، عن يزيد بن قوذر ، عن سلمة بن شريح ، عن عبادة بن الصامت قال : أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع خصال : " ألا تشركوا بالله شيئا ، وإن حرقتم وقطعتم وصلبتم "

    وقوله تعالى : ( وبالوالدين إحسانا ) أي : وأوصاكم وأمركم بالوالدين إحسانا ، أي : أن تحسنوا إليهم ، كما قال تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) [ الإسراء : 23 ] .

    وقرأ بعضهم : " ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا "

    والله تعالى كثيرا ما يقرن بين طاعته وبر الوالدين ، كما قال : ( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) [ لقمان : 14 ، 15 ] . فأمر بالإحسان إليهما ، وإن كانا مشركين بحسبهما ، وقال تعالى : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا ) الآية . [ البقرة : 83 ] . والآيات في هذا كثيرة . وفي الصحيحين عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله؟ قال : " الصلاة على وقتها " قلت : ثم أي ؟ قال : " بر الوالدين " قلت : ثم أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " قال ابن مسعود : حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني .

    وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه بسنده عن أبي الدرداء ، وعن عبادة بن الصامت ، كل منهما يقول : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم : " أطع والديك ، وإن أمراك أن تخرج لهما من الدنيا ، فافعل "

    ولكن في إسناديهما ضعف ، والله أعلم .

    وقوله تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) لما أوصى تعالى ببر الآباء والأجداد ، عطف على ذلك الإحسان إلى الأبناء والأحفاد ، فقال تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ) وذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم كما سولت لهم الشياطين ذلك ، فكانوا يئدون البنات خشية العار ، وربما قتلوا بعض الذكور خيفة الافتقار; ولهذا جاء في الصحيحين ، من حديث عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " قلت : ثم أي؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) [ الفرقان : 68 ] .

    وقوله : ( من إملاق ) قال ابن عباس ، وقتادة ، والسدي : هو الفقر ، أي : ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل ، وقال في سورة " سبحان " : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ) [ الإسراء : 31 ] ، أي : خشية حصول فقر ، في الآجل; ولهذا قال هناك : ( نحن نرزقهم وإياكم ) فبدأ برزقهم للاهتمام بهم ، أي : لا تخافوا من فقركم بسببهم ، فرزقهم على الله . وأما في هذه الآية فلما كان الفقر حاصلا قال : ( نحن نرزقكم وإياهم ) ; لأنه الأهم هاهنا ، والله أعلم .

    وقوله تعالى : ( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) كقوله تعالى : ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) [ الأعراف : 33 ] . وقد تقدم تفسيرها في قوله : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) [ الأنعام : 12 ] .

    وفي الصحيحين ، عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أحد أغير من الله ، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن "

    وقال عبد الملك بن عمير ، عن وراد ، عن مولاه المغيرة قال : قال سعد بن عبادة : لو رأيت مع امرأتي رجلا لضربته بالسيف غير مصفح . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أتعجبون من غيرة سعد ! فوالله لأنا أغير من سعد ، والله أغير مني ، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن " أخرجاه .

    وقال كامل أبو العلاء ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله ، إنا نغار . قال : " والله إني لأغار ، والله أغير مني ، ومن غيرته نهى عن الفواحش "

    رواه ابن مردويه ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ، وهو على شرط الترمذي ، فقد روي بهذا السند : " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين "

    وقوله تعالى : ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) وهذا مما نص تبارك وتعالى على النهي عنه تأكيدا ، وإلا فهو داخل في النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، فقد جاء في الصحيحين ، عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة "

    وفي لفظ لمسلم والذي لا إله غيره لا يحل دم رجل مسلم . . " وذكره ، قال الأعمش : فحدثت به إبراهيم ، فحدثني عن الأسود ، عن عائشة رضي الله عنها ، بمثله .

    وروى أبو داود ، والنسائي ، عن عائشة ، رضي الله عنها; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال : زان محصن يرجم ، ورجل قتل رجلا متعمدا فيقتل ، ورجل يخرج من الإسلام حارب الله ورسوله ، فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض " وهذا لفظ النسائي .

    وعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، أنه قال وهو محصور : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إسلامه ، أو زنا بعد إحصانه ، أو قتل نفسا بغير نفس " فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ، ولا تمنيت أن لي بديني بدلا منه بعد إذ هداني الله ، ولا قتلت نفسا ، فبم تقتلونني . رواه الإمام أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه . وقال الترمذي : هذا حديث حسن .

    وقد جاء النهي والزجر والوعيد في قتل المعاهد - وهو المستأمن من أهل الحرب - كما رواه البخاري ، عن عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما "

    وعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله ، فقد أخفر بذمة الله ، فلا يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا "

    رواه ابن ماجه ، والترمذي وقال : حسن صحيح .

    وقوله : ( ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ) أي : هذا ما وصاكم به لعلكم تعقلون عنه أمره ونهيه .




    تفسير ابن جرير الطبري


    ۞ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ|||

    القول في تأويل قوله : قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا

    قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام, الزاعمين أن الله حرم عليهم ما هم محرِّموه من حروثهم وأنعامهم, على ما ذكرت لك في تنـزيلي عليك =: تعالوا، أيها القوم، (12) أقرأ عليكم ما حرم ربكم حقًا يقينًا, (13) لا الباطل تخرُّصًا، تخرُّصَكم على الله الكذبَ والفريةَ ظنًّا, (14) ولكن وحيًا من الله أوحاه إليّ, وتنـزيلا أنـزله عليّ: أن لا تشركوا بالله شيئًا من خلقه، ولا تعدلوا به الأوثان والأصنام، ولا تعبدوا شيئًا سواه =(وبالوالدين إحسانًا)، يقول: وأوصى بالوالدين إحسانًا = وحذف " أوصى " و " أمر "، لدلالة الكلام عليه ومعرفة السامع بمعناه. (15) وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى من الكتاب . (16)

    * * *

    وأما " أن " في قوله: (أن لا تشركوا به شيئًا)، فرفعٌ, لأن معنى الكلام: قل تعالوا أتلُ ما حرّم ربكم عليكم, هو أن لا تشركوا به شيئًا .

    وإذا كان ذلك معناه, كان في قوله: (تشركوا)، وجهان:

    = الجزم بالنهي, وتوجيهه " لا " إلى معنى النهي .

    = والنصب، على توجيه الكلام إلى الخبر, ونصب " تشركوا "، بـ" أن لا "، كما يقال: " أمرتك أن لا تقوم ".

    وإن شئت جعلت " أن " في موضع نصبٍ، ردًّا على " ما " وبيانًا عنها, ويكون في قوله: (تشركوا)، أيضًا من وجهي الإعراب، نحو ما كان فيه منه. و " أن " في موضع رفع.

    ويكون تأويل الكلام حينئذ: قل: تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم, أتلُ أن لا تشركوا به شيئًا .

    * * *

    فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يكون قوله (تشركوا) نصبًا بـ" أن لا ", أم كيف يجوز توجيه قوله: " ألا تشركوا به ", على معنى الخبر, وقد عطف عليه بقوله: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ ، وما بعد ذلك من جزم النهي؟ قيل: جاز ذلك، كما قال تعالى ذكره: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ، فجعل " أن أكون " خبرًا، و " أنْ" اسمًا, ثم عطف عليه وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، [سورة الأنعام: 14], (17) وكما قال الشاعر: (18)

    حَــجَّ وَأوْصَــى بِسُـلَيْمَى الأعْبُـدَا

    أَنْ لا تَـــرَى وَلا تُكَـــلِّمْ أَحَــدَا

    وَلا يَزَلْ شَرَابُهَا مُبَرَّدَا (19)

    فجعل قوله: " أن لا ترى " خبرًا, ثم عطف بالنهي فقال: " ولا تكلم "," ولا يزل " .

    * * *

    القول في تأويل قوله : وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ

    قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق)، ولا تئدوا أولادكم فتقتلوهم من خشية الفقر على أنفسكم بنفقاتهم, فإن الله هو رازقكم وإياهم, ليس عليكم رزقهم, فتخافوا بحياتهم على أنفسكم العجزَ عن أرزاقهم وأقواتهم .

    * * *

    و " الإملاق "، مصدر من قول القائل: " أملقت من الزاد, فأنا أملق إملاقًا ", وذلك إذا فني زاده، وذهب ماله، وأفلس .

    * * *

    وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

    * ذكر من قال ذلك:

    14135- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق)، الإملاق الفقر, قتلوا أولادهم خشية الفقر .

    14136- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة في قوله: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق)، أي خشية الفاقة.

    14137- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق)، قال: " الإملاق "، الفقر .

    14138- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: (من إملاق)، قال: شياطينهم، يأمرونهم أن يئِدوا أولادهم خيفة العَيْلة .

    14139- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان, عن الضحاك في قوله: (من إملاق)، يعني: من خشية فقر .

    * * *

    القول في تأويل قوله : وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ

    قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولا تقربوا الظاهرَ من الأشياء المحرّمة عليكم، (20) التي هي علانية بينكم لا تناكرون ركوبها, والباطنَ منها الذي تأتونه سرًّا في خفاء لا تجاهرون به, فإن كل ذلك حرام . (21)

    * * *

    وقد قيل : إنما قيل: لا تقربوا ما ظهر من الفواحش وما بطن, لأنهم كانوا يستقبحون من معاني الزنى بعضًا [دون بعض].

    وليس ما قالوا من ذلك بمدفوع, غير أن دليل الظاهر من التنـزيل على النهي عن ظاهر كل فاحشة وباطنها, ولا خبر يقطع العذرَ، بأنه عنى به بعض دون جميع. وغير جائز إحالة ظاهر كتاب الله إلى باطن، إلا بحجة يجب التسليم لها .

    * * *

    * ذكر من قال ما ذكرنا من قول من قال: الآية خاصُّ المعنى:

    14140- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)، أما " ما ظهر منها "، فزواني الحوانيت, وأما " ما بطن "، فما خَفِي . (22)

    14141- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان, عن الضحاك قوله: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)، كان أهل الجاهلية يستسرُّون بالزنى, ويرون ذلك حلالا ما كان سرًّا. فحرّم الله السر منه والعلانية =(ما ظهر منها)، يعني: العلانية =(وما بطن)، يعني: السر . (23)

    14142- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)، قال: كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنى بأسًا في السر، ويستقبحونه في العلانية, فحرَّم الله الزنى في السرّ والعلانية .

    * * *

    وقال آخرون في ذلك بمثل الذي قلنا فيه .

    * ذكر من قال ذلك:

    14143- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)، سرَّها وعلانيتها .

    14144- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, نحوه .

    * * *

    وقال آخرون: " ما ظهر "، نكاح الأمهات وحلائل الآباء =" وما بطن "، الزنى .

    * ذكر من قال ذلك:

    14145- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن أبيه, عن خصيف, عن مجاهد: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)، قال: " ما ظهر "، جمعٌ بين الأختين, وتزويج الرجل امرأة أبيه من بعده =" وما بطن "، الزنى . (24)

    * * *

    وقال آخرون في ذلك بما:-

    14146- حدثني إسحاق بن زياد العطار النصري قال، حدثنا محمد بن إسحاق البلخي قال، حدثنا تميم بن شاكر الباهلي, عن عيسى بن أبي حفصة قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)، قال: " ما ظهر "، الخمر =" وما بطن "، الزنى . (25)

    * * *

    القول في تأويل قوله : وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)

    قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)، يعني بالنفس التي حرم الله قتلها، نفسَ مؤمن أو مُعاهد = وقوله: (إلا بالحق)، يعني بما أباح قتلها به: من أن تقتل نفسًا فتقتل قَوَدًا بها, أو تزني وهي محصنة فترجم, أو ترتدَّ عن دينها الحقِّ فتقتل. فذلك " الحق " الذي أباح الله جل ثناؤه قتل النفس التي حرم على المؤمنين قتلها به =(ذلكم)، يعني هذه الأمور التي عهد إلينا فيها ربُّنا أن لا نأتيه وأن لا ندعه, هي الأمور التي وصَّانا والكافرين بها أن نعمل جميعًا به =(لعلكم تعقلون)، يقول: وصاكم بذلك لتعقلوا ما وصاكم به ربكم . (26)

    ------------------------

    الهوامش :

    (12) انظر تفسير (( تعالوا )) فيما سلف 11 : 137 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

    (13) انظر تفسير (( تلا )) فيما سلف 10 : 201 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .

    (14) في المطبوعة : (( كخرصكم على الله )) ، وأثبت ما في المخطوطة .

    (15) انظر تفسير (( الإحسان )) فيما سلف 2 : 292 / 8 : 334 ، 514 / 9 : 283 / 10 : 512 ، 576 .

    (16) انظر ما سلف 2 : 290 - 292 / 8 : 334 .

    (17) قوله : (( ولا تكونن من المشركين )) ، ساقط في المطبوعة والمخطوطة ، واستظهرت زيادته من معاني القرآن للفراء 1 : 364 ، وهي زيادة يفسد الكلام بإسقاطها .

    (18) لم أعرف قائله .

    (19) معاني القرآن للفراء 1 : 364 ، وليس فيه البيت الثالث ، وفيه مكانه :

    * وَلا تَمْشِ بِفَضَـــاءٍ بَعَـــدَا *

    (20) انظر تفسير (( الفواحش )) فيما سلف 8 : 203 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

    (21) انظر تفسير (( ظهر )) ، و (( بطن )) فيما سلف ص 72 - 75 ، ثم انظر الأثر رقم : 9075 .

    (22) (( زواني الحوانيت )) ، كانت البغايا تتخذ حانوتًا عليه راية ، إعلامًا بأنها بغى . وانظر الأثر السالف رقم : 13801 .

    (23) الأثر : 14141 - مضى هذا الخبر برقم : 13802 .

    (24) الأثر : 14145 - مضى برقم : 13803 .

    (25) الأثر : 14146 - ((إسحاق بن زياد العطار النصري )) ، لم أجد له ترجمة ، وفي المطبوعة (( البصري )) ، وأثبت ما في المخطوطة .

    و (( محمد بن إسحاق البلخي الجوهري )) ، لم أجد له غير ترجمة في ابن أبي حاتم 3 / 2 / 195 ، قال : (( روى عن مطرف بن مازن ، وأبي أمية بن يعلي ، وقيراط الحجام ، ومحمد بن حرب الأبرش ، وعيسى بن يونس . كتب عنه أبي بالري )) .

    وأما (( تميم بن شاكر الباهلي )) و (( عيسى بن أبي حفصة )) ، فلم أعثر لهما على ترجمة ولا ذكر .

    (26) انظر تفسير (( وصى )) فيما سلف ص : 189 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .




    English Saheeh International Translation


    Quran Translation Sura Al-An'aam aya 151

    Say, "Come, I will recite what your Lord has prohibited to you. [He commands] that you not associate anything with Him, and to parents, good treatment, and do not kill your children out of poverty; We will provide for you and them. And do not approach immoralities - what is apparent of them and what is concealed. And do not kill the soul which Allah has forbidden [to be killed] except by [legal] right. This has He instructed you that you may use reason."

    لتحميل المصحف القرآن الكريم بصيغة PDF اضغط هنا
    تحميل تفسير ابن كثير بصيغة PDF اضغط هنا
    تحميل تفسير ابن جرير الطبري بصيغة PDF اضغط هنا
    تحميل القرآن الكريم المصحف الوسط بصيغة PDF اضغط هنا
    تحميل التفسير الميسر طباعة مجمع الملك فهد بصيغة PDF اضغط هنا