وقوله : ( ومن الأنعام حمولة وفرشا ) أي : وأنشأ لكم من الأنعام ما هو حمولة وما هو فرش ، قيل : المراد بالحمولة ما يحمل عليه من الإبل ، والفرش الصغار منها . كما قال الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله في قوله : ( حمولة ) ما حمل عليه من الإبل ، ( وفرشا ) وقال : الصغار من الإبل .
رواه الحاكم ، وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وقال ابن عباس : الحمولة : الكبار ، والفرش هي الصغار من الإبل . وكذا قال مجاهد .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( ومن الأنعام حمولة وفرشا ) فأما الحمولة فالإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه ، وأما الفرش فالغنم .
واختاره ابن جرير ، قال : وأحسبه إنما سمي فرشا لدنوه من الأرض .
وقال الربيع بن أنس ، والحسن ، والضحاك ، وقتادة : الحمولة : الإبل والبقر ، والفرش : الغنم .
وقال السدي : أما الحمولة فالإبل ، وأما الفرش فالفصلان والعجاجيل والغنم ، وما حمل عليه فهو حمولة .
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الحمولة ما تركبون ، والفرش ما تأكلون وتحلبون ، شاة لا تحمل ، تأكلون لحمها وتتخذون من صوفها لحافا وفرشا .
وهذا الذي قاله عبد الرحمن في تفسير هذه الآية الكريمة حسن يشهد له قوله تعالى : ( أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ) [ يس : 71 ، 72 ] ، وقال تعالى : ( وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ومن ثمرات النخيل والأعناب ) إلى أن قال : ( ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ) [ النحل : 69 - 80 ] ، وقال تعالى : ( الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون ) [ غافر : 79 - 81 ] .
وقوله تعالى : ( كلوا مما رزقكم الله ) أي : من الثمار والزروع والأنعام ، فكلها خلقها الله تعالى وجعلها رزقا لكم ، ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان ) أي : طرائقه وأوامره ، كما اتبعها المشركون الذين حرموا ما رزقهم الله ، أي : من الثمار والزروع افتراء على الله ، ( إنه لكم ) أي : إن الشيطان - أيها الناس - لكم ( عدو مبين ) أي : بين ظاهر العداوة ، كما قال تعالى : ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) [ فاطر : 6 ] ، وقال تعالى : ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما ) الآية ، [ الأعراف : 27 ] ، وقال تعالى : ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) [ الكهف : 50 ] . والآيات في هذا كثيرة في القرآن .
القول في تأويل قوله : وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأنشأ من الأنعام حمولة وفرشًا, مع ما أنشأ من الجنات المعروشات وغير المعروشات .
* * *
و " الحمولة "، ما حمل عليه من الإبل وغيرها.
و " الفرش "، صغار الإبل التي لم تدرك أن يُحْمَل عليها .
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: " الحمولة "، ما حمل عليه من كبار الإبل ومسانّها= و " الفرش "، صغارها التي لا يحمل عليها لصغرها .
* ذكر من قال ذلك:
14047- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص, عن عبد الله في قوله: (حمولة وفرشًا)، قال: " الحمولة "، الكبار من الإبل=" وفرشًا "، الصغار من الإبل .
14048- . . . . وقال، حدثنا أبي, عن أبي بكر الهذلي, عن عكرمة, عن ابن عباس: " الحمولة "، هي الكبار, و " الفرش "، الصغار من الإبل .
14049- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن أبي يحيى, عن مجاهد قال: " الحمولة "، ما حمل من الإبل, و " الفرش "، ما لم يحمل .
14050- وبه عن إسرائيل, عن خصيف, عن مجاهد: " الحمولة "، ما حمل من الإبل, و " الفرش "، ما لم يحمل .
14051- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: (وفرشًا)، قال: صغار الإبل .
14052- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص, عن عبد الله في قوله: (حمولة وفرشًا)، قال: " الحمولة "، الكبار, و " الفرش "، الصغار .
14053- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص, عن ابن مسعود في قوله: (حمولة وفرشًا)،" الحمولة "، ما حمل من الإبل, و " الفرش "، هنّ الصغار .
14054- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص عن عبد الله: أنه قال في هذه الآية: (حمولة وفرشًا)، قال: " الحمولة "، ما حمل عليه من الإبل, و " الفرش "، الصغار = قال ابن المثنى, قال محمد, قال شعبة: إنما كان حدثني سفيان، عن أبي إسحاق .
14055- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان, عن أبيه قال، قال الحسن: " الحمولة "، من الإبل والبقر .
* * *
وقال بعضهم: " الحمولة "، من الإبل, وما لم يكن من " الحمولة "، فهو " الفرش " .
14056- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, عن الحسن: (حمولة وفرشًا)، قال: " الحمولة "، ما حمل عليه, و " الفرش "، حواشيها, يعني صغارها .
14057- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (ومن الأنعام حمولة وفرشًا)، فـ" الحمولة "، ما حمل من الإبل, و " الفرش "، صغار الإبل, الفصيل وما دون ذلك مما لا يحمل .
* * *
ويقال: " الحمولة "، من البقر والإبل = و " الفرش "، الغنم .
* * *
وقال آخرون: " الحمولة "، ما حمل عليه من الإبل والخيل والبغال وغير ذلك, و " الفرش "، الغنم .
* ذكر من قال ذلك:
14058- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (ومن الأنعام حمولة وفرشًا)، فأما " الحمولة "، فالإبل والخيل والبغال والحمير, وكل شيء يحمل عليه، وأما " الفرش "، فالغنم .
14059- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله, عن أبي جعفر, عن الربيع بن أنس: " الحمولة "، من الإبل والبقر= و " فرشًا ". المعز والضأن .
14060- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (ومن الأنعام حمولة وفرشًا)، قال: أما " الحمولة "، فالإبل والبقر . قال: وأما " الفرش "، فالغنم .
14061- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, كان غير الحسن يقول: " الحمولة "، الإبل والبقر, و " الفرش "، الغنم .
14062- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (ومن الأنعام حمولة وفرشًا)، أما " الحمولة "، فالإبل . وأما " الفرش "، فالفُصْلان والعَجَاجيل والغنم. (87) وما حمل عليه فهو " حمولة " .
14063- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (حمولة وفرشًا)،" الحمولة "، الإبل, و " الفرش ", الغنم .
14064- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن أبي بكر الهذلي, عن الحسن: (وفرشًا)، قال: " الفرش "، الغنم .
14065- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (حمولة وفرشًا) قال: " الحمولة "، ما تركبون, و " الفرش "، ما تأكلون وتحلبون, شاة لا تحمل, تأكلون لحمها, وتتخذون من أصوافها لحافًا وفرشًا .
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن " الحمولة "، هي ما حمل من الأنعام, لأن ذلك من صفتها إذا حملت, لا أنه اسم لها، كالإبل والخيل والبغال، فإذا كانت إنما سميت " حمولة " لأنها تحمل, فالواجب أن يكون كل ما حَمَل على ظهره من الأنعام فحمولة. وهي جمع لا واحد لها من لفظها, كالرَّكوبة، و " الجزورة " . وكذلك " الفرش "، إنما هو صفة لما لطف فقرب من الأرض جسمه, ويقال له: " الفرش " . وأحسبها سميت بذلك تمثيلا لها في استواء أسنانها ولطفها بالفَرْش من الأرض, وهي الأرض المستوية التي يتوطَّؤُها الناس .
فأما " الحمولة "، بضم " الحاء "، فإنها الأحمال, وهي" الحمول " أيضًا بضم الحاء .
* * *
القول في تأويل قوله : كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142)
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: كلوا مما رزقكم الله، أيها المؤمنون, فأحلّ لكم ثمرات حروثكم وغروسكم، ولحوم أنعامكم, إذ حرّم بعض ذلك على أنفسهم المشركون بالله, فجعلوا لله ما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا وللشيطان مثله, فقالوا: هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا =(ولا تتبعوا خطوات الشيطان)، كما اتبعها باحرُو البحيرة، ومسيِّبو السوائب, فتحرموا على أنفسكم من طيب رزق الله الذي رزقكم ما حرموه, فتطيعوا بذلك الشيطان، وتعصوا به الرحمن ، كما:-
14066- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) ، لا تتبعوا طاعته، هي ذنوب لكم, وهي طاعة للخبيث .
* * *
= إن الشيطان لكم عدو يبغي هلاككم وصدكم عن سبيل ربكم=(مبين)، قد أبان لكم عدواته، (88) بمناصبته أباكم بالعداوة, حتى أخرجه من الجنة بكيده، وخدَعه حسدًا منه له، (89) وبغيًا عليه . (90)
--------------------
الهوامش :
(87) (( العجاجيل )) جمع (( عجول )) ( بكسر العين ، وتشديد الجيم وفتحها ، وسكون الواو ) وهو (( العجل )) ولد البقر .
(88) في المطبوعة والمخطوطة : (( أبان لكم عدوانه )) ، وصوابها ما أثبت .
(89) في المطبوعة : (( وحسدًا منه )) بالواو ، والصواب ما في المخطوطة .
(90) انظر تفسير (( خطوات الشيطان )) فيما سلف 2 : 300 - 302 / 4 : 258 .
Quran Translation Sura Al-An'aam aya 142
And of the grazing livestock are carriers [of burdens] and those [too] small. Eat of what Allah has provided for you and do not follow the footsteps of Satan. Indeed, he is to you a clear enemy.