وقوله : ( ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ) أي : لولا أن كتب الله عليهم هذا الجلاء ، وهو النفي من ديارهم وأموالهم ، لكان لهم عند الله عذاب آخر من القتل والسبي ، ونحو ذلك ، قاله الزهري ، عن عروة ، والسدي ، وابن زيد ; لأن الله قد كتب عليهم أنه سيعذبهم في الدار الدنيا مع ما أعد لهم في الآخرة من العذاب في نار جهنم .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن صالح - كاتب الليث - حدثني الليث عن عقيل ، عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير قال : ثم كانت وقعة بني النضير ، وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر . وكان منزلهم بناحية من المدينة فحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزلوا من الجلاء ، وأن لهم ما أقلت الإبل من الأموال والأمتعة إلا الحلقة ، وهي السلاح ، فأجلاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الشام . قال : والجلاء أنه كتب عليهم في آي من التوراة ، وكانوا من سبط لم يصبهم الجلاء قبل ما سلط عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله فيهم : ( سبح لله ما في السماوات وما في الأرض ) إلى قوله ( وليخزي الفاسقين ) .
وقال عكرمة : الجلاء : القتل . وفي رواية عنه : الفناء .
وقال قتادة : الجلاء : خروج الناس من البلد إلى البلد .
وقال الضحاك : أجلاهم إلى الشام وأعطى كل ثلاثة بعيرا وسقاء ، فهذا الجلاء .
وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أحمد بن كامل القاضي ، حدثنا محمد بن سعيد العوفي ، حدثني أبي ، عن عمي ، حدثني أبي ، عن جدي ، عن ابن عباس قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ ، فأعطوه ما أراد منهم ، فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم ، وأن يخرجهم من أرضهم ، ومن ديارهم ، وأوطانهم ، وأن يسيرهم إلى أذرعات الشام وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرا وسقاء ، والجلاء إخراجهم من أرضهم إلى أرض أخرى
وروي أيضا من حديث يعقوب بن محمد الزهري ، عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة ، عن أبيه ، عن جده ، عن محمد بن مسلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى بني النضير ، وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاث ليال .
وقوله : ( ولهم في الآخرة عذاب النار ) أي : حتم لازم لا بد لهم منه .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3)
يقول تعالى ذكره: ولولا أن الله قضى وكتب على هؤلاء اليهود من بني النضير في أم الكتاب الجلاء، وهو الانتقال من موضع إلى موضع، وبلدة إلى أخرى.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ ) : خروج الناس من البلد إلى البلد.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أَبي، قال: ثني عمي، قال ثني أَبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ ) والجلاء: إخراجهم من أرضهم إلى أرض أخرى، قال: ويقال: الجلاء: الفرار، يقال منه: جلا القوم من منازلهم، وأجليتهم أنا.
وقوله: (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ) يقول تعالى ذكره: (وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ ) من أرضهم وديارهم، لعذّبهم في الدنيا بالقتل والسَّبْي، ولكنه رفع العذاب عنهم في الدنيا بالقتل، وجعل عذابهم في الدنيا والجلاء، (وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ) مع ما حلّ بهم من خزي الدنيا بالجلاء عن أرضهم ودورهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال: كان النضير من سِبْطٍ لم يصبهم جلاء فيما مضى، وكان الله قد كتب عليهم الجلاء، ولولا ذلك لعذّبهم في الدنيا بالقتل والسبي.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا سَلَمَة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رُومان (وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ )، وكان لهم من الله نقمة، (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ): أي بالسيف (وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ )، مع ذلك.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أَبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أَبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ) قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ، فأعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم، وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم، ويسيرهم إلى أذرعات الشام، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرًا وسقاء.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ ) : أهل النضير، حاصرهم نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتى بلغ منهم كلّ مبلغ، فأعطوا نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ما أراد، ثم ذكر نحوه وزاد فيه: فهذا الجلاء.
Quran Translation Sura Al-Hashr aya 3
And if not that Allah had decreed for them evacuation, He would have punished them in [this] world, and for them in the Hereafter is the punishment of the Fire.