يقول تعالى مؤدبا عباده المؤمنين ، وآمرا لهم أن يحسن بعضهم إلى بعض في المجالس : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس ) وقرئ ) في المجلس ) ( فافسحوا يفسح الله لكم ) وذلك أن الجزاء من جنس العمل ، كما جاء في الحديث الصحيح : " من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة " وفي الحديث الآخر : " ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " ولهذا أشباه كثيرة ; ولهذا قال : ( فافسحوا يفسح الله لكم ) .
قال قتادة : نزلت هذه الآية في مجالس الذكر ، وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلا ضنوا بمجالسهم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرهم الله أن يفسح بعضهم لبعض .
وقال مقاتل بن حيان : أنزلت هذه الآية يوم جمعة وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ في الصفة ، وفي المكان ضيق ، وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار ، فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجالس ، فقاموا حيال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته . فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم سلموا على القوم بعد ذلك ، فردوا عليهم ، فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم ، فعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يحملهم على القيام ، فلم يفسح لهم ، فشق ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار ، من غير أهل بدر : " قم يا فلان ، وأنت يا فلان " . فلم يزل يقيمهم بعدة النفر الذين هم قيام بين يديه من المهاجرين والأنصار من أهل بدر ، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه ، وعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - الكراهة في وجوههم ، فقال المنافقون : ألستم تزعمون أن صاحبكم هذا يعدل بين الناس ؟ والله ما رأيناه قبل عدل على هؤلاء ، إن قوما أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب لنبيهم ، فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه . فبلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " رحم الله رجلا فسح لأخيه " . فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعا ، فتفسح القوم لإخوانهم ، ونزلت هذه الآية يوم الجمعة . رواه ابن أبي حاتم .
وقد قال الإمام أحمد ، والشافعي : حدثنا سفيان ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه فيجلس فيه ، ولكن تفسحوا وتوسعوا " .
وأخرجاه في الصحيحين من حديث نافع به
وقال الشافعي : أخبرنا عبد المجيد ، عن ابن جريج قال : قال سليمان بن موسى ، عن جابر بن عبد الله . أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ، ولكن ليقل : افسحوا " . على شرط السنن ولم يخرجوه
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الملك بن عمرو ، حدثنا فليح ، عن أيوب عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن يعقوب بن أبي يعقوب ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يقم الرجل الرجل من مجلسه ، ثم يجلس فيه ، ولكن افسحوا يفسح الله لكم "
ورواه أيضا عن سريج بن يونس ، ويونس بن محمد المؤدب ، عن فليح به . ولفظه : " لا يقوم الرجل للرجل من مجلسه ، ولكن افسحوا يفسح الله لكم " تفرد به أحمد
وقد اختلف الفقهاء في جواز القيام للوارد إذا جاء على أقوال : فمنهم من رخص في ذلك محتجا بحديث : " قوموا إلى سيدكم " ومنهم من منع من ذلك محتجا بحديث : " من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار " ومنهم من فصل فقال : يجوز عند القدوم من سفر ، وللحاكم في محل ولايته ، كما دل عليه قصة سعد بن معاذ ، فإنه لما استقدمه النبي - صلى الله عليه وسلم - حاكما في بني قريظة فرآه مقبلا قال للمسلمين : " قوموا إلى سيدكم " . وما ذاك إلا ليكون أنفذ لحكمه ، والله أعلم . فأما اتخاذه ديدنا فإنه من شعار العجم . وقد جاء في السنن أنه لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان إذا جاء لا يقومون له ، لما يعلمون من كراهته لذلك
وفي الحديث المروي في السنن : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس حيث انتهى به المجلس ، ولكن حيث يجلس يكون صدر ذلك المجلس ، وكان الصحابة ، رضي الله عنهم ، يجلسون منه على مراتبهم فالصديق يجلسه عن يمينه ، وعمر عن يساره ، وبين يديه غالبا عثمان ، وعلي ; لأنهما كانا ممن يكتب الوحي ، وكان يأمرهما بذلك ، كما رواه مسلم من حديث الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن أبي معمر ، عن أبي مسعود ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " وما ذاك إلا ليعقلوا عنه ما يقوله ، صلوات الله وسلامه عليه ; ولهذا أمر أولئك النفر بالقيام ليجلس الذين وردوا من أهل بدر ، إما لتقصير أولئك في حق البدريين ، أو ليأخذ البدريون من العلم بنصيبهم ، كما أخذ أولئك قبلهم ، أو تعليما بتقديم الأفاضل إلى الأمام .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير التيمي عن أبي معمر ، عن أبي مسعود قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول : " استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ، ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " . قال أبو مسعود فأنتم اليوم أشد اختلافا .
وكذا رواه مسلم وأهل السنن ، إلا الترمذي ، من طرق عن الأعمش به .
وإذا كان هذا أمره لهم في الصلاة أن يليه العقلاء ثم العلماء ، فبطريق الأولى أن يكون ذلك في غير الصلاة .
وروى أبو داود من حديث معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن كثير بن مرة ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أقيموا الصفوف ، وحاذوا بين المناكب ، وسدوا الخلل ، ولينوا بأيدي إخوانكم ، ولا تذروا فرجات للشيطان ، ومن وصل صفا وصله الله ، ومن قطع صفا قطعه الله "
ولهذا كان أبي بن كعب - سيد القراء - إذا انتهى إلى الصف الأول انتزع منه رجلا يكون من أفناء الناس ، ويدخل هو في الصف المقدم ، ويحتج بهذا الحديث : " ليليني منكم أولو الأحلام والنهى " . وأما عبد الله بن عمر فكان لا يجلس في المكان الذي يقوم له صاحبه عنه ، عملا بمقتضى ما تقدم من روايته الحديث الذي أوردناه . ولنقتصر على هذا المقدار من الأنموذج المتعلق بهذه الآية ، وإلا فبسطه يحتاج إلى غير هذا الموضع ، وفي الحديث الصحيح : بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس ، إذ أقبل ثلاثة نفر ، فأما أحدهم فوجد فرجة في الحلقة فدخل فيها ، وأما الآخر فجلس وراء الناس ، وأدبر الثالث ذاهبا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أنبئكم بخبر الثلاثة ، أما الأول فآوى إلى الله فآواه الله ، وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه "
وقال الإمام أحمد : حدثنا عتاب بن زياد ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا أسامة بن زيد ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما " .
ورواه أبو داود ، والترمذي ، من حديث أسامة بن زيد الليثي به . وحسنه الترمذي .
وقد روي عن ابن عباس ، والحسن البصري ، وغيرهما أنهم قالوا في قوله تعالى : ( إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس فافسحوا ) يعني : في مجالس الحرب ، قالوا : ومعنى قوله : ( وإذا قيل انشزوا فانشزوا ) أي : انهضوا للقتال .
وقال قتادة : ( وإذا قيل انشزوا فانشزوا ) أي : إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا .
وقال مقاتل بن حيان إذا دعيتم إلى الصلاة فارتفعوا إليها .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : كانوا إذا كانوا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته فأرادوا الانصراف أحب كل منهم أن يكون هو آخرهم خروجا من عنده ، فربما يشق ذلك عليه - عليه السلام - وقد تكون له الحاجة ، فأمروا أنهم إذا أمروا بالانصراف أن ينصرفوا ، كقوله : ( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا ) [ النور : 28 ]
وقوله : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير ) أي : لا تعتقدوا أنه إذا فسح أحد منكم لأخيه إذا أقبل ، أو إذا أمر بالخروج فخرج ، أن يكون ذلك نقصا في حقه ، بل هو رفعة ومزية عند الله ، والله تعالى لا يضيع ذلك له ، بل يجزيه بها في الدنيا والآخرة ، فإن من تواضع لأمر الله رفع الله قدره ، ونشر ذكره ; ولهذا قال : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير ) أي : خبير بمن يستحق ذلك وبمن لا يستحقه .
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو كامل ، حدثنا إبراهيم ، حدثنا ابن شهاب ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بن الخطاب بعسفان ، وكان عمر استعمله على مكة ، فقال له عمر : من استخلفت على أهل الوادي ؟ قال : استخلفت عليهم ابن أبزى . قال : وما ابن أبزى ؟ فقال : رجل من موالينا . فقال عمر بن الخطاب استخلفت عليهم مولى ؟ . فقال : يا أمير المؤمنين ، إنه قارئ لكتاب الله ، عالم بالفرائض ، قاض . فقال عمر ، رضي الله عنه : أما إن نبيكم - صلى الله عليه وسلم - قد قال : " إن الله يرفع بهذا الكتاب قوما ويضع به آخرين "
وهكذا رواه مسلم من غير وجه ، عن الزهري به . وقد ذكرت فضل العلم وأهله وما ورد في ذلك من الأحاديث مستقصاة في شرح " كتاب العلم " من صحيح البخاري ، ولله الحمد والمنة .
القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)
يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله (إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ )، يعني بقوله: تفسَّحوا: توسعوا، من قولهم مكان فسيح إذا كان واسعًا.
واختلف أهل التأويل في المجلس الذي أمر الله المؤمنين بالتفسح فيه، فقال بعضهم: ذلك كان مجلس النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خاصة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ ) قال: مجلس النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يقال ذاك خاصة.
حدثنا الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، &; 23-244 &; عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ ) ... الآية، كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلا ضنُّوا بمجلسهم عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فأمرهم أن يفسح بعضهم لبعض.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: (إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ ) قال: كان هذا للنبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ومن حوله خاصة يقول: استوسعوا حتى يصيب كلّ رجل منكم مجلسًا من النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وهي أيضًا مقاعد للقتال.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ ) قال: كان الناس يتنافسون في مجلس النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقيل لهم: (إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا ) .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله: (إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ) قال: هذا مجلس رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، كان الرجل يأتي فيقول: افسحوا لي رحمكم الله، فيضنّ كلّ أحد منهم بقربه من رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فأمرهم الله بذلك، ورأى أنه خير لهم.
وقال آخرون: بل عُنِيَ بذلك في مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا &; 23-245 &; فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ) قال: ذلك في مجلس القتال.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين أن يتفسحوا في المجلس، ولم يخصص بذلك مجلس النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم دون مجلس القتال، وكلا الموضعين يقال له مجلس، فذلك على جميع المجالس من مجالس رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ومجالس القتال.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار (تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ ) على التوحيد، غير الحسن البصري وعاصم، فإنهما قرآ ذلك (فِي الْمَجَالِسِ ) على الجماع . وبالتوحيد قراءة ذلك عندنا لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
وقوله: (فَافْسَحُوا ) يقول: فوسعوا، (يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ) يقول: يوسع الله منازلكم في الجنة، (وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ) يقول تعالى ذكره: وإذا قيل ارتفعوا، وإنما يُرَاد بذلك: وإذا قيل لكم قوموا إلى قتال عدوّ، أو صلاة، أو عمل خير، أو تفرّقوا عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقوموا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ) إلى (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) قال: إذا قيل: انشزوا فانشزوا إلى الخير والصلاة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (فَانْشُزُوا ) قال: إلى كلّ خير، قتال عدوّ، أو أمر بالمعروف، أو حقّ ما كان.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَإِذَا &; 23-246 &; قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ) يقول: إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا. وقال الحسن: هذا كله في الغزو.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ) : كان إذا نودي للصلاة تثاقل رجال، فأمرهم الله إذا نودي للصلاة أن يرتفعوا إليها، يقوموا إليها.
وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ) قال: انشزوا عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، قال: هذا في بيته إذا قيل انشزوا، فارتفعوا عن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فإن له حوائج، فأحبّ كلّ رجل منهم أن يكون آخر عهده برسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: (وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ) .
وإنما اخترت التأويل الذي قلت في ذلك، لأن الله عز وجل أمر المؤمنين إذا قيل لهم انشزوا، أن ينشزوا، فعم بذلك الأمر جميع معاني النشوز من الخيرات، فذلك على عمومه حتى يخصه ما يجب التسليم له.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة (فَانْشُزُوا ) بضم الشين، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة بكسرها.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، ولغتان مشهورتان بمنـزلة يعكفُون ويعكِفون، ويعرُشون ويعرِشون، فبأيّ القراءتين قرأ القارئ فمصيب.
قوله: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) يقول تعالى ذكره: يرفع الله المؤمنين منكم أيها القوم بطاعتهم ربهم، فيما أمرهم به من التفسح في المجلس إذا قيل لهم تفسحوا، أو بنشوزهم إلى الخيرات إذا قيل لهم انشزوا إليها، ويرفع الله الذين أوتوا العلم من أهل الإيمان على المؤمنين، الذين لم يؤتوا العلم بفضل علمهم درجات، إذا عملوا بما أمروا به.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: &; 23-247 &; (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) إن بالعلم لأهله فضلا وإن له على أهله حقًا، ولعمري للحقّ عليك أيها العالم فضل، والله معطي كل ذي فضل فضله.
وكان مطرف بن عبد الله بن الشِّخِّير يقول: فضل العلم أحبّ إليّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع.
وكان عبد الله بن مطرف يقول: إنك لتلقى الرجلين أحدهما أكثر صومًا وصلاة وصدقة، والآخر أفضل منه بونًا بعيدًا، قيل له: وكيف ذاك؟ فقال: هو أشدّهما ورعًا لله عن محارمه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به.
وقوله: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) يقول تعالى ذكره: والله بأعمالكم أيها الناس ذو خبرة، لا يخفى عليه المطيع منكم ربه من العاصي، وهو مجاز جميعكم بعمله المحسن بإحسانه، والمسيء بالذي هو أهله، أو يعفو.
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
(1) المراد من هذه العبارة أن عدم تأتي النهى عن الرؤيا المنامية، وتقدم النهي عن المناجاة بمعنى المسارة، يوضحان ما اختاره، من أن النجوى معناه المسارة، تأمل.
Quran Translation Sura Al-Mujaadila aya 11
O you who have believed, when you are told, "Space yourselves" in assemblies, then make space; Allah will make space for you. And when you are told, "Arise," then arise; Allah will raise those who have believed among you and those who were given knowledge, by degrees. And Allah is Acquainted with what you do.