وقوله : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) قال عمر بن الخطاب : هو الإنفاق في سبيل الله ، وقيل : هو النفقة على العيال ، والصحيح أنه أعم من ذلك ، فكل من أنفق في سبيل الله بنية خالصة ، وعزيمة صادقة دخل في عموم هذه الآية ; ولهذا قال : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ) كما قال في الآية الأخرى : ( أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون ) [ البقرة : 245 ] أي : جزاء جميل ورزق باهر - وهو الجنة - يوم القيامة .
قال بن أبي حاتم ، حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا خلف بن خليفة ، عن حميد الأعرج ، عن عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن مسعود قال : لما نزلت هذه الآية : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ) قال أبو الدحداح الأنصاري : يا رسول الله ، وإن الله ليريد منا القرض ؟ " قال : " نعم ، يا أبا الدحداح " . قال : أرني يدك يا رسول الله ، قال : فناوله يده ، قال : فإني قد أقرضت ربي حائطي - وله حائط فيه ستمائة نخلة ، وأم الدحداح فيه وعيالها - قال : فجاء أبو الدحداح فناداها : يا أم الدحداح ، قالت : لبيك . فقال : اخرجي ، فقد أقرضته ربي ، عز وجل - وفي رواية : أنها قالت له : ربح بيعك يا أبا الدحداح . ونقلت منه متاعها وصبيانها ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " كم من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح " . وفي لفظ : " رب نخلة مدلاة عروقها در وياقوت لأبي الدحداح في الجنة " .
يقول تعالى ذكره: من هذا الذي ينفق في سبيل الله في الدنيا، محتسبا في نفقته، مبتغيًا ما عند الله، وذلك هو القرض الحسن، يقول: فيضاعف له ربه قرضه ذلك الذي أقرضه، بإنفاقه في سبيله، فيجعل له بالواحدة سبع مئة. وكان بعض نحوّيي البصرة يقول في قوله: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ) فهو كقول العرب: لي عندك قرض صدق، وقرض سَوْء إذا فعل به خيرا؛ وأنشد ذلك بيتا للشنفرى:
سَـنجْزِي سَـلامانَ بنَ مُفْرِجَ قَرْضَها
بِمَــا قَــدَّمَتْ أيْــدِيهم فــأزَلَّتِ (1)
(وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) يقول: وله ثواب وجزاء كريم، يعني بذلك الأجر: الجنة، وقد ذكرنا الرواية عن أهل التأويل في ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
------------------------
الهوامش:
(1) نسب المؤلف البيت إلى الشنفرى. وسلامان بن مفرج قبيلة من العرب. والقرض كما في (اللسان: قرض) بفتح القاف وكسرها: ما يتجازى به الناس بينهم، ويتقاضونه، وجمعه قروض، وهو ما أسلفه من إحسان، ومن إساءة. قال أمية بن أبي الصلت:
كـلُّ امْرِئٍ سوْفَ يُجْزَى قرْضَه حَسَنا
أوْ سَــيِّئا وَمَدِينــا مِثْـلَ مـا دَانـا
قد سبق استشهاد المؤلف ببيت أمية هذا في (2 : 592) من هذه الطبعة.
Quran Translation Sura Al-Hadid aya 11
Who is it that would loan Allah a goodly loan so He will multiply it for him and he will have a noble reward?