وقوله : ( وله الجوار المنشآت ) يعني : السفن التي تجري في البحر ، قال مجاهد : ما رفع قلعه من السفن فهي منشأة ، وما لم يرفع قلعه فليس بمنشأة ، وقال قتادة : ( المنشآت ) يعني المخلوقات . وقال غيره : المنشآت - بكسر الشين - يعني البادئات .
( كالأعلام ) أي : كالجبال في كبرها ، وما فيها من المتاجر والمكاسب المنقولة من قطر إلى قطر ، وإقليم إلى إقليم ، مما فيه من صلاح للناس في جلب ما يحتاجون إليه من سائر أنواع البضائع; ولهذا قال [ تعالى ] ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا العرار بن سويد ، عن عميرة بن سعد قال : كنت مع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على شاطئ الفرات إذ أقبلت سفينة مرفوع شراعها ، فبسط على يديه ثم قال : يقول الله عز وجل : ( وله الجواري المنشآت في البحر كالأعلام ) . والذي أنشأها تجري في [ بحر من ] بحوره ما قتلت عثمان ، ولا مالأت على قتله .
وقوله: ( وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ )، يقول تعالى ذكره: ولربّ المشرقين والمغربين الجواري، وهي السفن الجارية في البحار.
وقوله: ( الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الكوفة ( المُنْشِئاتُ ) بكسر الشين، بمعنى: الظاهرات السير اللاتي يقبلن ويدبرن. وقرأ ذلك عامة قرّاء البصرة والمدينة وبعض الكوفيين ( المُنْشَئاتُ )، بفتح الشين، بمعنى المرفوعات القلاع اللاتي تقبل بهنّ وتدبر.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى متقاربتاه، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.
* ذكر من قال في تأويل ذلك ما ذكرناه فيه:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ ) قال: ما رفع قلعه من السفن فهي منشئات، وإذا لم يرفع قلعها فليست بمنشأة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ ) يعني: السفن.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ ): يعني: السفن.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قَال ابن زيد، في قوله: ( وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ ) قال: السفن.
وقوله: ( كالأعْلام ) يقول : كالجبال، شبَّه السفن بالجبال، والعرب تسمي كل جبل طويل علما، ومنه قول جرير:
إذا قَطَعْنـــا عَلَمــا بَــدَا عَلَــمُ
................... (2)
-------------------
الهوامش :
(2) البيت من مقطوعة من الرجز لجرير الخطفي ( ديوانه 520 ) وتمامه: * حـتى تنـاهين بنـا إلـى الحكم *
يمدح الحكم بن أيوب الثقفي صهر الحجاج وابن عمه . يصف النوق التي حملته إليه ، ولذلك نرجح روايته " قطعن " بنون جمع النسوة على رواية " قطعنا " بضمير جماعة الذكور ، وإن كانت جائزة في المعنى . والأعلام : جمع علم : وهو الجبل الطويل ، سمي علما ، لأن المسافر يجعله علامة وأمارة على الطريق . وأنشده أبو عبيدة في مجاز القرآن ( الورقة 173 - 1) وقال : كالأعلام : كالجبال ، قال جرير يصف الإبل : " إذ قطعن ... البيت " .
Quran Translation Sura Ar-Rahmaan aya 24
And to Him belong the ships [with sails] elevated in the sea like mountains.