وقوله : ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير ، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات ، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات ، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم ، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان الذي وضع لهم اليساق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى ، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية ، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه ، فصارت في بنيه شرعا متبعا ، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله ، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله [ صلى الله عليه وسلم ] فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير ، قال الله تعالى : ( أفحكم الجاهلية يبغون ) أي : يبتغون ويريدون ، وعن حكم الله يعدلون . ( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) أي : ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه ، وآمن به وأيقن وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين ، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها ، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء ، القادر على كل شيء ، العادل في كل شيء .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هلال بن فياض حدثنا أبو عبيدة الناجي قال : سمعت الحسن يقول : من حكم بغير حكم الله ، فحكم الجاهلية [ هو ]
وأخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح قال : كان طاوس إذا سأله رجل : أفضل بين ولدي في النحل؟ قرأ : ( أفحكم الجاهلية يبغون [ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ] )
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الخوطي حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أبغض الناس إلى الله عز وجل من يبتغي في الإسلام سنة الجاهلية وطالب دم امرئ بغير حق ليريق دمه" وروى البخاري عن أبي اليمان بإسناده نحوه بزيادة.
القول في تأويل قوله عز ذكره : أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أيبغي هؤلاء اليهود الذين احتكموا إليك، فلم يرضوا بحكمك، (40) إذ حكمت فيهم بالقسط (41) =" حكم الجاهلية "، يعني: أحكام عبَدة الأوثان من أهل الشرك، وعندهم كتاب الله فيه بيان حقيقة الحكم الذي حكمت به فيهم، وأنه الحق الذي لا يجوزُ خلافه.
ثم قال تعالى ذكره= موبِّخا لهؤلاء الذين أبوا قَبُول حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ولهم من اليهود، ومستجهلا فعلَهم ذلك منهم=: ومَنْ هذا الذي هو أحسن حكمًا، أيها اليهود، من الله تعالى ذكره عند من كان يوقن بوحدانية الله، ويقرُّ بربوبيته؟ يقول تعالى ذكره: أيّ حكم أحسن من حكم الله، إن كنتم موقنين أن لكم ربًّا، وكنتم أهل توحيدٍ وإقرار به؟
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال مجاهد.
12153 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " أفحكم الجاهلية يبغون "، قال: يهود.
12154 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " أفحكم الجاهلية يبغون "، يهود.
12155 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا شيخ، عن مجاهد: " أفحكم الجاهلية يبغون "، قال: يهود.
* * *
---------------
الهوامش:
(40) انظر تفسير"بغى" و"ابتغى" فيما سلف 10: 290 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.
(41) في المطبوعة: "وقد حكمت" ، وفي المخطوطة: "أو حكمت" ، وصوابها ما أثبت.
Quran Translation Sura Al-Maaida aya 50
Then is it the judgement of [the time of] ignorance they desire? But who is better than Allah in judgement for a people who are certain [in faith].