ثم قال تعالى منكرا عليهم في آرائهم الفاسدة ومقاصدهم الذائغة في تركهم ما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم الذي يزعمون أنهم مأمورون بالتمسك به أبدا ثم خرجوا عن حكمه وعدلوا إلى غيره مما يعتقدون في نفس الأمر بطلانه وعدم لزومه لهم فقال" وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ".
القول في تأويل قوله : وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: وكيف يحكمك هؤلاء اليهود، يا محمد، بينهم، فيرضون بك حكمًا بينهم=" وعندهم التوراة " التي أنـزلتها على موسى، التي يقرُّون بها أنها حق، وأنها كتابي الذي أنـزلته إلى نبيي، (40) وأن ما فيه من حكم فمن حكمي، يعلمون ذلك لا يتناكرونه، ولا يتدافعونه، ويعلمون أن حكمي فيها على الزاني المحصن الرجم، وهم مع عملهم بذلك=" يتولون "، يقول: يتركون الحكم به، بعد العلم بحكمي فيه، جراءة عليّ وعصيانًا لي. (41)
وهذا، وإن كان من الله تعالى ذكره خطابًا لنبيه صلى الله عليه وسلم، فإنه تقريعٌ منه لليهود الذين نـزلت فيهم هذه الآية. يقول لهم تعالى ذكره: كيف تقرّون، أيها اليهود، بحكم نبيّي محمد صلى الله عليه وسلم، مع جحودكم نبوته وتكذيبكم إياه، وأنتم تتركون حكمي الذي تقرون به أنه حق عليكم واجبٌ، جاءكم به موسى من عند الله؟ يقول: فإذْ كنتم تتركون حكمي الذي جاءكم به موسى الذي تقرّون بنبوّته في كتابي، فأنتم بترك حكمي الذي يخبركم به نبيِّي محمد أنه حكمي- أحْرَى، مع جحودكم نبوَّته.
* * *
ثم قال تعالى ذكره مخبرًا عن حال هؤلاء اليهود الذين وصف صفتهم في هذه الآية عنده، وحال نظرائهم من الجائرين عن حكمه، الزائلين عن محجّة الحق=" وما أولئك بالمؤمنين "، يقول: ليس من فعل هذا الفعل- أي: من تولّى عن حكم الله، الذي حكم به في كتابه الذي أنـزله على نبيه، في خلقه (42) = بالذي صدَّق الله ورسوله فأقرّ بتوحيده ونبوّة نبيه صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك ليس من فِعل أهل الإيمان.
* * *
وأصل " التولي عن الشيء "، الانصرافُ عنه، كما:-
12002 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير: " ثم يتولون من بعد ذلك "، قال: " توليهم "، ما تركوا من كتاب الله.
12003 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله "، يعني: حدود الله، فأخبر الله بحكمه في التوراة.
12004 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وعندهم التوراة فيها حكم الله "، أي: بيان الله ما تشاجروا فيه من شأن قتيلهم=" ثم يتولون من بعد ذلك "، الآية.
12005 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال، قال= يعني الرب تعالى ذكره= يعيِّرهم: " وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله "، يقول: الرجم.
----------------
الهوامش :
(40) في المطبوعة: على"نبيي" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(41) انظر تفسير" تولى" فيما سلف 9: 18 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك.
(42) السياق: "... الذي حكم به في كتابه... في خلقه".
Quran Translation Sura Al-Maaida aya 43
But how is it that they come to you for judgement while they have the Torah, in which is the judgement of Allah? Then they turn away, [even] after that; but those are not [in fact] believers.