وقوله : ( وإن منكم لمن ليبطئن ) قال مجاهد وغير واحد : نزلت في المنافقين ، وقال مقاتل بن حيان : ( ليبطئن ) أي : ليتخلفن عن الجهاد .
ويحتمل أن يكون المراد أنه يتباطأ هو في نفسه ، ويبطئ غيره عن الجهاد ، كما كان عبد الله بن أبي ابن - قبحه الله - يفعل ، يتأخر عن الجهاد ، ويثبط الناس عن الخروج فيه . وهذا قول ابن جريج وابن جرير ; ولهذا قال تعالى إخبارا عن المنافق أنه يقول إذا تأخر عن الجهاد : ( فإن أصابتكم مصيبة ) أي : قتل وشهادة وغلب العدو لكم ، لما لله في ذلك من الحكمة ( قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ) أي : إذ لم أحضر معهم وقعة القتال ، يعد ذلك من نعم الله عليه ، ولم يدر ما فاته من الأجر في الصبر أو الشهادة إن قتل .
القول في تأويل قوله : وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72)
قال أبو جعفر: وهذا نعت من الله تعالى ذكره للمنافقين، نعتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ووصفهم بصفتهم فقال: " وإن منكم "، أيها المؤمنون، يعني: من عِدَادكم وقومكم، ومن يتشَّبه بكم، ويظهر أنه من أهل دعوتكم ومِلَّتكم، وهو منافق يبطِّئ من أطاعه منكم عن جهاد عدوكم وقتالهم إذا أنتم نفرتم إليهم =" فإن أصابتكم مصيبة "، (34) يقول: فإن أصابتكم هزيمة، أو نالكم قتل أو جراح من عدوكم =" قال قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيدًا "، فيصيبني جراح أو ألم أو قتل، وسَرَّه تخلّفه عنكم، شماتة بكم، لأنه من أهل الشك في وعد الله الذي وعد المؤمنين على ما نالهم في سبيله من الأجر والثواب، وفي وعيده. فهو غيرُ راج ثوابًا، ولا خائف عقابًا.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
9935 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة " إلى قوله: فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ، ما بين ذلك في المنافقين.
9936 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
9937 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " وإن منكم لمن ليبطئن " عن الجهاد والغزو في سبيل الله =" فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيدًا "، قال: هذا قول مكذِّب.
9938 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج قال، قال ابن جريج: المنافق يبطِّئ المسلمين عن الجهاد في سبيل الله، قال الله: " فإن أصابتكم مصيبة "، قال: بقتل العدو من المسلمين =" قال قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيدًا "، قال: هذا قول الشامت.
9939 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " فإن أصابتكم مصيبة "، قال: هزيمةٌ.
* * *
ودخلت " اللام " في قوله: " لمن "، وفتحت، لأنها " اللام " التي تدخل توكيدًا للخبر مع " إنَّ"، كقول القائل: " إنّ في الدار لَمَن يكرمك ". وأما " اللام " الثانية التي في" ليبطئن "، فدخلت لجواب القسم، كأن معنى الكلام: وإن منكم أيها القوم لمن والله ليبطئن. (35)
------------------
الهوامش :
(34) انظر تفسير"إصابة المصيبة" فيما سلف: 514.
(35) انظر تفصيل ذلك في معاني القرآن للفراء 1: 275 ، 276.
Quran Translation Sura An-Nisaa aya 72
And indeed, there is among you he who lingers behind; and if disaster strikes you, he says, "Allah has favored me in that I was not present with them."