يخبر تعالى عن يوم القيامة أنه تسود فيه وجوه ، وتبيض فيه وجوه ، تسود وجوه أهل الفرقة والاختلاف ، وتبيض وجوه أهل السنة والجماعة ، قال تعالى هاهنا : ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله ) أي : في دعواهم له شريكا وولدا ( وجوههم مسودة ) أي : بكذبهم وافترائهم .
وقوله : ( أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ) أي : أليست جهنم كافية لها سجنا وموئلا لهم فيها [ دار ] الخزي والهوان ، بسبب تكبرهم وتجبرهم وإبائهم عن الانقياد للحق .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب ، حدثنا عمي ، حدثنا عيسى بن أبي عيسى الخياط ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أشباه الذر في صور الناس ، يعلوهم كل شيء من الصغار ، حتى يدخلوا سجنا من النار في واد يقال له بولس ، من نار الأنيار ، ويسقون عصارة أهل النار ، ومن طينة الخبال " .
القول في تأويل قوله تعالى : وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)
يقول تعالى ذكره: ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى ) يا محمد هؤلاء ( الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ ) من قومك فزعموا أن له ولدا, وأن له شريكا, وعبدوا آلهة من دونه ( وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ) ، والوجوه وإن كانت مرفوعة بمسودة, فإن فيها معنى نصب, لأنها مع خبرها تمام ترى, ولو تقدم قوله مسودة قبل الوجوه, كان نصبا, ولو نصب الوجوه المسودة ناصب في الكلام لا في القرآن, إذا كانت المسودة مؤخرة كان جائزا, كما قال الشاعر:
ذَرِينــي إنَّ أمْــرَكِ لَــنْ يُطاعَـا
وَمَــا ألْفَيْتِنِــي حِــلْمِي مُضَاعَـا (3)
فنصب الحلم والمضاع على تكرير ألفيتني, وكذلك تفعل العرب في كلّ ما احتاج إلى اسم وخبر, مثل ظنّ وأخواتها ، وفي" مسودّة " للعرب لغتان: مسودّة, ومسوادّة, وهي في أهل الحجاز يقولون فيما ذكر عنهم: قد اسوادّ وجهه, واحمارّ, واشهابّ. وذكر بعض نحويي البصرة عن بعضهم أنه قال: لا يكون افعالّ إلا في ذي اللون الواحد نحو الأشهب, قال: ولا يكون في نحو الأحمر, لأن الأشهب لون يحدث, والأحمر لا يحدث.
وقوله: ( أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ) يقول: أليس في جهنم مأوى ومسكن لمن تكبر على الله, فامتنع من توحيده, والانتهاء إلى طاعته فيما أمره ونهاه عنه.
-------------------------
الهوامش :
(3) البيت لعدي بن زيد ، كما قال الفراء في معاني القرآن ( الورقة 286 ) من مخطوطة الجامعة ) . وهو من أبيات الكتاب لسيبويه 1 : 87 . ومن شواهد ( خزانة الأدب الكبرى للبغدادي 2 : 368 ) . وموضع الشاهد فيه : أن قوله" حلمي" بدل اشتمال من الياء في" ألفيتني" . قال ابن جني في إعراب الحماسة :" إنما يجوز البدل من ضمير المتكلم وضمير المخاطب ، إذا كان بدل البعض أو بدل الاشتمال ، نحو قولك : عجبت منك عقلك ، وضربتك رأسك . ا هـ . وقال في الخزانة : والبيت نسبه سيبويه لرجل من خثعم أو بجيلة ، وتبعه ابن السراج في أصوله . وعزاه الفراء والزجاج ، إلى عدي بن زيد العبادي . وهو الصحيح ، وكذلك قال صاحب الحماسة البصرية وأورد من القصيدة بعده أبياتا . ا هـ .
Quran Translation Sura Az-Zumar aya 60
And on the Day of Resurrection you will see those who lied about Allah [with] their faces blackened. Is there not in Hell a residence for the arrogant?