وقوله : ( فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ) ذكر غير واحد من السلف والمفسرين أنه اشتغل بعرضها حتى فات وقت صلاة العصر والذي يقطع به أنه لم يتركها عمدا بل نسيانا كما شغل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق عن صلاة العصر حتى صلاها بعد الغروب وذلك ثابت في الصحيحين من غير وجه ، من ذلك عن جابر قال : جاء عمر ، رضي الله عنه يوم الخندق بعد ما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش ، ويقول : يا رسول الله ، والله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " والله ما صليتها " فقال : فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب
ويحتمل أنه كان سائغا في ملتهم تأخير الصلاة لعذر الغزو والقتال . والخيل تراد للقتال . وقد ادعى طائفة من العلماء أن هذا كان مشروعا فنسخ ذلك بصلاة الخوف ومنهم من ذهب إلى ذلك في حال المسايفة والمضايقة ، حيث لا يمكن صلاة ولا ركوع ولا سجود كما فعل الصحابة رضي الله عنهم في فتح تستر ، وهو منقول عن مكحول والأوزاعي وغيرهما والأول أقرب ; لأنه قال بعدها : ( ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق )
قال الحسن البصري . قال : لا والله لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك . ثم أمر بها فعقرت . وكذا قال قتادة .
وقال السدي : ضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف .
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : جعل يمسح أعراف الخيل ، وعراقيبها حبالها . وهذا القول اختاره ابن جرير قال : لأنه لم يكن ليعذب حيوانا بالعرقبة ويهلك مالا من ماله بلا سبب سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ولا ذنب لها . وهذا الذي رجح به ابن جرير فيه نظر ; لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا ولا سيما إذا كان غضبا لله - عز وجل - بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة ; ولهذا لما خرج عنها لله تعالى عوضه الله تعالى ما هو خير منها وهي الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب غدوها شهر ورواحها شهر فهذا أسرع وخير من الخيل
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أبي قتادة وأبي الدهماء - وكانا يكثران السفر نحو البيت - قالا أتينا على رجل من أهل البادية ، فقال البدوي : أخذ بيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يعلمني مما علمه الله تعالى وقال : " إنك لا تدع شيئا اتقاء الله - عز وجل - إلا أعطاك الله خيرا منه "
وقوله ( فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ) وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة الظاهر عليه من ذكره: فَلَهِيَ عن الصلاة حتى فاتته, فقال: إني أحببت حب الخير. ويعني بقوله ( فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ) : أي المال والخيل، أو الخير من المال.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا ابن يمان, عن سفيان, عن السُّدِّيّ( فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ) قال: الخيل.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله ( إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ) قال: المال.
وقوله ( عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ) يقول: إني أحببت حب الخير حتى سهوت عن ذكر ربي وأداء فريضته. وقيل: إن ذلك كان صلاة العصر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ) عن صلاة العصر.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ) قال. صلاة العصر. حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: ثنا أبو زرعة, قال: ثنا حيوة بن شريح, قال: ثنا أبو صخر, أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول: سمعت أبا الصَّهباء البكري يقول: سألت عليّ بن أبي طالب, عن الصلاة الوسطى, فقال: هي العصر, وهي التي فُتِن بها سليمان بن داود.
وقوله ( حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ) يقول: حتى توارت الشمس بالحجاب, يعني: تغيبت في مغيبها. كما حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, قال: ثنا ميكائيل, عن داود بن أبي هند, قال: قال ابن مسعود, في قوله ( إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ) قال: توارت الشمس من وراء ياقوتة خضراء, فخضرة السماء منها.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ) حتى دَلَكَتْ براح. قال قتادة: فوالله ما نازعته بنو إسرائيل ولا كابروه, ولكن ولوه من ذلك ما ولاه الله.
حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ) حتى غابت.
Quran Translation Sura Saad aya 32
And he said, "Indeed, I gave preference to the love of good [things] over the remembrance of my Lord until the sun disappeared into the curtain [of darkness]."