( استكبارا في الأرض ) أي : استكبروا عن اتباع آيات الله ، ( ومكر السيئ ) أي : ومكروا بالناس في صدهم إياهم عن سبيل الله ، ( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ) [ أي : وما يعود وبال ذلك إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم .
قال ابن أبي حاتم : ذكر علي بن الحسين ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن أبي زكريا الكوفي عن رجل حدثه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياك ومكر السيئ ، فإنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ] ، ولهم من الله طالب " ، ، وقد قال محمد بن كعب القرظي : ثلاث من فعلهن لم ينج حتى ينزل به من مكر أو بغي أو نكث ، وتصديقها في كتاب الله : ( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ) . ( إنما بغيكم على أنفسكم ) [ يونس : 23 ] ، ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) [ الفتح : 10 ] .
وقوله : ( فهل ينظرون إلا سنة الأولين ) يعني عقوبة الله لهم على تكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره ، ( فلن تجد لسنة الله تبديلا ) أي لا تغير ولا تبدل ، بل هي جارية كذلك في كل مكذب ، ( ولن تجد لسنة الله تحويلا ) أي : ( وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ) [ الرعد : 11 ] ، ولا يكشف ذلك عنهم ويحوله عنهم أحد .
وقوله (اسْتِكْبَارًا فِي الأرْضِ) يقول: نفروا استكبارًا في الأرض وخدعة سيئة، وذلك أنهم صدوا الضعفاء عن اتباعه مع كفرهم به. والمكر هاهنا: هو الشرك.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَمَكْرَ السَّيِّئِ ) وهو الشرك. وأضيف المكر إلى السيئ ، والسيئ من نعت المكر كما قيل إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ وقيل: إن ذلك في قراءة عبد الله (وَمَكْرًا سَيِّئًا)، وفي ذلك تحقيق القول الذي قلناه من أن السيئ في المعنى من نعت المكر. وقرأ ذلك قراء الأمصار غير الأعمش وحمزة بهمزة محركة بالخفض. وقرأ ذلك الأعمش وحمزة بهمزة وتسكين الهمزة اعتلالا منهما بأن الحركات لما كثرت في ذلك ثقل، فسكَّنا الهمزة، كما قال الشاعر:
إذَا اعْوَجَجْنَ قُلْتُ صَاحِبْ قَوّمِ (1)
فسكن الباء لكثرة الحركات.
والصواب من القراءة ما عليه قراء الأمصار من تحريك الهمزة فيه إلى الخفض وغير جائز في القرآن أن يقرأ بكل ما جاز في العربية؛ لأن القراءة إنما هي ما قرأت به الأئمة الماضية، وجاء به السلف على النحو الذي أخذوا عمن قبلهم.
وقوله ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ ) يقول: ولا ينـزل المكر السيئ إلا بأهله، يعني بالذين يمكرونه، وإنما عنى أنه لا يحل مكروه ذلك المكر الذي مكره هؤلاء المشركون إلا بهم.
وقال قتادة في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ ) وهو الشرك.
وقوله ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ ) يقول تعالى ذكره: فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك يا محمد إلا سنة الله بهم في عاجل الدنيا على كفرهم به أليم العقاب، يقول: فهل ينتظر هؤلاء إلا أن أحل بهم من نقمتي على شركهم بي وتكذيبهم رسولي مثل الذي أحللت بمن قبلهم من أشكالهم من الأمم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ ) أي: عقوبة الأولين ( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا ) يقول: فلن تجد يا محمد لسنة الله تغييرًا.
وقوله ( وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا ) يقول: ولن تجد لسنة الله في خلقه تبديلا يقول: لن يغير ذلك ولا يبدله؛ لأنه لا مرد لقضائه.
------------------------
الهوامش:
(1) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 267) قال: وقوله (مكر السيئ): أضيف المكر إلى إلى السيئ، وهو هو. كما قال: (إن هذا لهو حق اليقين). وتصديق ذلك في رواية عبد الله: (ومكرًا سيئًا). وقوله (مكر السيئ) الهمزة في السيئ مخفوضة، وقد جزمها الأعمش وحمزة، لكثرة الحركات، كما قال: (لا يحزنهم الفزع الأكبر)؛ قال الشاعر:
إذَا اعْوَجَجْـنَ قلْـتُ صَـاحبْ قَـوّمِ
يريد: يا صاحبُ قوم، فجزم الباء لكثرة الحركات قال الفراء: حدثني الرواسي، عن أَبي عمرو بن العلاء: (لا يحزنهم) جزم : ا . هـ.
Quran Translation Sura Faatir aya 43
[Due to] arrogance in the land and plotting of evil; but the evil plot does not encompass except its own people. Then do they await except the way of the former peoples? But you will never find in the way of Allah any change, and you will never find in the way of Allah any alteration.