أي : بل كنتم تمكرون بنا ليلا ونهارا ، وتغرونا وتمنونا ، وتخبرونا أنا على هدى وأنا على شيء ، فإذا جميع ذلك باطل وكذب ومين .
قال قتادة ، وابن زيد : ( بل مكر الليل والنهار ) يقول : بل مكرهم بالليل والنهار . وكذا قال مالك ، عن زيد بن أسلم : مكرهم بالليل والنهار .
( إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا ) أي نظراء وآلهة معه ، وتقيموا لنا شبها وأشياء من المحال تضلونا بها ( وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ) أي : الجميع من السادة والأتباع ، كل ندم على ما سلف منه .
( وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا ) : وهي السلاسل التي تجمع أيديهم مع أعناقهم ، ( هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ) أي : إنما نجازيكم بأعمالكم ، كل بحسبه ، للقادة عذاب بحسبهم ، وللأتباع بحسبهم ) قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون ) [ الأعراف : 38 ] .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا فروة بن أبي المغراء ، حدثنا محمد بن سليمان بن الأصبهاني ، عن أبي سنان ضرار بن صرد ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن جهنم لما سيق إليها أهلها تلقاهم لهبها ، ثم لفحتهم لفحة فلم يبق لحم إلا سقط على العرقوب " .
وحدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي الحوارى ، حدثنا الطيب أبو الحسن ، عن الحسن بن يحيى الخشني قال : ما في جهنم دار ولا مغار ولا غل ولا سلسلة ولا قيد ، إلا اسم صاحبها عليه مكتوب . قال : فحدثته أبا سليمان - يعني : الداراني ، رحمة الله عليه - فبكى ثم قال : ويحك . فكيف به لو جمع هذا كله عليه ، فجعل القيد في رجليه ، والغل في يديه والسلسلة في عنقه ، ثم أدخل النار وأدخل المغار ؟!
القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)
يقول تعالى ذكره: (وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) من الكفرة بالله في الدنيا، فكانوا أتباعًا لرؤسائهم في الضلالة (لِلَّذِينّ اسْتَكْبَرُوا) فيها، فكانوا لهم رؤساء (بَلْ مَكْرُ) كم لنا بـ(اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) صدنا عن الهدى ( إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ ) أمثالا وأشباهًا في العبادة والألوهة، فأضيف إلى الليل والنهار. والمعنى ما ذكرنا من مكر المستكبرين بالمستضعفين في الليل والنهار، على اتساع العرب في الذي قد عُرِفَ معناها فيه من منطقها، من نقل صفة الشيء إلى غيره، فتقول للرجل: يا فلان نهارك صائم وليلك قائم، وكما &; 20-408 &; قال الشاعر:
وَنِمْتِ ومَا لَيْلُ المَطِيِّ بنَائمِ (1)
وما أشبه ذلك مما قد مضى بياننا له في غير هذا الموضع من كتابنا هذا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا ) يقول: بل مكركم بنا في الليل والنهار أيها العظماء الرؤساء حتى أزلتمونا عن عبادة الله.
وقد ذُكر في تأويله عن سعيد بن جبير ما حدثنا أَبو كريب قال: ثنا ابن يمان عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير ( بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) قال: مرُّ الليل والنهار.
وقوله ( إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ ) يقول: حين تأمروننا أن نكفر بالله.
وقوله (وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا) يقول: شركاء.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا) شركاء.
قوله ( وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ) يقول: وندموا على ما فرطوا من طاعة الله في الدنيا حين عاينوا عذاب الله الذي أعده لهم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَأَسَرُّوا الندَامَةَ) بينهم ( لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ) .
قوله ( وَجَعَلْنَا الأغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) وغلت أيدي الكافرين بالله في جهنم إلى أعناقهم في جوامع من نار جهنم، جزاء بما كانوا بالله في الدنيا يكفرون، يقول جل ثناؤه: ما يفعل الله ذلك بهم إلا ثوابًا لأعمالهم الخبيثة التي كانوا في الدنيا يعملونها، ومكافأة لهم عليها.
------------------------
الهوامش:
(1) هذا عجز بيت لجرير بن عطية الخطفي الشاعر الإسلامي، وصدره:
لقـد لمتنـا يـا أم غيـلان في السرى
(ديوانه طبعة الصاوي 554) واستشهد به المؤلف على أنك تقول يا فلان نهارك صائم وليلك قائم، فتسلم الصيام والقيام إلى الليل والنهار إسنادا مجازيا عقليا، والأصل فيه أن يسند الصيام والقيام للرجل لا للزمان، وذلك من باب التوسع المجازي، العلاقة هنا الزمانية، والقرينة هنا عقلية. وذلك نظير قوله تعالى: (بل مكر الليل والنهار). أصله: بل مكركم بنا في الليل والنهار، ثم أسند الفعل إليهما. قال الفراء في (معاني القرآن ، الورقة 274): وقوله: (بل مكر الليل والنهار): المكر ليس لليل ولا النهار، وإنما المعنى: بل مكركم بالليل والنهار. وقد يجوز أن تضيف الفعل إلى الليل والنهار، ويكونا كالفاعلين؛ لأن العرب تقول: نهارك صائم، وليلك قائم، ثم تضيف الفعل إلى الليل والنهار، وهو المعنى للآدميين، كما تقول: نام ليلك. ا . هـ.
Quran Translation Sura Saba aya 33
Those who were oppressed will say to those who were arrogant, "Rather, [it was your] conspiracy of night and day when you were ordering us to disbelieve in Allah and attribute to Him equals." But they will [all] confide regret when they see the punishment; and We will put shackles on the necks of those who disbelieved. Will they be recompensed except for what they used to do?