لما أمر تعالى النساء بالحجاب من الأجانب ، بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب منهم ، كما استثناهم في سورة النور ، عند قوله : ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن ) إلى آخرها ، [ النور : 31 ] ، وفيها زيادات على هذه . وقد تقدم تفسيرها والكلام عليها بما أغنى عن إعادته . وقد سأل بعض السلف فقال : لم لم يذكر العم والخال في هاتين الآيتين ؟ فأجاب عكرمة والشعبي : بأنهما لم يذكرا; لأنهما قد يصفان ذلك لبنيهما . قال ابن جرير : حدثني محمد بن المثنى ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد ، حدثنا داود ، عن الشعبي وعكرمة في قوله : ( لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن ) قلت : ما شأن العم والخال لم يذكرا ؟ قالا هما ينعتانها لأبنائهما . وكرها أن تضع خمارها عند خالها وعمها .
وقوله : ( ولا نسائهن ) : يعني بذلك : عدم الاحتجاب من النساء المؤمنات .
وقوله : ( ولا ما ملكت أيمانهن ) يعني به أرقاءهن من الذكور والإناث ، كما تقدم التنبيه عليه ، وإيراد الحديث فيه .
قال سعيد بن المسيب : إنما يعني به الإماء فقط . رواه ابن أبي حاتم .
وقوله : ( واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا ) أي : واخشينه في الخلوة والعلانية ، فإنه شهيد على كل شيء ، لا تخفى عليه خافية ، فراقبن الرقيب .
القول في تأويل قوله تعالى : لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)
يقول تعالى ذكره: لا حرج على أزواج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في آبائهن ولا إثم.
ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي وضع عنهن الجناح في هؤلاء؛ فقال بعضهم: وضع عنهن الجناح في وضع جلابيبهن عندهم .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ابن أَبي ليلى، عن &; 20-318 &; عبد الكريم، عن مجاهد في قوله (لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ ...) الآية كلها، قال: أن تضع الجلباب.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قوله (لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ) ومن ذكر معه أن يروهن.
وقال آخرون: وضع عنهن الجناح فيهن في ترك الاحتجاب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة في قوله (لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ ...) إلى (شَهِيدًا) : فرخص لهؤلاء أن لا يحتجبن منهم.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: ذلك وضع الجناح عنهن في هؤلاء المسلمين أن لا يحتجبن منهم؛ وذلك أن هذه الآية عقيب آية الحجاب، وبعد قول الله: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فلا يكون قوله (لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ) استثناء من جملة الذين أمروا بسؤالهن المتاع من وراء الحجاب إذا سألوهن ذلك أولى وأشبه من أن يكون خبر مبتدأ عن غير ذلك المعنى.
فتأويل الكلام إذن: لا إثم على نساء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وأمهات المؤمنين في إذنهن لآبائهن وترك الحجاب منهن، ولا لأبنائهن ولا لإخوانهن ولا لأبناء إخوانهن . وعنى بإخوانهن وأبناء إخوانهن إخوتهن وأبناء إخوتهن. وخرج معهم جمع ذلك مخرج جمع فتى إذا جمع فتيان، فكذلك جمع أخ إذا جمع إخوان. وأما إذا جمع إخوة، فذلك نظير جمع فتى إذا جمع فتية، ولا أبناء إخوانهن، ولم يذكر في ذلك العم على ما قال الشعبي حذرًا من أن يصفهن لأبنائه.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا حجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن
داود، عن الشعبي وعكرمة في قوله: ( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ) قلت: ما شأن العم والخال لم يذكرا؟ قال: لأنهما ينعتانها لأبنائهما، وكرها أن تضع خمارها عند خالها وعمها.
حدثنا ابن المثنى، ، قال: ثنا أَبو الوليد، قال: ثنا حماد، عن داود، عن عكرمة والشعبي نحوه، غير أنه لم يذكر ينعتانها.
وقوله (وَلا نِسَائِهِنَّ) يقول: ولا جناح عليهن أيضا في أن لا يحتجبن من نساء المؤمنين.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (وَلا نِسَائِهِنَّ) قال: نساء المؤمنات الحرائر ليس عليهن جناح أن يرين تلك الزينة، قال: وإنما هذا كله في الزينة، قال: ولا يجوز للمرأة أن تنظر إلى شيء من عورة المرأة. قال: ولو نظر الرجل إلى فخذ الرجل لم أر به بأسًا، قال: (وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) فليس ينبغي لها أن تكشف قرطها للرجل، قال: وأما الكحل والخاتم والخضاب فلا بأس به، قال: والزوج له فضل والآباء من وراء الرجل لهم فضل، قال: والآخرون يتفاضلون، قال: وهذا كله يجمعه ما ظهر من الزينة، قال: وكان أزواج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لا يحتجبن من المماليك. وقوله (وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) من الرجال والنساء، وقال آخرون: من النساء. وقوله: (وَاتَّقِينَ اللَّهَ) يقول: وخفن الله أيها النساء أن تتعدين ما حد الله لكن، فتبدين من زينتكن ما ليس لكن أن تبدينه، أو تتركن الحجاب الذي أمركن الله بلزومه، إلا فيما أباح لكن تركه، والْزمْنَ طاعته ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ) يقول تعالى ذكره: إن الله شاهد على ما تفعلنه من احتجابكن، وترككن الحجاب لمن أبحت لكن ترك ذلك له، وغير ذلك من أموركن، يقول: فاتقين الله في أنفسكن لا تلقين الله، وهو شاهد عليكم، بمعصيته، وخلاف أمره ونهيه، فتهلكن، فإنه شاهد على كل شيء.
Quran Translation Sura Al-Ahzaab aya 55
There is no blame upon women concerning their fathers or their sons or their brothers or their brothers' sons or their sisters' sons or their women or those their right hands possess. And fear Allah. Indeed Allah is ever, over all things, Witness.