ثم أخبرهم أن فرارهم ذلك لا يؤخر آجالهم ، ولا يطول أعمارهم ، بل ربما كان ذلك سببا في تعجيل أخذهم غرة; ولهذا قال : ( وإذا لا تمتعون إلا قليلا ) أي : بعد هربكم وفراركم ، ( قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ) [ النساء : 77 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا (16)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قُلْ) يا محمد، لهؤلاء الذين يستأذنوك في الانصراف عنك ويقولون: إن بيوتنا عورة ( لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ ) يقول: لأن ذلك، أو ما كتب الله منهما واصل إليكم بكل حال، كرهتم أو أحببتم (وإذًا لا تُمَتَّعُونَ إلا قَلِيلا) يقول: وإذا فررتم من الموت أو القتل لم يزد فراركم ذلك في أعماركم وآجالكم، بل إنما تمتعون في هذه الدنيا إلى الوقت الذي كتب لكم، ثم يأتيكم ما كتب لكم وعليكم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا ) وإنما الدنيا كلها قليل.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن منصور، عن أبي رزين، عن ربيع بن خيثم (وَإذًا لا تُمَتَّعُونَ إلا قَلِيلا) قال: إلى آجالهم.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن أبي رزين، عن ربيع بن خيثم (وَإذًا لا تُمَتَّعُونَ إلا قَلِيلا) قال: ما بينهم وبين الأجل.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن قالا ثنا سفيان، عن منصور، عن الأعمش، عن أبي رزين، عن الربيع بن خيثم، مثله إلا أنه قال: ما بينهم وبين آجالهم.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن أبي رزين، أنه قال في هذه الآية: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا قال: ليضحكوا في الدنيا قليلا وليبكوا في النار كثيرا. وقال في هذه الآية: (وَإذًا لا تُمَتَّعُونَ إلا قَلِيلا) قال: إلى آجالهم. أحد هذين الحديثين رفعه إلى ربيع بن خيثم.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن الأعمش، عن أبي رزين، عن الربيع بن خيثم (وَإذًا لا تُمَتَّعُونَ إلا قَلِيلا) قال: الأجل. ورفع قوله: (تُمَتَّعُونَ) ولم ينصب بـ" إذًا " للواو التي معها؛ وذلك أنه إذا كان قبلها واو، كان معنى " إذًا " التأخير بعد الفعل، كأنه قيل: ولو فرّوا لا يمتَّعون إلا قليلا إذًا، وقد يُنصب بها أحيانا، وإن كان معها واو؛ لأن الفعل متروك، فكأنها لأوّل الكلام.
Quran Translation Sura Al-Ahzaab aya 16
Say, [O Muhammad], "Never will fleeing benefit you if you should flee from death or killing; and then [if you did], you would not be given enjoyment [of life] except for a little."