وقوله : ( الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ) هذا كان يوم " حمراء الأسد " ، وذلك أن المشركين لما أصابوا ما أصابوا من المسلمين كروا راجعين إلى بلادهم ، فلما استمروا في سيرهم تندموا لم لا تمموا على أهل المدينة وجعلوها الفيصلة . فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب المسلمين إلى الذهاب وراءهم ليرعبهم ويريهم أن بهم قوة وجلدا ، ولم يأذن لأحد سوى من حضر الوقعة يوم أحد ، سوى جابر بن عبد الله رضي الله عنه - لما سنذكره - فانتدب المسلمون على ما بهم من الجراح والإثخان طاعة لله [ عز وجل ] ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة قال : لما رجع المشركون عن أحد قالوا : لا محمدا قتلتم ، ولا الكواعب أردفتم ، بئسما صنعتم ، ارجعوا . فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فندب المسلمين فانتدبوا حتى بلغ حمراء الأسد - أو : بئر أبي عيينة - الشك من سفيان - فقال المشركون : نرجع من قابل . فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت تعد غزوة ، فأنزل الله عز وجل : ( الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم )
ورواه ابن مردويه من حديث محمد بن منصور ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس فذكره .
وقال محمد بن إسحاق : كان يوم أحد يوم السبت للنصف من شوال ، فلما كان الغد من يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال ، أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو ، وأذن مؤذنه ألا يخرج معنا أحد إلا أحد حضر يومنا بالأمس . فكلمه جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام فقال : يا رسول الله ، إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع وقال : يا بني ، إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن ، ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ، فتخلف على أخواتك ، فتخلفت عليهن ، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج معه . وإنما خرج رسول الله مرهبا للعدو ، وليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوة ، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم .
قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان ، أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الأشهل ، كان شهد أحدا قال : شهدت أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأخي فرجعنا جريحين ، فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو ، قلت لأخي - أو قال لي - : أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ والله ما لنا من دابة نركبها ، وما منا إلا جريح ثقيل ، فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت أيسر جراحا منه ، فكان إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون .
وقال البخاري : حدثنا محمد بن سلام ، حدثنا أبو معاوية ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها : ( الذين استجابوا لله والرسول ) [ من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ] ) قالت لعروة : يا ابن أختي ، كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر ، رضي الله عنهما ، لما أصاب نبي الله صلى الله عليه وسلم ما أصابه يوم أحد ، وانصرف عنه المشركون ، خاف أن يرجعوا فقال : " من يرجع في إثرهم ؟ " فانتدب منهم سبعون رجلا فيهم أبو بكر والزبير ، رضي الله عنهما .
هكذا رواه البخاري منفردا به ، بهذا السياق . وهكذا رواه الحاكم في مستدركه عن الأصم ، عن العباس الدوري ، عن أبي النضر ، عن أبي سعيد المؤدب ، عن هشام بن عروة ، به ، ثم قال : صحيح ولم يخرجاه . كذا قال .
ورواه أيضا من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، عن البهي ، عن عروة قال : قالت لي عائشة : يا بني ، إن أباك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح . ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
وروى ابن ماجه ، عن هشام بن عمار ، وهدبة بن عبد الوهاب عن سفيان بن عيينة ، عن هشام بن عروة به وهكذا رواه سعيد بن منصور وأبو بكر الحميدي في مسنده عن سفيان ، به .
وقال أبو بكر بن مردويه . حدثنا عبد الله بن جعفر من أصل كتابه ، أنبأنا سمويه ، أنبأنا عبد الله بن الزبير ، أنبأنا سفيان ، أنبأنا هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن كان أبواك لمن الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح : أبو بكر والزبير ، رضي الله عنهما " .
ورفع هذا الحديث خطأ محض من جهة إسناده ، لمخالفته رواية الثقات من وقفه على عائشة كما قدمناه ، ومن جهة معناه ، فإن الزبير ليس هو من آباء عائشة ، وإنما قالت عائشة لعروة بن الزبير ذلك لأنه ابن أختها أسماء بنت أبي بكر الصديق ، رضي الله عنهم .
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن سعد ، حدثني أبي ، [ حدثني ] عمي ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : إن الله قذف في قلب أبي سفيان الرعب يوم أحد بعد ما كان منه ما كان ، فرجع إلى مكة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفا ، وقد رجع ، وقذف الله في قلبه الرعب " . وكانت وقعة أحد في شوال ، وكان التجار يقدمون المدينة في ذي القعدة ، فينزلون ببدر الصغرى في كل سنة مرة ، وإنهم قدموا بعد وقعة أحد وكان أصاب المؤمنين القرح ، واشتكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، واشتد عليهم الذي أصابهم . وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب الناس لينطلقوا معه ، ويتبعوا ما كانوا متبعين ، وقال : " إنما يرتحلون الآن فيأتون الحج ولا يقدرون على مثلها حتى عام مقبل " . فجاء الشيطان فخوف أولياءه فقال : إن الناس قد جمعوا لكم فأبى عليه الناس أن يتبعوه ، فقال : " إني ذاهب وإن لم يتبعني أحد " . لأحضض الناس ، فانتدب معه أبو بكر الصديق ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، والزبير ، وسعد ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن مسعود ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو عبيدة بن الجراح في سبعين رجلا فساروا في طلب أبي سفيان ، فطلبوا حتى بلغوا الصفراء ، فأنزل الله [ عز وجل ] ( الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم [ القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ] ) .
ثم قال ابن إسحاق : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى حمراء الأسد ، وهي من المدينة على ثمانية أميال .
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء ، ثم رجع إلى المدينة . وقد مر به - كما حدثني عبد الله بن أبي بكر - معبد بن أبي معبد الخزاعي ، وكانت خزاعة - مسلمهم ومشركهم - عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة ، صفقتهم معه ، لا يخفون عنه شيئا كان بها ، ومعبد يومئذ مشرك فقال : يا محمد ، أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك ، ولوددنا أن الله عافاك فيهم . ثم خرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد ، حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء ، وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقالوا : أصبنا حد أصحابه وقادتهم وأشرافهم ، ثم نرجع قبل أن نستأصلهم . . لنكرن على بقيتهم فلنفرغن منهم . فلما رأى أبو سفيان معبدا قال : ما وراءك يا معبد ؟ قال : محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط ، يتحرقون عليكم تحرقا ، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم ، وندموا على ما صنعوا ، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط . قال : ويلك . ما تقول ؟ قال : والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل - قال : فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم . قال : فإني أنهاك عن ذلك . ووالله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيهم أبياتا من شعر ، قال : وما قلت ؟ قال : قلت :
كادت تهد من الأصوات راحلتي إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل تردى بأسد كرام لا تنابلة
عند اللقاء ولا ميل معازيل فظلت عدوا أظن الأرض مائلة
لما سموا برئيس غير مخذول فقلت : ويل ابن حرب من لقائكم
إذا تغطمطت البطحاء بالجيل إني نذير لأهل البسل ضاحية
لكل ذي إربة منهم ومعقول من جيش أحمد لا وخش تنابلة
وليس يوصف ما أنذرت بالقيل
قال : فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه .
ومر به ركب من بني عبد القيس ، فقال : أين تريدون ؟ قالوا : نريد المدينة . قال : ولم ؟ قالوا : بعكاظ إذ وافيتمونا . قالوا : نعم . قال : فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا المسير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم ، فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد ، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان وأصحابه ، فقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل .
وذكر ابن هشام عن أبي عبيدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه رجوعهم : " والذي نفسي بيده لقد سومت لهم حجارة لو صبحوا بها لكانوا كأمس الذاهب " .
وقال الحسن البصري [ في قوله ] ( الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ) إن أبا سفيان وأصحابه أصابوا من المسلمين ما أصابوا ورجعوا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أبا سفيان قد رجع وقد قذف الله في قلبه [ الرعب ] فمن ينتدب في طلبه ؟ " فقام النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فاتبعوهم ، فبلغ أبا سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم ، يطلبه فلقي عيرا من التجار فقال : ردوا محمدا ولكم من الجعل كذا وكذا ، وأخبروهم أني قد جمعت لهم جموعا ، وأنني راجع إليهم . فجاء التجار فأخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) فأنزل الله هذه الآية .
وهكذا قال عكرمة ، وقتادة وغير واحد : إن هذا السياق نزل في شأن [ غزوة ] حمراء الأسد " ، وقيل : نزلت في بدر الموعد ، والصحيح الأول .
القول في تأويل قوله تعالى : الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ، المستجيبين لله والرسول من بعد ما أصابهم الجرح والكلوم. (50) .
* * *
وإنما عنى الله تعالى ذكره بذلك: الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حَمْراء الأسد في طلب العدّو -أبي سفيان ومن كان معه من مشركي قريش- مُنصَرَفهم عن أحد. وذلك أن أبا سفيان لما انصرف عن أحد، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثره حتى بلغ حمراء الأسد، وهي على ثمانية أميال من المدينة، ليرى الناسُ أنّ به وأصحابِه قوةً على عدوهم. كالذي:-
8233- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني حسين بن عبدالله، (51) عن عكرمة قال: كان يوم أحد [يوم] السبت للنصف من شوال، (52) فلما كان الغد من يوم أحد، يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال، أذَّن مؤذِّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو، وأذَّن مؤذِّنه أن: " لا يخرجنَّ معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس ". فكلمه جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام فقال: يا رسول الله، إنّ أبي كان خلَّفني على أخوات لي سبع، وقال لي: " يا بني، إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن، ولستُ بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي! فتخلَّف على أخواتك "، فتخلفت عليهن. فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج معه. وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبًا للعدوّ، ليبلغهم أنه خرج في طلبهم، ليظنوا به قوة، وأنّ الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم. (53) .
8234- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال، فحدثني عبدالله بن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان: أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الأشهل، كان شهد أحدًا قال: شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا، أنا وأخ لي، فرجعنا جريحين: فلما أذَّن [مؤذِّن] رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدوّ، (54) قلت لأخي -أو قال لي-: أتفوتنا غزوةٌ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله ما لنا من دابة نركبها، وما منا إلا جريح ثقيل! فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت أيسر جرحًا منه، فكنتُ إذا غُلب حملته عُقبة ومشى عقبة، (55) حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى حمراء الأسد، وهي من المدينة على ثمانية أميال، فأقام بها ثلاثًا، الاثنين والثلاثاء والأربعاء، ثم رجع إلى المدينة. (56)
8235- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: فقال الله تبارك وتعالى: " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرحُ"، أي: الجراح، وهم الذين سارُوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغدَ من يوم أحد إلى حمراء الأسد، على ما بهم من ألم الجراح =" للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ". (57)
8236- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح " الآية، وذلك يوم أحد، بعد القتل والجراح، وبعد ما انصرف المشركون -أبو سفيان وأصحابه- فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " ألا عِصابة تنتدبُ لأمر الله، (58) تطلب عدوّها؟ فإنه أنكى للعدو، وأبعد للسَّمع! فانطلق عصابة منهم على ما يعلم الله تعالى من الجَهد.
8237- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: انطلق أبو سفيان منصرفًا من أحد، حتى بلغ بعض الطريق، ثم إنهم ندموا وقالوا: بئسما صنعتم! (59) إنكم قتلتموهم، حتى إذا لم يبق إلا الشريد تركتموهم! ارجعوا واستأصلوهم. فقذف الله في قلوبهم الرعب، فهزموا، فأخبر الله رسوله، فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد، ثم رجعوا من حمراء الأسد، فأنـزل الله جل ثناؤه فيهم: " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ". (60)
8238- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: إن الله جل وعز قذف في قلب أبي سفيان الرعب -يعني يوم أحد- بعد ما كان منه ما كان، فرجع إلى مكة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرّفًا، وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب "! وكانت وقعة أحد في شوال، وكان التجار يقدَمون المدينة في ذي القعدة، فينـزلون ببدر الصغرى في كل سنة مرة، وإنهم قدموا بعد وقعة أحد، وكان أصاب المؤمنين القرح، واشتكوا ذلك إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، واشتد عليهم الذي أصابهم. وإنّ رسول الله ندب الناس لينطلقوا معه، ويتَّبعوا ما كانوا متَّبعين، وقال: إنما يرتحلون الآن فيأتون الحج، ولا يقدرون على مثلها حتى عام مقبل، فجاء الشيطان فخوَّف أولياءه، فقال: " إن الناس قد جمعوا لكم "! فأبى عليه الناس أن يتبعوه، فقال: " إني ذاهبٌ وإن لم يتبعني أحد "، لأحضِّضَ الناس. (61) فانتدب معه أبو بكر الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير، وسعد، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وعبدالله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأبو عبيدة بن الجراح، في سبعين رجلا فساروا في طلب أبي سفيان، فطلبوه حتى بلغوا الصفراء، فأنـزل الله تعالى: " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجرٌ عظيم ".
8239- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هاشم بن القاسم قال، حدثنا أبو سعيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت لعبدالله بن الزبير: يا ابن أختي، أما والله إن أباك وجدك -تعني أبا بكر والزبير- لممن قال الله تعالى فيهم: " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ". (62) .
8240- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: أخبرتُ أن أبا سفيان بن حرب لما راح هو وأصحابه يوم أحد، قال المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم: إنهم عامدون إلى المدينة! فقال: إن ركبوا الخيل وتركوا الأثقال، فإنهم عامدون إلى المدينة، وإن جلسوا على الأثقال وتركوا الخيل، فقد رَعَبهم الله، (63) وليسوا بعامديها ". فركبوا الأثقال، فرعبهم الله. ثم ندب ناسًا يتبعونهم ليروا أن بهم قوة، فاتبعوهم ليلتين أو ثلاثًا، فنـزلت: " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ".
8241- حدثني سعيد بن الربيع قال، حدثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: قالت لي عائشة: إنْ كان أبواك لمن الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح - تعني أبا بكر والزبير. (64) .
8242- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: كان عبدالله من الذين استجابوا لله والرسول.
* * *
قال أبو جعفر: فوعد تعالى ذكره، مُحسنَ من ذكرنا أمره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح، إذا اتقى الله فخافه، فأدى فرائضه وأطاعه في أمره ونهيه فيما يستقبل من عمره =" أجرًا عظيما "، وذلك الثواب الجزيل، والجزاء العظيم على ما قدم من صالح أعماله في الدنيا.
------------------
الهوامش :
(50) انظر تفسير"القرح" فيما سلف 7: 237.
(51) في المطبوعة والمخطوطة: "حسان بن عبد الله" ، وهو خطأ ، والصواب من تاريخ الطبري. وهو"حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب". روي عن عكرمة ، وروي عنه هشام ابن عروة ، وابن جريج ، وابن المبارك ، وابن إسحاق. وهو ضعيف الحديث. مترجم في التهذيب.
(52) ما بين القوسين زيادة من سيرة ابن هشام ومن تاريخ الطبري.
(53) الأثر: 8233- سيرة ابن هشام 3: 106 ، 107 ، وتاريخ الطبري 3: 29.
(54) ما بين القوسين زيادة من سيرة ابن هشام وتاريخ الطبري.
(55) "العقبة": قدر ما يسره الماشي ما استطاع المشي ، يريد: حملته شوطًا ، وسار شوطًا.
(56) الأثر: 8234- سيرة ابن هشام 3: 107 - 108 ، وتاريخ الطبري 3: 29.
(57) الأثر: 8235- سيرة ابن هشام 3: 128.
(58) في المطبوعة: "ألا عصابة تشد لأمر الله" ، ولا معنى له ، وفي المخطوطة: ألا عصابة تشدد لأمر الله" ، وهو بلا ريب تصحيف ما أثبت."ندب القوم إلى الأمر فانتدبوا": دعاهم إليه وحثهم ، فأسرعوا إليه واستجابوا. وفضلا عن ذلك ، فهذا هو اللفظ الذي كثر وروده في أخبار حمراء الأسد.
(59) في المخطوطة: "بئس ما صنعنا صنعتم" ، وهو سهو ، والصواب ما في المطبوعة. وانظر ما سلف رقم: 8003.
(60) الأثر: 8237- مضى برقم: 8003 ، وانظر التعليق هناك.
(61) هكذا في المخطوطة والمطبوعة"وتفسير ابن كثير 2: 298. أما الدر المنثور 2: 101 ، فقد أسقط"لأحضض الناس" ، وأنا أرجح أن صوابه هو: "ليحضض الناس" ، ولا أشك أن هذه الكلمة ليس من لفظه صلى الله عليه وسلم.
(62) الحديث: 8239- هاشم بن القاسم: هو أبو النضر الإمام الحافظ ، شيخ الإمام أحمد ، وإسحاق ، وابن المديني. وهو ثقة ثبت حجة. كان أهل بغداد يفخرون به. أبو سعيد: هو المؤدب ، واسمه"محمد بن مسلم بن أبي الوضاح القضاعي". وهو ثقة مأمون.
والحديث رواه الحاكم في المستدرك 2: 298 ، من طريق العباس بن محمد الدوري ، عن هاشم بن القاسم ، بهذا الإسناد. ووقع في مطبوعة المستدرك"هشام بن القاسم" ، وهو خطأ مطبعي لا شك فيه.
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي.
والحديث في الصحيحين ، كما سيأتي في الرواية الآتية: 8241. ولعلهما اعتبراه من المستدرك لقوله في هذه الرواية"أنها قالت لعبد الله بن الزبير". والذي في الرواية الآتية أنها قالت لعروة بن الزبير. وهما أخوان ، والكلام لهما واحد. ومع ذلك فإن الحاكم رواه مرة أخرى ، كرواية مسلم ، كما سيأتي.
(63) في المطبوعة: "قد أرعبهم الله" ، وفي المخطوطة"فقد رعبهم" كما أثبته وهو الصواب. يقال"رعبه يرعبه" (على وزن فتح) ، و"رعبه" (مشدد العين) ، وقد نص أهل اللغة أنه لا يقال: "أرعبه". وستأتي على الصواب في السطر التالي.
(64) الحديث: 8241- سعيد بن الربيع الرازي - شيخ الطبري: مضت له رواية عنه في: 3791 ، ولم نجد له ترجمة. والحديث تكرار للحديث السابق: 8239. ولكن في هذا أن خطاب عائشة لعروة بن الزبير ، وهناك خطابها لأخيه عبد الله ، وهما ابنا أختها أسماء بنت أبي بكر.
ورواه مسلم 2: 241 ، بأسانيد ، من طريق هشام بن عروة ، عن أبيه ، ومن رواية إسماعيل بن أبي خالد ، عن البهي - وهو: عبد الله البهي مولى مصعب بن الزبير - عن عروة ، به ، نحوه.
ورواه البخاري 7: 287 ، مطولا ، من طريق أبي معاوية ، عن هشام بن عروة. ومع ذلك فإن الحاكم رواه مرة أخرى 3: 363 ، من طريق إسماعيل بن أبي خالد ، عن البهي ، عن عروة - كرواية مسلم. ثم قال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه"! وسقطت هذه الرواية من تلخيص الذهبي ، مخطوطًا ومطبوعًا.
وذكره ابن كثير 2: 297 - 298 رواية البخاري ، ثم أشار إلى رواية الحاكم الأولى ، وتعقبه في دعواه أن الشيخين لم يخرجاه ، بقوله: "كذا قال". ثم أشار إلى أنه رواه ابن ماجه ، وسعيد بن منصور ، وأبو بكر الحميدي في مسنده. ثم أشار إلى رواية الحاكم الثانية.
وذكره السيوطي 2: 102 ، مطولا. وزاد نسبته لابن أبي شيبة ، وأحمد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل.
Quran Translation Sura Aal-Imran aya 172
Those [believers] who responded to Allah and the Messenger after injury had struck them. For those who did good among them and feared Allah is a great reward -