( فكلا أخذنا بذنبه ) أي : كانت عقوبته بما يناسبه ، ( فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ) ، وهم عاد ، وذلك أنهم قالوا : من أشد منا قوة ؟ فجاءتهم ريح صرصر باردة شديدة البرد ، عاتية شديدة الهبوب جدا ، تحمل عليهم حصباء الأرض فتقلبها عليهم ، وتقتلعهم من الأرض فترفع الرجل منهم إلى عنان السماء ، ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه فيبقى بدنا بلا رأس ، كأنهم أعجاز نخل منقعر . ( ومنهم من أخذته الصيحة ) ، وهم ثمود ، قامت عليهم الحجة وظهرت لهم الدلالة ، من تلك الناقة التي انفلقت عنها الصخرة ، مثل ما سألوا سواء بسواء ، ومع هذا ما آمنوا بل استمروا على طغيانهم وكفرهم ، وتهددوا نبي الله صالحا ومن آمن معه ، وتوعدوهم بأن يخرجوهم ويرجموهم ، فجاءتهم صيحة أخمدت الأصوات منهم والحركات . ( ومنهم من خسفنا به الأرض ) ، وهو قارون الذي طغى وبغى وعتا ، وعصى الرب الأعلى ، ومشى في الأرض مرحا ، وفرح ومرح وتاه بنفسه ، واعتقد أنه أفضل من غيره ، واختال في مشيته ، فخسف الله به وبداره الأرض ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة . ( ومنهم من أغرقنا ) ، وهم فرعون ووزيره هامان ، وجنوده عن آخرهم ، أغرقوا في صبيحة واحدة ، فلم ينج منهم مخبر ، ( وما كان الله ليظلمهم ) أي : فيما فعل بهم ، ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) أي : إنما فعل ذلك بهم جزاء وفاقا بما كسبت أيديهم .
وهذا الذي ذكرناه ظاهر سياق الآية ، وهو من باب اللف والنشر ، وهو أنه ذكر الأمم المكذبة ، ثم قال : ( فكلا أخذنا بذنبه ) [ الآية ] ، أي : من هؤلاء المذكورين ، وإنما نبهت على هذا لأنه قد روي أن ابن جريج قال : قال ابن عباس في قوله : ( فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ) ، قال : قوم لوط . ( ومنهم من أغرقنا ) ، قال : قوم نوح .
وهذا منقطع عن ابن عباس ; فإن ابن جريج لم يدركه . ثم قد ذكر في هذه السورة إهلاك قوم نوح بالطوفان ، وقوم لوط بإنزال الرجز من السماء ، وطال السياق والفصل بين ذلك وبين هذا السياق .
وقال قتادة : ( فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ) قال : قوم لوط ، ( ومنهم من أخذته الصيحة ) ، قوم شعيب . وهذا بعيد أيضا لما تقدم ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى : فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)
يقول تعالى ذكره: فأخذنا جميع هذه الأمم التي ذكرناها لك يا محمد بعذابنا &; 20-36 &; ( فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا ) وهم قوم لُوط الذين أمطر الله عليهم حجارة من سجِّيلٍ مَنضُود، والعرب تسمي الريح العاصف التي فيها الحصى الصغار أو الثلج أو البرد والجليد حاصبا، ومنه قول الأخطل:
وَلقـدْ عَلِمْـتُ إذا العِشـارُ تَرَوَّحَـتْ
هَــدَجَ الرّئــالِ يَكُــبُّهُنَّ شَـمالا
تَـرْمي العِضَـاهَ بحـاصِبٍ مِن ثَلْجِها
حـتى يَبِيـتَ عـلى العِضَـاهِ جُفـالا (1)
وقال الفرزدق:
مُسْــتَقْبِلِينَ شَـمالَ الشَّـأْمِ تَضْرِبُنـا
بحــاصِبٍ كَنَـدِيفِ القُطْـنِ مَنْثُـورِ (2)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس: ( فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا ) قوم لوط.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ( فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا ) وهم قوم لوط ( وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ).
اختلف أهل التأويل في الذين عُنوا بذلك، فقال بعضهم: هم ثمود قوم صالح.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس: ( وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ) ثمود.
وقال آخرون: بل هم قوم شعيب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ( وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ) قوم شعيب.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله قد أخبر عن ثمود وقوم شعيب من أهل مدين أنه أهلكهم بالصيحة في كتابه في غير هذا الموضع، ثم قال جلّ ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم: فمن الأمم التي أهلكناهم من أرسلنا عليهم حاصبا، ( وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ )، فلم يخصص الخبر بذلك عن بعض مَنْ أخذته الصيحة من الأمم دون بعض، وكلا الأمتين أعني ثمود ومَدين قد أخذتهم الصَّيحة. وقوله: ( وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ ) يعني بذلك قارون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس: ( وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ ) قارون ( وَمِنْهُم مَّنْ أغْرَقْنا ) يعني: قوم نوح وفرعون وقومه.
واختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: عُني بذلك: قوم نوح عليه السلام.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس: ( وَمِنْهُم مَّنْ أغْرَقْنَا ) قوم نُوح.
وقال آخرون: بل هم قوم فرعون.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ( وَمِنْهُم مَّنْ أغْرَقْنا ) قوم فرعون.
والصواب من القول في ذلك، أن يُقال: عُني به قوم نوح وفرعونُ وقومه؛ لأن الله لم يخصص بذلك إحدى الأمتين دون الأخرى، وقد كان أهلكهما قبل نـزول هذا الخبر عنهما، فهما مَعْنيتان به.
وقوله: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) يقول تعالى ذكره: ولم يكن الله ليهلك هؤلاء الأمم الذين أهلكهم، بذنوب غيرهم، فيظلمَهم بإهلاكه إياهم بغير استحقاق، بل إنما أهلكهم بذنوبهم، وكفرهم بربهم، وجحودهم نعمه عليهم، مع تتابع إحسانه عليهم، وكثرة أياديه عندهم، ( وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) بتصرّفهم في نعم ربهم، وتقلبهم في آلائه وعبادتهم غيره، ومعصيتهم من أنعم عليهم.
-----------------------
الهوامش :
الهوامش:
(1) البيتان للأخطل، وقد سبق الاستشهاد بهما في غير هذا الموضع من التفسير انظره في (15: 124).
(2) البيت للفرزدق، وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (مصورة الجامعة الورقة رقم 185) قال: (أرسلنا عليه حاصبًا): أي ريحا عاصفًا فيها حصى، ويكون في كلام العرب الحاصب من الجليد ونحوه أيضًا. وقال الفرزدق: "مستقبلين شمال الشام ... " البيت. اهـ.
Quran Translation Sura Al-Ankaboot aya 40
So each We seized for his sin; and among them were those upon whom We sent a storm of stones, and among them were those who were seized by the blast [from the sky], and among them were those whom We caused the earth to swallow, and among them were those whom We drowned. And Allah would not have wronged them, but it was they who were wronging themselves.