ثم قال الله له : ( اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ) أي : إذا أدخلت يدك في جيب درعك ثم أخرجتها فإنها تخرج تتلألأ كأنها قطعة قمر في لمعان البرق ; ولهذا قال : ( من غير سوء ) أي : من غير برص .
وقوله : ( واضمم إليك جناحك من الرهب ) : قال مجاهد : من الفزع . وقال قتادة : من الرعب . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وابن جرير : مما حصل لك من خوفك من الحية .
والظاهر أن المراد أعم من هذا ، وهو أنه أمر عليه السلام ، إذا خاف من شيء أن يضم إليه جناحه من الرهب ، وهي يده ، فإذا فعل ذلك ذهب عنه ما يجده من الخوف . وربما إذا استعمل أحد ذلك على سبيل الاقتداء فوضع يديه على فؤاده ، فإنه يزول عنه ما يجد ، أو يخف إن شاء الله ، وبه الثقة .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا الربيع بن ثعلب الشيخ الصالح ، أخبرنا أبو إسماعيل المؤدب ، عن عبد الله بن مسلم ، عن مجاهد ، قال : كان موسى عليه السلام ، قد ملئ قلبه رعبا من فرعون ، فكان إذا رآه قال : اللهم إني أدرأ بك في نحره ، وأعوذ بك من شره ، ففرغ الله ما كان في قلب موسى عليه السلام ، وجعله في قلب فرعون ، فكان إذا رآه بال كما يبول الحمار .
وقوله : ( فذانك برهانان من ربك ) يعني : إلقاءه العصا وجعلها حية تسعى ، وإدخاله يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء - دليلان قاطعان واضحان على قدرة الفاعل المختار ، وصحة نبوة من جرى هذا الخارق على يديه ; ولهذا قال : ( إلى فرعون وملئه ) أي : وقومه من الرؤساء والكبراء والأتباع ، ( إنهم كانوا قوما فاسقين ) أي : خارجين عن طاعة الله ، مخالفين لدين الله ، [ والله أعلم ] .
وقوله: ( اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ) يقول: أدخل يدك، وفيه لغتان: سلكته, وأسلكته ( فِي جَيْبِكَ ) يقول: في جيب قميصك.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ): أي في جيب قميصك.
وقد بيَّنا فيما مضى السبب الذي من أجله أُمر أن يدخل يده في الجيب دون الكمّ.
وقوله: ( تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) يقول: تخرج بيضاء من غير برص.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا ابن المفضل, قال: ثنا قرة بن خالد, عن الحسن, في قوله: ( اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) قال: فخرجت كأنها المصباح, فأيقن موسى أنه لقي ربه.
وقوله: ( وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ ) يقول: واضمم إليك يدك.
كما حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عباس ( وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ ) قال: يدك.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن ليث, عن مجاهد ( وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ ) قال: وجناحاه: الذراع. والعضد: هو الجناح. والكفّ: اليد, وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ .
وقوله: ( مِنَ الرَّهْبِ ) يقول: من الخوف والفرَق الذي قد نالك من معاينتك ما عاينت من هول الحية.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: ( مِنَ الرَّهْبِ ) قال: الفرَق.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ): أي من الرعب.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( مِنَ الرَّهْبِ ) قال: مما دخله من الفرق من الحيّة والخوف, وقال: ذلك الرهب, وقرأ قول الله: وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا قال: خوفا وطمعا.
واختلف القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء أهل الحجاز والبصرة: (مِنَ الرَّهَب) بفتح الراء والهاء. وقرأته عامة قرّاء الكوفة: (مِنَ الرُّهْبِ) بضم الراء وتسكين الهاء, والقول في ذلك أنهما قراءتان متفقتا المعنى مشهورتان في قراء الأمصار, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: ( فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ ) يقول تعالى ذكره: فهذان اللذان أريتكهما يا موسى من تحول العصا حية, ويدك وهي سمراء, بيضاء تلمع من غير برص, برهانان: يقول: آيتان وحجتان. وأصل البرهان: البيان, يقال للرجل: يقول القول إذا سئل الحجة عليه: هات برهانك على ما تقول: أي هات تبيان ذلك ومصداقه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي ( فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ ) العصا واليد آيتان.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله ( فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ ) تبيانان من ربك.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق ( فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ ) هذان برهانان.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ ) فقرأ: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ على ذلك آية نعرفها, وقال: ( برهانان ) آيتان من الله.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (فَذَانِكَ) فقرأته عامة قراء الأمصار, سوى ابن كثير وأبي عمرو: ( فَذَانِكَ ) بتخفيف النون, لأنها نون الاثنين, وقرأه ابن كثير وأبو عمرو: " فَذَانِّكَ" بتشديد النون.
واختلف أهل العربية في وجه تشديدها, فقال بعض نحويي البصرة: ثقل النون من ثقلها للتوكيد, كما أدخلوا اللام في ذلك. وقال بعض نحويي الكوفة: شددت فرقا بينها وبين النون التي تسقط للإضافة, لأن هاتان وهذان لا تضاف. وقال آخر منهم: هو من لغة من قال: هذاآ قال ذلك, فزاد على الألف ألفا, كذا زاد على النون نونا ليفصل بينهما وبين الأسماء المتمكنة, وقال في (ذَانِكَ) إنما كانت ذلك فيمن قال: هذان يا هذا, فكرهوا تثنية الإضافة فأعقبوها باللام, لأن الإضافة تعقب باللام.وكان أبو عمرو يقول: التشديد في النون في (ذَانِكَ) من لغة قريش.
يقول: ( إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ) إلى فرعون وأشراف قومه, حجة عليهم, ودلالة على حقيقة نبوّتك يا موسى ( إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ) يقول: إن فرعون وملأه كانوا قوما كافرين.
Quran Translation Sura Al-Qasas aya 32
Insert your hand into the opening of your garment; it will come out white, without disease. And draw in your arm close to you [as prevention] from fear, for those are two proofs from your Lord to Pharaoh and his establishment. Indeed, they have been a people defiantly disobedient."