أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
(للإنتقال إلى الصفحة الرئيسية للموسوعة الإسلامية اضغط هنا)



عودة إلى السورة

تفسير: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (سورة الفرقان الآية 70)

    القرآن الكريم تفسير سورة الفرقان الآية رقم 70.
    قال اللهُ تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الفرقان: 70].


    التفاسير للآية 70 من سورة الفرقان


    التفسير الميسر


    والذين يوحدون الله، ولا يدعون ولا يعبدون إلهًا غيره، ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله قتلها إلا بما يحق قتلها به: من كفر بعد إيمان، أو زنى بعد زواج، أو قتل نفس عدوانًا، ولا يزنون، بل يحفظون فروجهم، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، ومن يفعل شيئًا من هذه الكبائر يَلْقَ في الآخرة عقابًا. يُضاعَفْ له العذاب يوم القيامة، ويَخْلُدْ فيه ذليلا حقيرًا. (والوعيد بالخلود لمن فعلها كلَّها، أو لمن أشرك بالله). لكن مَن تاب مِن هذه الذنوب توبة نصوحًا وآمن إيمانًا جازمًا مقرونًا بالعمل الصالح، فأولئك يمحو الله عنهم سيئاتهم ويجعل مكانها حسنات؛ بسبب توبتهم وندمهم. وكان الله غفورًا لمن تاب، رحيمًا بعباده حيث دعاهم إلى التوبة بعد مبارزته بأكبر المعاصي. ومن تاب عمَّا ارتكب من الذنوب، وعمل عملا صالحا فإنه بذلك يرجع إلى الله رجوعًا صحيحًا، فيقبل الله توبته ويكفر ذنوبه.


    تفسير ابن كثير


    إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا|||

    وقوله : ( إلا من تاب وآمن وعمل [ عملا ] صالحا ) أي : جزاؤه على ما فعل من هذه الصفات القبيحة ما ذكر ( إلا من تاب ) في الدنيا إلى الله من جميع ذلك ، فإن الله يتوب عليه .

    وفي ذلك دلالة على صحة توبة القاتل ، ولا تعارض بين هذه وبين آية النساء : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) [ النساء : 93 ] فإن هذه وإن كانت مدنية إلا أنها مطلقة ، فتحمل على من لم يتب ، لأن هذه مقيدة بالتوبة ، ثم قد قال [ الله ] تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ النساء : 48 ، 116 ] .

    وقد ثبتت السنة الصحيحة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحة توبة القاتل ، كما ذكر مقررا من قصة الذي قتل مائة رجل ثم تاب ، وقبل منه ، وغير ذلك من الأحاديث .

    وقوله : ( فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ) : في معنى قوله : ( يبدل الله سيئاتهم حسنات ) قولان :

    أحدهما : أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات . قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) قال : هم المؤمنون ، كانوا من قبل إيمانهم على السيئات ، فرغب الله بهم عن ذلك فحولهم إلى الحسنات ، فأبدلهم مكان السيئات الحسنات .

    وروى مجاهد ، عن ابن عباس أنه كان ينشد عند هذه الآية :

    بدلن بعد حره خريفا وبعد طول النفس الوجيفا

    يعني : تغيرت تلك الأحوال إلى غيرها .

    وقال عطاء بن أبي رباح : هذا في الدنيا ، يكون الرجل على هيئة قبيحة ، ثم يبدله الله بها خيرا .

    وقال سعيد بن جبير : أبدلهم بعبادة الأوثان عبادة الله ، وأبدلهم بقتال المسلمين قتالا مع المسلمين للمشركين ، وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح المؤمنات .

    وقال الحسن البصري : أبدلهم الله بالعمل السيئ العمل الصالح ، وأبدلهم بالشرك إخلاصا ، وأبدلهم بالفجور إحصانا وبالكفر إسلاما .

    وهذا قول أبي العالية ، وقتادة ، وجماعة آخرين .

    والقول الثاني : أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات ، وما ذاك إلا أنه كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر ، فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار . فيوم القيامة وإن وجده مكتوبا عليه لكنه لا يضره وينقلب حسنة في صحيفته ، كما ثبتت السنة بذلك ، وصحت به الآثار المروية عن السلف ، رحمهم الله تعالى - وهذا سياق الحديث - قال الإمام أحمد :

    حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن المعرور بن سويد ، عن أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأعرف آخر أهل النار خروجا من النار ، وآخر أهل الجنة دخولا إلى الجنة : يؤتى برجل فيقول : نحوا كبار ذنوبه وسلوه عن صغارها ، قال : فيقال له : عملت يوم كذا وكذا كذا ، وعملت يوم كذا وكذا كذا؟ فيقول : نعم - لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئا - فيقال : فإن لك بكل سيئة حسنة . فيقول : يا رب ، عملت أشياء لا أراها هاهنا " . قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه . وانفرد به مسلم .

    وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا هاشم بن يزيد ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثني أبي ، حدثني ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا نام ابن آدم قال الملك للشيطان : أعطني صحيفتك . فيعطيه إياها ، فما وجد في صحيفته من حسنة محا بها عشر سيئات من صحيفة الشيطان ، وكتبهن حسنات ، فإذا أراد أن ينام أحدكم فليكبر ثلاثا وثلاثين تكبيرة ، ويحمد أربعا وثلاثين تحميدة ، ويسبح ثلاثا وثلاثين تسبيحة ، فتلك مائة " .

    وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة وعارم قالا حدثنا ثابت - يعني : ابن يزيد أبو زيد - حدثنا عاصم ، عن أبي عثمان ، عن سلمان قال : يعطى رجل يوم القيامة صحيفته فيقرأ أعلاها ، فإذا سيئاته ، فإذا كاد يسوء ظنه نظر في أسفلها فإذا حسناته ، ثم ينظر في أعلاها فإذا هي قد بدلت حسنات .

    وقال أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا سليمان بن موسى الزهري أبو داود ، حدثنا أبو العنبس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : ليأتين الله عز وجل بأناس يوم القيامة رأوا أنهم قد استكثروا من السيئات ، قيل : من هم يا أبا هريرة؟ قال : الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات .

    وقال أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي زياد ، حدثنا سيار ، حدثنا جعفر ، حدثنا أبو حمزة ، عن أبي الضيف - وكان من أصحاب معاذ بن جبل - قال : يدخل أهل الجنة الجنة على أربعة أصناف : المتقين ، ثم الشاكرين ، ثم الخائفين ، ثم أصحاب اليمين . قلت : لم سموا أصحاب اليمين؟ قال : لأنهم عملوا الحسنات والسيئات ، فأعطوا كتبهم بأيمانهم ، فقرؤوا سيئاتهم حرفا حرفا - قالوا : يا ربنا ، هذه سيئاتنا ، فأين حسناتنا؟ . فعند ذلك محا الله السيئات وجعلها حسنات ، فعند ذلك قالوا : ( هاؤم اقرؤوا كتابيه ) ، فهم أكثر أهل الجنة .

    وقال علي بن الحسين زين العابدين : ( يبدل الله سيئاتهم حسنات ) قال : في الآخرة .

    وقال مكحول : يغفرها لهم فيجعلها حسنات : [ رواهما ابن أبي حاتم ، وروى ابن جرير ، عن سعيد بن المسيب مثله ] .

    قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا أبو جابر ، أنه سمع مكحولا يحدث قال : جاء شيخ كبير هرم قد سقط حاجباه على عينيه ، فقال : يا رسول الله ، رجل غدر وفجر ، ولم يدع حاجة ولا داجة إلا اقتطعها بيمينه ، لو قسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم ، فهل له من توبة؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسلمت؟ " قال : أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فإن الله غافر لك ما كنت كذلك ، ومبدل سيئاتك حسنات " . فقال : يا رسول الله ، وغدراتي وفجراتي؟ فقال : " وغدراتك وفجراتك " . فولى الرجل يهلل ويكبر .

    وروى الطبراني من حديث أبي المغيرة ، عن صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن أبي فروة - شطب - أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها ، ولم يترك حاجة ولا داجة ، فهل له من توبة؟ فقال : " أسلمت؟ " فقال : نعم ، قال : " فافعل الخيرات ، واترك السيئات ، فيجعلها الله لك خيرات كلها " . قال : وغدراتي وفجراتي؟ قال : " نعم " . قال فما زال يكبر حتى توارى .

    ورواه الطبراني من طريق أبي فروة الرهاوي ، عن ياسين الزيات ، عن أبي سلمة الحمصي ، عن يحيى بن جابر ، عن سلمة بن نفيل مرفوعا .

    وقال أيضا : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثنا عيسى بن شعيب بن ثوبان ، عن فليح الشماس ، عن عبيد بن أبي عبيد عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : جاءتني امرأة فقالت : هل لي من توبة؟ إني زنيت وولدت وقتلته . فقلت لا ولا نعمت العين ولا كرامة . فقامت وهي تدعو بالحسرة . ثم صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح ، فقصصت عليه ما قالت المرأة وما قلت لها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بئسما قلت! أما كنت تقرأ هذه الآية : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) إلى قوله : ( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ) فقرأتها عليها . فخرت ساجدة وقالت : الحمد لله الذي جعل لي مخرجا .

    هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وفي رجاله من لا يعرف والله أعلم . وقد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن المنذر الحزامي بسنده بنحوه ، وعنده : فخرجت تدعو بالحسرة وتقول : يا حسرتا! أخلق هذا الحسن للنار؟ وعنده أنه لما رجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تطلبها في جميع دور المدينة فلم يجدها ، فلما كان من الليلة المقبلة جاءته ، فأخبرها بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرت ساجدة ، وقالت : الحمد لله الذي جعل لي مخرجا وتوبة مما عملت . وأعتقت جارية كانت معها وابنتها ، وتابت إلى الله عز وجل




    تفسير ابن جرير الطبري


    إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا|||

    وقوله: ( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا ) يقول تعالى ذكره: ومن يفعل هذه الأفعال التي ذكرها جلّ ثناؤه يلق أثاما( إِلا مَنْ تَابَ ) يقول: إلا من راجع طاعة الله تبارك وتعالى بتركه ذلك, وإنابته إلى ما يرضاه الله ( وَآمَنَ ) يقول: وصدّق بما جاء به محمد نبيّ الله ( وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا ) يقول: وعمل بما آمره الله من الأعمال, وانتهى عما نهاه الله عنه.

    قوله: ( فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ). اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معناه: فأولئك يبدّل الله بقبائح أعمالهم في الشرك, محاسن الأعمال في الإسلام, فيبدله بالشرك إيمانا, وبقيل أهل الشرك بالله قيل أهل الإيمان به, وبالزنا عفة وإحصانا.

    * ذكر من قال ذلك:

    حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) قال: هم المؤمنون كانوا قبل إيمانهم على السيئات, فرغب الله بهم عن ذلك, فحوّلهم إلى الحسنات, وأبدلهم مكان السيئات حسنات.

    حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا ) ... إلى آخر الآية, قال: هم الذين يتوبون فيعملون بالطاعة, فيبدّل الله سيئاتهم حسنات حين يتوبون.

    حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يعقوب, عن سعيد, قال: نـزلت ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ) ... إلى آخر الآية في وحشي وأصحابه, قالوا: كيف لنا بالتوبة, وقد عبدنا الأوثان, وقتلنا المؤمنين, ونكحنا المشركات, فأنـزل الله فيهم ( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) فأبدلهم الله بعبادة الأوثان عبادة الله, وأبدلهم بقتالهم مع المشركين قتالا مع المسلمين للمشركين, وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح المؤمنات.

    حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, قال: قال ابن جُرَيج, قال ابن عباس, في قوله: ( فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) قال: بالشرك إيمانا, وبالقتل إمساكا, والزنا إحصانا.

    حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ) وهذه الآية مكية نـزلت بمكة ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ) يعني: الشرك, والقتل, والزنا جميعا. لما أنـزل الله هذه الآية قال المشركون من أهل مكة: يزعم محمد أن من أشرك وقتل وزنى فله النار, وليس له عند الله خير, فأنـزل الله ( إِلا مَنْ تَابَ ) من المشركين من أهل مكة,( فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) يقول: يبدّل الله مكان الشرك والقتل والزنا: الإيمان بالله, والدخول في الإسلام, وهو التبديل في الدنيا. وأنـزل الله في ذلك يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ يعنيهم بذلك لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا يعني ما كان في الشرك، يقول الله لهم: (أَنِيبُوا إلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ), يدعوهم إلى الإسلام, فهاتان الآيتان مكيتان والتي في النساء وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ... الآية, هذه مدنية, نـزلت بالمدينة, وبينها وبين التي نـزلت في الفرقان ثمان سنين, وهي مبهمة ليس منها مخرج.

    حدثنا ابن حميد, قال: ثنا أبو تُمَيْلة, قال ثنا أبو حمزة, عن جابر, عن مجاهد, قال: سُئل ابن عباس عن قول الله جلّ ثناؤه: ( يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) فقال:

    بُـــدِّلْنَ بَعْـــدَ حَــرّهِ خَرِيفــا

    وَبَعْـــدَ طُــولِ النَّفَسِ الوَجِيفــا (3)

    حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ) ...إلى قوله: ( وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ) فقال المشركون: ولا والله ما كان هؤلاء الذين مع محمد إلا معنا, قال: فأنـزل الله ( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ ) قال: تاب من الشرك, قال: وآمن بعقاب الله ورسوله ( وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا ) قال: صدّق,( فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) قال: يبدّل الله أعمالهم السيئة التي كانت في الشرك بالأعمال الصالحة حين دخلوا في الإيمان.

    وقال آخرون: بل معنى ذلك, فأولئك يبدل الله سيئاتهم في الدنيا حسنات لهم يوم القيامة.

    * ذكر من قال ذلك:

    حدثني أحمد بن عمرو البصري, قال: ثنا قريش بن أنس أبو أنس, قال: ثني صالح بن رستم, عن عطاء الخراساني, عن سعيد بن المسيب ( فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) قال: تصير سيئاتهم حسنات لهم يوم القيامة.

    حدثنا الحسن بن عرفة, قال: ثنا محمد بن حازم أبو معاوية, عن الأعمش, عن المعرور بن سويد, عن أبي ذرّ, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنِّي لأعْرِفُ آَخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ, وآخِرَ أَهْلِ النَّارِ دُخُولا الجَنَّةَ, قال: يُؤتَى بِرجُلٍ يَومَ القِيَامَةِ, فَيُقَالُ: نَحُّوا كِبَارَ ذُنُوبِهِ وسَلُوهُ عَنْ صِغَارِهَا, قال: فَيُقُالُ لَهُ: عَمِلْتَ كَذَا وكَذَا, وَعَمِلْتَ كَذَا وكَذَا, قال: فيَقُولُ: يا رَبّ لَقَدْ عَمِلْتُ أشْيَاءَ ما أرَاها هاهُنَا, قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه, قال: فَيُقَالُ لَهُ: لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةٌ".

    قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك، تأويل من تأوّله: فأولئك يبدل الله سيئاتهم: أعمالهم في الشرك حسنات في الإسلام, بنقلهم عما يسخطه الله من الأعمال إلى ما يرضى.

    وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية, لأن الأعمال السيئة قد كانت مضت على ما كانت عليه من القُبح, وغير جائز تحويل عين قد مضت بصفة إلى خلاف ما كانت عليه إلا بتغييرها عما كانت عليه من صفتها في حال أخرى, فيجب إن فعل ذلك كذلك أن يصير شرك الكافر الذي كان شركا في الكفر بعينه إيمانا يوم القيامة بالإسلام ومعاصيه كلها بأعيانها طاعة, وذلك ما لا يقوله ذو حجا.

    وقوله: ( وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) يقول تعالى ذكره: وكان الله ذا عفو عن ذنوب من تاب من عباده, وراجع طاعته, وذا رحمة به أن يعاقبه على ذنوبه بعد توبته منها.

    --------------------

    الهوامش :

    (3) هذا بيت للبيد العامري الشاعر . وروايته هكذا غامضة . ولم أجده في أصل ديوانه ، وإنما وجدته في الملحق بالديوان (طبع ليدن ص 56) ، وروايته فيه كرواية السيوطي في الإتقان : وهذه الرواية أجود وأوضح ، وهي :

    بَـــدّلْنَ بَعْـــدَ النَّفَش الوَجِيفــا

    وَبَعْــدَ طُــولِ الحِــرَّةِ الصَّرِيفـا

    يصف لبيد جماعة من الإبل ، بأنها كانت ترعى ليلا زمنًا طويلا، ثم بدلت بذلك الوجيف ، وهو ضرب من سير الإبل والخيل سريع ، يقال: وجف البعير والفرس وجفًا ، ووجيفًا أسرع وبدلت بعد طول الاجتراء في مباركها الصريف . والاجتراء : أن يخرج دو الكرش جزءًا من الطعام ليمضغه جيدًا ثم يعيده والصريف يطلق على معان ، منها اللبن ساعة يحلب ، والخمر؛ والمراد به هنا صوت ناب الناقة إذا حركته ، وإنما يكون ذلك إذا نالها الإعياء والكلال فكأن لبيدًا يقول تبدلت أحوالها بعد النعيم بؤسًا .




    English Saheeh International Translation


    Quran Translation Sura Al-Furqaan aya 70

    Except for those who repent, believe and do righteous work. For them Allah will replace their evil deeds with good. And ever is Allah Forgiving and Merciful.

    لتحميل المصحف القرآن الكريم بصيغة PDF اضغط هنا
    تحميل تفسير ابن كثير بصيغة PDF اضغط هنا
    تحميل تفسير ابن جرير الطبري بصيغة PDF اضغط هنا
    تحميل القرآن الكريم المصحف الوسط بصيغة PDF اضغط هنا
    تحميل التفسير الميسر طباعة مجمع الملك فهد بصيغة PDF اضغط هنا