أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
(للإنتقال إلى الصفحة الرئيسية للموسوعة الإسلامية اضغط هنا)



عودة إلى السورة

تفسير: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (سورة الفرقان الآية 68)

    القرآن الكريم تفسير سورة الفرقان الآية رقم 68.
    قال اللهُ تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [الفرقان: 68].


    التفاسير للآية 68 من سورة الفرقان


    التفسير الميسر


    والذين يوحدون الله، ولا يدعون ولا يعبدون إلهًا غيره، ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله قتلها إلا بما يحق قتلها به: من كفر بعد إيمان، أو زنى بعد زواج، أو قتل نفس عدوانًا، ولا يزنون، بل يحفظون فروجهم، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، ومن يفعل شيئًا من هذه الكبائر يَلْقَ في الآخرة عقابًا. يُضاعَفْ له العذاب يوم القيامة، ويَخْلُدْ فيه ذليلا حقيرًا. (والوعيد بالخلود لمن فعلها كلَّها، أو لمن أشرك بالله). لكن مَن تاب مِن هذه الذنوب توبة نصوحًا وآمن إيمانًا جازمًا مقرونًا بالعمل الصالح، فأولئك يمحو الله عنهم سيئاتهم ويجعل مكانها حسنات؛ بسبب توبتهم وندمهم. وكان الله غفورًا لمن تاب، رحيمًا بعباده حيث دعاهم إلى التوبة بعد مبارزته بأكبر المعاصي. ومن تاب عمَّا ارتكب من الذنوب، وعمل عملا صالحا فإنه بذلك يرجع إلى الله رجوعًا صحيحًا، فيقبل الله توبته ويكفر ذنوبه.


    تفسير ابن كثير


    وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا|||

    قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن شقيق ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أكبر؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " . قال : ثم أي؟ قال : " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " . قال : ثم أي؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " . قال عبد الله : وأنزل الله تصديق ذلك : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) .

    وهكذا رواه النسائي عن هناد بن السري ، عن أبي معاوية ، به .

    وقد أخرجه البخاري ومسلم ، من حديث الأعمش ومنصور - زاد البخاري : وواصل - ثلاثتهم عن أبي وائل ، شقيق بن سلمة ، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل ، عن ابن مسعود ، به ، فالله أعلم ، ولفظهما عن ابن مسعود قال : قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم؟ الحديث .

    طريق غريب : وقال ابن جرير : حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، حدثنا عامر بن مدرك ، حدثنا السري - يعني ابن إسماعيل - حدثنا الشعبي ، عن مسروق قال : قال عبد الله : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فاتبعته ، فجلس على نشز من الأرض ، وقعدت أسفل منه ، ووجهي حيال ركبتيه ، واغتنمت خلوته وقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أي الذنوب أكبر؟ قال : " أن تدعو لله ندا وهو خلقك " . قلت : ثم مه؟ قال : " أن تقتل ولدك كراهية أن يطعم معك " . قلت : ثم مه؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " . ثم قرأ : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) . [ إلى آخر ] الآية .

    وقال النسائي : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن سلمة بن قيس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : " ألا إنما هي أربع - فما أنا بأشح عليهن مني منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم - : لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تزنوا ، ولا تسرقوا " .

    وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن المديني ، رحمه الله ، حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان ، حدثنا محمد بن سعد الأنصاري ، سمعت أبا طبية الكلاعي ، سمعت المقداد بن الأسود ، رضي الله عنه ، يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " ما تقولون في الزنى " ؟ قالوا : حرمه الله ورسوله ، فهو حرام إلى يوم القيامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره " . قال : " ما تقولون في السرقة " ؟ قالوا : حرمها الله ورسوله ، فهي حرام . قال : " لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره " .

    وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا عمار بن نصر ، حدثنا بقية ، عن أبي بكر بن أبي مريم ، عن الهيثم بن مالك الطائي عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : " ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له " .

    وقال ابن جريج : أخبرني يعلى ، عن سعيد بن جبير أنه سمعه يحدث عن ابن عباس : أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا ، وزنوا فأكثروا ، ثم أتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن ، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة ، فنزلت : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ) ، ونزلت : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا [ إنه هو الغفور الرحيم ] ) [ الزمر : 53 ] .

    وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن أبي فاختة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل : " إن الله ينهاك أن تعبد المخلوق وتدع الخالق ، وينهاك أن تقتل ولدك وتغذو كلبك ، وينهاك أن تزني بحليلة جارك " . قال سفيان : وهو قوله : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ) .

    وقوله : ( ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) . روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال : ( أثاما ) واد في جهنم .

    وقال عكرمة : ( يلق أثاما ) أودية في جهنم يعذب فيها الزناة . وكذا روي عن سعيد بن جبير ، ومجاهد .

    وقال قتادة : ( يلق أثاما ) نكالا كنا نحدث أنه واد في جهنم .

    وقد ذكر لنا أن لقمان كان يقول : يا بني ، إياك والزنى ، فإن أوله مخافة ، وآخره ندامة .

    وقد ورد في الحديث الذي رواه ابن جرير وغيره ، عن أبي أمامة الباهلي - موقوفا ومرفوعا - أن " غيا " و " أثاما " بئران في قعر جهنم أجارنا الله منها بمنه وكرمه .

    وقال السدي : ( يلق أثاما ) : جزاء .

    وهذا أشبه بظاهر الآية; ولهذا فسره بما بعده مبدلا منه ، وهو قوله :




    تفسير ابن جرير الطبري


    وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا|||

    يقول تعالى ذكره: والذين لا يعبدون مع الله إلها آخر, فيشركون في عبادتهم إياه, ولكنهم يخلصون له العبادة ويفردونه بالطاعة ( وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ) قتلها( إِلا بِالْحَقِّ ) إما بكفر بالله بعد إسلامها, أو زنا بعد إحصانها, أو قتل نفس, فتقتل بها( وَلا يَزْنُونَ ) فيأتون ما حرم الله عليهم إتيانه من الفروج ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ) يقول: ومن يأت هذه الأفعال, فدعا مع الله إلها آخر, وقتل النفس التي حرّم الله بغير الحق, وزنى ( يَلْقَ أَثَامًا ) يقول: يلق من عقاب الله عقوبة ونكالا كما وصفه ربنا جلّ ثناؤه, وهو أنه ( يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا )، ومن الأثام قول بَلْعَاءَ بن قيس الكناني:

    جَـزَى اللـهُ ابْـنَ عُـرْوَةَ حيْثُ أمْسَى

    عُقُوقـــا والعُقُــوقُ لَــهُ أثــامُ (1)

    يعني بالأثام: العقاب.

    وقد ذُكر أن هذه الآية نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل قوم من المشركين أرادوا الدخول في الإسلام, ممن كان منه في شركه هذه الذنوب, فخافوا أن لا ينفعهم مع ما سلف منهم من ذلك إسلام, فاستفتَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك, فأنـزل الله تبارك وتعالى هذه الآية, يعلمهم أن الله قابل توبة من تاب منهم.

    * ذكر من قال ذلك:

    حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: ثني يعلى بن مسلم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: أن ناسا من أهل الشرك قَتَلُوا فأكثروا, فأتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم, فقالوا: إن الذي تدعونا إليه لحسن, لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة, فنـزلت ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ ) ونـزلت: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إلى قوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ قال ابن جُرَيج: وقال مجاهد مثل قول ابن عباس سواء.

    حدثنا عبد الله بن محمد الفريابي, قال: ثنا سفيان, عن أبي معاوية, عن أبي عمرو الشيباني, عن عبد الله, قال: سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم: ما الكبائر؟ قال: أنْ تَدْعُوَ للهِ نِدّا وهُوَ خَلَقَكَ وأنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَأَكُلَ مَعَكَ, وأنْ تَزْنِي بِحَلِيلَةِ جَارِكَ , وقرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتاب الله (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ).

    حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو عامر, قال: ثنا سفيان عن الأعمش ومنصور, عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل, عن عبد الله, قال: قلت: يا رسول الله, أي الذنب أعظم؟ أنْ تَجْعَلَ للهِ نِدّا وهُوَ خَلَقَكَ، قلت: ثم أي؟ قال: أنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأَكُلَ مَعَكَ, قلت: ثم أي؟ قال: أنْ تُزَاني حَلِيلَةِ جَارِكَ" فأنـزل تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ ) " ... الآية.

    حدثنا سليمان بن عبد الجبار, قال: ثنا عليّ بن قادم, قال: ثنا أسباط بن نصر الهمداني, عن منصور, عن أبي وائل, عن أبي ميسرة, عن عبد الله بن مسعود, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, نحوه.

    حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي, قال: ثني عمي يحيى بن عيسى, عن الأعمش, عن سفيان, عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الذنب أكبر؟ ثم ذكر نحوه.

    حدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: ثنا عامر بن مدرك, قال: ثنا السريّ - يعني ابن إسماعيل - قال: ثنا الشعبي, عن مسروق, قال: قال عبد الله: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم, فاتبعته, فجلس على نشَز من الأرض, وقعدت أسفل منه, ووجهي حيال ركبتيه, فاغتنمت خلوته وقلت: بأبي وأمي يا رسول الله, أي الذنوب أكبر؟ قال : " أنْ تَدْعُوَ للهِ نِدّا وهُوَ خَلَقَكَ. قلت: ثم مه؟ قال: " أنْ تَقْتَلَ وَلَدَكَ كَرَاهِيَةَ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ". قلت: ثم مه؟ قال: " أنْ تُزَانِي حَلِيلَةِ جَارِكَ", ثم تلا هذه الآية: ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ) ... إلى آخر الآية.

    حدثنا أبو كريب, قال: ثنا طلق بن غنام, عن زائدة, عن منصور, قال: ثني سعيد بن جُبير, أو حُدثت عن سعيد بن جُبير, أن عبد الرحمن بن أبزى أمره أن يسأل ابن عباس عن هاتين الآيتين التي في النساء وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ... إلى آخر الآية, والآية التي في الفرقان (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) إلى ( وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ) قال ابن عباس: إذا دخل الرجل في الإسلام وعلم شرائعه وأمره, ثم قتل مؤمنا متعمدا, فلا توبة له، والتي في الفرقان لما أنـزلت قال المشركون من أهل مكة: فقد عدلنا بالله, وقتلنا النفس التي حرّم الله بغير الحقّ, فما ينفعنا الإسلام؟ قال: فنـزلت ( إِلا مَنْ تَابَ ) قال: فمن تاب منهم قُبل منه.

    حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن منصور, قال: ثني سعيد بن جبير, أو قال: حدثني الحكم عن سعيد بن جُبير, قال: أمرني عبد الرحمن بن أبزي, فقال: سل ابن عباس, عن هاتين الآيتين, ما أمرهما عن الآية التي في الفرقان ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ) الآية, والتي في النساء وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ فسألت ابن عباس عن ذلك, فقال: لما أنـزل الله التي في الفرقان, قال مشركو أهل مكة: قد قتلنا النفس التي حرّم الله, ودعونا مع الله إلها آخر, فقال: ( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا ) الآية. فهذه لأولئك. وأما التي في النساء وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ ... الآية, فإن الرجل إذا عرف الإسلام, ثم قتل مؤمنا متعمدا, فجزاؤه جهنم, فلا توبة له. فذكرته لمجاهد, فقال: إلا من ندم.

    حدثنا محمد بن عوف الطائي, قال: ثنا أحمد بن خالد الذهني, قال: ثنا شيبان, عن منصور بن المعتمر, قال: ثني سعيد بن جُبير, قال لي سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى: سل ابن عباس، عن هاتين الآيتين عن قول الله: ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ) ... إلى ( مَنْ تَابَ ) وعن قوله وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ... إلى آخر الآية، قال: فسألت عنها ابن عباس, فقال: أنـزلت هذه الآية في الفرقان بمكة إلى قوله ( وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ) فقال المشركون: فما يغني عنا الإسلام, وقد عدلنا بالله, وقتلنا النفس التي حرّم الله, وأتينا الفواحش, قال: فأنـزل الله ( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا ) ... إلى آخر الآية, قال: وأما من دخل في الإسلام وعقله, ثم قتل, فلا توبة له.

    حدثنا ابن بشار, قال: ثنا ابن أبي عديّ, عن شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال في هذه الآية ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ) ... الآية, قال: نـزلت في أهل الشرك.

    حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن منصور, عن سعيد بن جُبير, قال: أمرني عبد الرحمن بن أبزي أن أسأل ابن عباس عن هذه الآية ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ) فذكر نحوه.

    حدثني عبد الكريم بن عمير, قال: ثنا إبراهيم بن المنذر, قال: ثنا عيسى بن شعيب بن ثوبان, مَولى لبني الديل من أهل المدينة, عن فليح الشماس, عن عبيد بن أبي عبيد, عن أبي هريرة, قال: " صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العَتَمة, ثم انصرفت فإذا امرأة عند بابي, ثم سلمت, ففتحت ودخلت, فبينا أنا في مسجدي أصلي, إذ نقرت الباب, فأذنت لها, فدخلت فقالت: إني جئتك أسألك عن عمل عملت, هل لي من توبة؟ فقالت: إني زنيت وولدت, فقتلته, فقلت : ولا لا نعمت العين ولا كرامة، فقامت وهي تدعو بالحسرة تقول: يا حسرتاه, أخُلق هذا الحسن للنار؟ قال: ثم صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح من تلك الليلة, ثم جلسنا ننتظر الإذن عليه, فأذن لنا, فدخلنا, ثم خرج من كان معي, وتخلفت, فقال: مَا لَكَ يا أبا هُرَيْرَةَ, ألَكَ حَاجَة؟ فقلت له: يا رسول الله صليت معك البارحة ثم انصرفت. وقصصت عليه ما قالت المرأة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما قُلْت لَهَا؟ قال: قلت لها: لا والله، ولا نعمت العين ولا كرامة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بِئسَ مَا قُلتَ، أمَا كُنْتَ تَقْرَأ هذِهِ الآية ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ) ... الآية ( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا ) فقال أبو هريرة: فخرجت, فلم أترك بالمدينة حصنا ولا دارًا إلا وقفت عليه, فقلت: إن تكن فيكم المرأة التي جاءت أبا هريرة الليلة, فلتأتني ولتبشر; فلما صليت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم العشاء, فإذا هي عند بابي, فقلت: أبشري, فإني دخلت على النبيّ, فذكرت له ما قلت لي, وما قلت لك, فقال: وبئس ما قلت لها, أما كنت تقرأ هذه الآية؟ فقرأتها عليها, فخرّت ساجدة, فقالت: الحمد لله الذي جعل مخرجًا وتوبة مما عملت, إن هذه الجارية وابنها حرَّان لوجه الله, وإني قد تبت مما عملت ".

    حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يحيى بن واضح, قال: ثنا جعفر بن سليمان, عن عمرو بن مالك, عن أبي الجوزاء, قال: اختلفت إلى ابن عباس ثلاث عشرة سنة, فما شيء من القرآن إلا سألته عنه, ورسولي يختلف إلى عائشة, فما سمعته ولا سمعت أحدا من العلماء يقول: إن الله يقول لذنب: لا أغفره.

    وقال آخرون: هذه الآية منسوخة بالتي في النساء.

    * ذكر من قال ذلك:

    حدثنا يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني المغيرة بن عبد الرحمن الحراني, عن أبي الزناد, عن خارجة بن زيد أنه دخل على أبيه وعنده رجل من أهل العراق, وهو يسأله عن هذه الآية التي في تبارك الفرقان, والتي في النساء وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فقال زيد بن ثابت: قد عرفت الناسخة من المنسوخة, نسختها التي في النساء بعدها بستة أشهر.

    حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال الضحاك بن مزاحم: هذه السورة بينها وبين النساء وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ثمان حجج. وقال ابن جُرَيج: وأخبرني القاسم بن أبي بزة أنه سأل سعيد بن جُبير: هل لمن قتل مؤمنا متعمدا توبة؟ فقال: لا فقرأ عليه هذه الآية كلها, فقال سعيد بن جُبير: قرأتها على ابن عباس كما قرأتها علي, فقال: هذه مكية, نسختها آية مدنية, التي في سورة النساء، وقد أتينا على البيان عن الصواب من القول في هذه الآية التي في سورة النساء بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

    وبنحو الذي قلنا في الأثام من القول, قال أهل التأويل, إلا أنهم قالوا: ذلك عقاب يعاقب الله به من أتى هذه الكبائر بواد في جهنم يُدعى أثاما.

    * ذكر من قال ذلك:

    حدثني أحمد بن المقدام, قال: ثنا المعتمر بن سليمان, قال: سمعت أبي يحدّث, عن قتادة, عن أبي أيوب الأزدي, عن عبد الله بن عمرو, قال: الأثام: واد في جهنم.

    حدثنا محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: ( يَلْقَ أَثَامًا ) قال: واديا في جهنم.

    حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, حدثنا ابن حميد قال: ثنا يحيى بن واضح, قال: ثنا الحسين, عن يزيد, عن عكرمة, في قوله: ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ) قال: واديا في جهنم فيه الزناة.

    حدثني العباس بن أبي طالب, قال: ثنا محمد بن زياد, قال: ثنا شرقي بن قطاميّ, عن لقمان بن عامر الخزاعيّ, قال: جئت أبا أمامة صديّ بن عجلان الباهلي, فقلت: حدثني حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فدعا لي بطعام, ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لَوْ أَنَّ صَخْرَةً زِنَةَ عَشْر عَشْرَوَاتٍ قُذِفَ بِها مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ ما بَلَغَتْ قَعْرَهَا خَمْسِينَ خَرِيفا, ثُمَّ تَنْتَهِي إلى غَيٍّ وأثامٍ". قلت: وما غيّ وأثام؟ قال: بِئْرَان فِي أَسْفَلِ جَهَنَّمَ يَسِيلُ فِيهِمَا صَدِيدُ أهْلِ النَّار, وهما اللذان ذكر الله في كتابه أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا وقوله في الفرقان ( وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ).

    حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( يَلْقَ أَثَامًا ) قال: الأثام الشرّ, وقال: سيكفيك ما وراء ذلك: ( يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ).

    حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: ( يَلْقَ أَثَامًا ) قال: نكالا قال: وقال: إنه واد في جهنم.

    حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن هشيم, قال: أخبرنا زكريا بن أبي مريم قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: إن ما بين شفير جهنم إلى قعرها مسيرة سبعين خريفا بحجر يهوي فيها أو بصخرة تهوي, عظمها كعشر عشراوات سمان, فقال له رجل: فهل تحت ذلك من شيء؟ قال: نعم غيّ وأثام.

    -------------------

    الهوامش :

    (1) البيت لبلعام بن قيس بن ربيعة بن عبد الله بن يعمر ، واسمه حميضة وهو من كنانة بن خزيمة ، وكان بلعاء رأس بني كنانة في أكثر حروبهم ومغازيهم ، وكان كثير الغارات على العرب ، وله أخبار في حروب الفجار . وهو شاعر محسن ، قال في كل فن أشعاراً جيادًا ( انظر المؤتلف والمختلف 106 ومعجم الشعراء للمرزباني 357 ) . والبيت أنشده صاحب ( اللسان : أثم ) ونسبه إلى شافع الليثي . ونسبه أبو عبيدة في مجاز القرآن إلى بلعاء بن قيس الكناني ، وعنه أخذ المؤلف قال في اللسان : " قال أبو إسحاق : تأويل الأثام : المجازاة وفال أبو عمرو الشيباني : لقي فلان أثام ذلك : أي جزاء ذلك ، فإن الخليل وسيبويه يذهبان إلى أن معناه : يلقى جزاء الأثام . وقول شافع الليثي في ذلك جــزى اللــه ابـن عـروة ......

    .............. لــــه أثــــام"

    أي عقوبة مجازاة العقوق ، وهي قطيعة الرحم . وقال الليث : الأثام في جملة التفسير عقوبة الإثم . وقيل في قوله تعالى {يلق أثاما} قيل : هو واد في جهنم . قال ابن سيده: والصواب عندي : أن معناه : يلق عقاب الأثام. ا هـ .




    English Saheeh International Translation


    Quran Translation Sura Al-Furqaan aya 68

    And those who do not invoke with Allah another deity or kill the soul which Allah has forbidden [to be killed], except by right, and do not commit unlawful sexual intercourse. And whoever should do that will meet a penalty.

    لتحميل المصحف القرآن الكريم بصيغة PDF اضغط هنا
    تحميل تفسير ابن كثير بصيغة PDF اضغط هنا
    تحميل تفسير ابن جرير الطبري بصيغة PDF اضغط هنا
    تحميل القرآن الكريم المصحف الوسط بصيغة PDF اضغط هنا
    تحميل التفسير الميسر طباعة مجمع الملك فهد بصيغة PDF اضغط هنا