ثم قال تعالى منكرا على المشركين الذين يسجدون لغير الله من الأصنام والأنداد : ( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن ) ؟ أي : لا نعرف الرحمن . وكانوا ينكرون أن يسمى الله باسمه الرحمن ، كما أنكروا ذلك يوم الحديبية حين قال النبي صلى الله عليه وسلم للكاتب : " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم " فقالوا : لا نعرف الرحمن ولا الرحيم ، ولكن اكتب كما كنت تكتب : باسمك اللهم; ولهذا أنزل الله : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) [ الإسراء : 110 ] أي : هو الله وهو الرحمن . وقال في هذه الآية : ( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن ) ؟ أي : لا نعرفه ولا نقر به؟ ( أنسجد لما تأمرنا ) أي : لمجرد قولك؟ ( وزادهم نفورا ) ، أما المؤمنون فإنهم يعبدون الله الذي هو الرحمن الرحيم ، ويفردونه بالإلهية ويسجدون له . وقد اتفق العلماء - رحمهم الله - على أن هذه السجدة التي في الفرقان مشروع السجود عندها لقارئها ومستمعها ، كما هو مقرر في موضعه ، والله أعلم .
يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء الذين يعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم: ( اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ ) أي اجعلوا سجودكم لله خالصا دون الآلهة والأوثان. قالوا: (أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا).
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة: (لِمَا تَأْمُرُنَا) بمعنى: أنسجد نحن يا محمد لما تأمرنا أنت أن نسجد له. وقرأته عامة قرّاء الكوفة " لمَا يَأْمُرُنا " بالياء, بمعنى: أنسجد لما يأمر الرحمن، وذكر بعضهم أن مُسيلمة كان يُدعى الرحمن, فلما قال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم اسجدوا للرحمن, قالوا: أنسجد لما يأمرنا رحمن اليمامة؟ يعنون مُسَيلمة بالسجود له.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك, أنهما قراءتان مستفيضتان مشهورتان, قد قرأ بكل واحد منهما علماء من القرّاء, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (وَزَادَهُمْ نُفُورًا) يقول: وزاد هؤلاء المشركين قول القائل لهم: اسجدوا للرحمن من إخلاص السجود لله, وإفراد الله بالعبادة بعدا مما دعوا إليه من ذلك فرارا.
Quran Translation Sura Al-Furqaan aya 60
And when it is said to them, "Prostrate to the Most Merciful," they say, "And what is the Most Merciful? Should we prostrate to that which you order us?" And it increases them in aversion.