وقوله : ( ولقد صرفناه بينهم ليذكروا ) أي : أمطرنا هذه الأرض دون هذه ، وسقنا السحاب فمر على الأرض وتعداها وجاوزها إلى الأرض الأخرى ، [ فأمطرتها وكفتها فجعلتها غدقا ، والتي وراءها ] لم ينزل فيها قطرة من ماء ، وله في ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة .
قال ابن مسعود وابن عباس : ليس عام بأكثر مطرا من عام ، ولكن الله يصرفه كيف يشاء ، ثم قرأ هذه الآية : ( ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا ) .
أي : ليذكروا بإحياء الله الأرض الميتة أنه قادر على إحياء الأموات . والعظام الرفات . أو : ليذكر من منع القطر أنما أصابه ذلك بذنب أصابه ، فيقلع عما هو فيه .
وقال عمر مولى غفرة : كان جبريل ، عليه السلام ، في موضع الجنائز ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا جبريل ، إني أحب أن أعلم أمر السحاب؟ " قال : فقال جبريل : يا نبي الله ، هذا ملك السحاب فسله . فقال : تأتينا صكاك مختمة : اسق بلاد كذا وكذا ، كذا وكذا قطرة . رواه ابن حاتم ، وهو حديث مرسل .
وقوله : ( فأبى أكثر الناس إلا كفورا ) : قال عكرمة : يعني : الذين يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا .
وهذا الذي قاله عكرمة كما صح في الحديث المخرج في صحيح مسلم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه يوما ، على أثر سماء أصابتهم من الليل : " أتدرون ماذا قال ربكم " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب . وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فذاك كافر بي ، مؤمن بالكوكب " .
يقول تعالى ذكره: ولقد قسمنا هذا الماء الذي أنـزلناه من السماء طهورا لنحيي به الميت من الأرض بين عبادي, ليتذكروا نعمي عليهم, ويشكروا أيادي عندهم وإحساني إليهم ( فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا ) يقول: إلا جحودا لنعمي عليهم, وأياديّ عليهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا معتمر بن سليمان, عن أبيه, قال: سمعت الحسن بن مسلم يحدّث طاوسا, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس قال: ما عام بأكثر مطرا من عام, ولكنّ الله يصرّفه بين خلقه; قال: ثم قرأ: ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ ).
حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن علية, عن سليمان التيمي, قال: ثنا الحسن بن مسلم, عن سعيد بن جُبير, قال: قال ابن عباس: ما عام بأكثر مطرا من عام, ولكنه يصرفه في الأرضين, ثم تلا( وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا ).
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قوله: ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ ) قال: المطر ينـزله في الأرض, ولا ينـزله في الأرض الأخرى, قال: فقال عكرِمة: صرفناه بينهم ليذّكروا.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا ) قال: المطر مرّة هاهنا, ومرّة هاهنا.
حدثنا سعيد بن الربيع الرازي, قال: ثنا سفيان بن عيينة, عن يزيد بن أبي زياد, أنه سمع أبا جحيفة يقول: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: ليس عام بأمطر من عام, ولكنه يصرفه, ثم قال عبد الله: ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ ).
وأما قوله: ( فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا ) فإن القاسم حدثنا قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج عن ابن جُرَيج, عن عكرمة: ( فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا ) قال: قولهم في الأنواء.
Quran Translation Sura Al-Furqaan aya 50
And We have certainly distributed it among them that they might be reminded, but most of the people refuse except disbelief.