( لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ) وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد عن أنس بن مالك; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول من يكسى حلة من النار إبليس ، فيضعها على حاجبيه ، ويسحبها من خلفه ، وذريته من بعده ، وهو ينادي : يا ثبوراه ، وينادون : يا ثبورهم . حتى يقفوا على النار ، فيقول : يا ثبوراه . ويقولون : يا ثبورهم . فيقال لهم : لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا ، وادعوا ثبورا كثيرا " .
لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ، ورواه ابن أبي حاتم ، عن أحمد بن سنان ، عن عفان ، به : ورواه ابن جرير ، من حديث حماد بن سلمة به .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ) أي : لا تدعوا اليوم ويلا واحدا ، وادعوا ويلا كثيرا .
وقال الضحاك : الثبور : الهلاك .
والأظهر : أن الثبور يجمع الهلاك والويل والخسار والدمار ، كما قال موسى لفرعون : ( وإني لأظنك يافرعون مثبورا ) [ الإسراء : 102 ] أي : هالكا . وقال عبد الله بن الزبعرى :
إذ أجاري الشيطان في سنن الغي ي ، ومن مال ميله مثبور
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: ( لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا ) الثبور: الهلاك.
قال أبو جعفر: والثبور في كلام العرب: أصله انصراف الرجل عن الشيء, يقال منه: ما ثبرك عن هذا الأمر: أي ما صرفك عنه، وهو في هذا الموضع دعاء هؤلاء القوم بالندم على انصرافهم عن طاعة الله في الدنيا، والإيمان بما جاءهم به نبيّ الله صلى الله عليه وسلم حتى استوجبوا العقوبة منه, كما يقول القائل: وا ندامتاه, وا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله: وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول في قوله: ( دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا ) أي هلكة, ويقول: هو مصدر من ثبر الرجل: أي أهلك, ويستشهد لقيله في ذلك ببيت ابن الزّبَعْرى:
إذ أُجـاري الشَّـيطَان فـي سَـنَن الغي
ومــن مَــال مَيْلَــهُ مَثْبُــورا (1)
وقوله: ( لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ) أيها المشركون ندمًا واحدًا: أي مرة واحدة, ولكن ادعوا ذلك كثيرا. وإنما قيل: ( لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا ) لأن الثبور مصدر؛ والمصادر لا تجمع, وإنما توصف بامتداد وقتها وكثرتها, كما يقال: قعد قعودا طويلا وأكل أكلا كثيرا.
حدثنا محمد بن مرزوق, قال: ثنا حجاج, قال: ثنا حماد قال: ثنا عليّ بن زيد, عن أنس بن مالك, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أوَّلُ مَنْ يُكْسَى حُلَّةً مِنَ النَّار إِبْلِيسُ, فَيَضَعُها عَلى حاجبَيْه, ويَسْحَبُها مِنْ خَلْفِهِ, وَذُرَّيَّتُهُ مِنْ خَلْفِهِ, وَهُوَ يَقُولُ: يا ثُبُورَاه، وَهُمْ يُنَادُونَ: يا ثُبُورَهُمْ فيقال: ( لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا ) ".
------------------------
الهوامش:
(1) البيت لعبد الله بن الزبعرى شاعر قريش الذي كان يهجو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ثم خرج إليه وأسلم بعد فتح مكة ، وقال حين أسلم شعرًا ، منه هذا البيت من مقطوعة أربعة أبيات أنشدها ابن إسحاق في السيرة (طبعة الحلبي 4 : 61) ومعنى أجاري : أباري وأعارض . والسنن بالتحريك : وسط الطريق . ومثبور : هالك . والشاهد فيه عند المؤلف أن الثبور معناه الهلاك والمثبور : الهالك
Quran Translation Sura Al-Furqaan aya 14
[They will be told], "Do not cry this Day for one destruction but cry for much destruction."