هذه آداب شرعية ، أدب الله بها عباده المؤمنين ، وذلك في الاستئذان أمر الله المؤمنين ألا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم حتى يستأنسوا ، أي : يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده . وينبغي أن يستأذن ثلاثا ، فإن أذن له ، وإلا انصرف ، كما ثبت في الصحيح : أن أبا موسى حين استأذن على عمر ثلاثا ، فلم يؤذن له ، انصرف . ثم قال عمر : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس يستأذن؟ ائذنوا له . فطلبوه فوجدوه قد ذهب ، فلما جاء بعد ذلك قال : ما رجعك؟ قال : إني استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا استأذن أحدكم ثلاثا ، فلم يؤذن له ، فلينصرف " . فقال : لتأتين على هذا ببينة وإلا أوجعتك ضربا . فذهب إلى ملأ من الأنصار ، فذكر لهم ما قال عمر ، فقالوا : لا يشهد لك إلا أصغرنا . فقام معه أبو سعيد الخدري فأخبر عمر بذلك ، فقال : ألهاني عنه الصفق بالأسواق .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن ثابت ، عن أنس - أو : غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة فقال : " السلام عليك ورحمة الله " . فقال سعد : وعليك السلام ورحمة الله ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثا . ورد عليه سعد ثلاثا ولم يسمعه . فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ، واتبعه سعد فقال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، ما سلمت تسليمة إلا وهي بأذني ، ولقد رددت عليك ولم أسمعك ، وأردت أن أستكثر من سلامك ومن البركة . ثم أدخله البيت ، فقرب إليه زبيبا ، فأكل نبي الله . فلما فرغ قال : " أكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة ، وأفطر عندكم الصائمون " .
وقد روى أبو داود والنسائي ، من حديث أبي عمرو الأوزاعي : سمعت يحيى بن أبي كثير يقول : حدثني محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، عن قيس بن سعد - هو ابن عبادة - قال : زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا ، فقال : " السلام عليكم ورحمة الله " . فرد سعد ردا خفيا ، قال قيس : فقلت : ألا تأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال : ذره يكثر علينا من السلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السلام عليكم ورحمة الله " . فرد سعد ردا خفيا ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السلام عليكم ورحمة الله " ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتبعه سعد فقال : يا رسول الله ، إني كنت أسمع تسليمك ، وأرد عليك ردا خفيا ، لتكثر علينا من السلام . قال : فانصرف معه [ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر له سعد بغسل ، فاغتسل ، ثم ناوله ملحفة مصبوغة ] بزعفران - أو : ورس - فاشتمل بها ، ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول : " اللهم اجعل صلاتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة " . قال : ثم أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطعام ، فلما أراد الانصراف قرب إليه سعد حمارا قد وطأ عليه بقطيفة ، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد : يا قيس ، اصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال قيس : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اركب " . فأبيت ، فقال : " إما أن تركب وإما أن تنصرف " . قال : فانصرفت .
وقد روي هذا من وجه آخر فهو حديث جيد قوي ، والله أعلم .
ثم ليعلم أنه ينبغي للمستأذن على أهل المنزل ألا يقف تلقاء الباب بوجهه ، ولكن ليكن الباب ، عن يمينه أو يساره; لما رواه أبو داود : حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني - في آخرين - قالوا : حدثنا بقية ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن بسر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم ، لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ، ويقول : " السلام عليكم ، السلام عليكم " . وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور . تفرد به أبو داود .
وقال أبو داود أيضا : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، ( ح ) قال أبو داود : وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا حفص ، عن الأعمش ، عن طلحة ، عن هزيل قال : جاء رجل - قال عثمان : سعد - فوقف على باب النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن ، فقام على الباب - قال عثمان : مستقبل الباب - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " هكذا عنك - أو : هكذا - فإنما الاستئذان من النظر " .
وقد رواه أبو داود الطيالسي ، عن سفيان الثوري ، عن الأعمش عن طلحة بن مصرف ، عن رجل ، عن سعد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . رواه أبو داود من حديثه .
وفي الصحيحين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ، ففقأت عينه ، ما كان عليك من جناح " .
وأخرج الجماعة من حديث شعبة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي ، فدققت الباب ، فقال : " من ذا " ؟ قلت : أنا . قال : " أنا ، أنا " كأنه كرهه .
وإنما كره ذلك لأن هذه اللفظة لا يعرف صاحبها حتى يفصح باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها ، وإلا فكل أحد يعبر عن نفسه ب " أنا " ، فلا يحصل بها المقصود من الاستئذان ، الذي هو الاستئناس المأمور به في الآية .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : الاستئناس : الاستئذان . وكذا قال غير واحد .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في هذه الآية : ( لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا ) قال : إنما هي خطأ من الكاتب ، " حتى تستأذنوا وتسلموا " .
وهكذا رواه هشيم ، عن أبي بشر - وهو جعفر بن إياس - به . وروى معاذ بن سليمان ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، بمثله ، وزاد : وكان ابن عباس يقرأ : " حتى تستأذنوا وتسلموا " ، وكان يقرأ على قراءة أبي بن كعب رضي الله عنه .
وهذا غريب جدا عن ابن عباس .
وقال هشيم أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم قال : في مصحف ابن مسعود : " حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا " . وهذا أيضا رواية عن ابن عباس ، وهو اختيار ابن جرير .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني عمرو بن أبي سفيان : أن عمرو بن أبي صفوان أخبره ، أن كلدة بن الحنبل أخبره ، أن صفوان بن أمية بعثه في الفتح بلبأ وجداية وضغابيس ، والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي . قال : فدخلت عليه ولم أسلم ولم أستأذن . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ارجع فقل : السلام عليكم ، أأدخل؟ " وذلك بعدما أسلم صفوان .
ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن جريج ، به وقال الترمذي : حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديثه .
وقال أبو داود : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو الأحوص ، عن منصور ، عن ربعي قال : حدثنا رجل من بني عامر استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو في بيته ، فقال : أألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه : " اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان ، فقل له : قل : السلام عليكم ، أأدخل؟ " فسمعه الرجل فقال : السلام عليكم ، أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل .
وقال هشيم : أخبرنا منصور ، عن ابن سيرين - وأخبرنا يونس بن عبيد ، عن عمرو بن سعيد الثقفي - أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أألج - أو : أنلج؟ - فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأمة له ، يقال لها روضة : " قومي إلى هذا فعلميه ، فإنه لا يحسن يستأذن ، فقولي له يقول : السلام عليكم ، أأدخل " . فسمعها الرجل ، فقالها ، فقال : " ادخل " .
وقال الترمذي : حدثنا الفضل بن الصباح ، حدثنا سعيد بن زكريا ، عن عنبسة بن عبد الرحمن ، عن محمد بن زاذان ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السلام قبل الكلام " .
ثم قال الترمذي : عنبسة ضعيف الحديث ذاهب ، ومحمد بن زاذان منكر الحديث .
وقال هشيم : قال مغيرة : قال مجاهد : جاء ابن عمر من حاجة ، وقد آذاه الرمضاء ، فأتى قسطاط امرأة من قريش ، فقال : السلام عليكم ، أأدخل؟ قالت : ادخل بسلام . فأعاد ، فأعادت ، وهو يراوح بين قدميه ، قال : قولي : ادخل . قالت : ادخل ، فدخل .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو نعيم الأحول ، حدثنا خالد بن إياس ، حدثتني جدتي أم إياس قالت : كنت في أربع نسوة نستأذن [ على عائشة ] فقلت : ندخل؟ قالت : لا ، قلن لصاحبتكن : تستأذن . فقالت : السلام عليكم ، أندخل؟ قالت : ادخلوا ، ثم قالت : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) [ الآية ] .
وقال هشيم : أخبرنا أشعث بن سوار ، عن كردوس ، عن ابن مسعود قال : عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم وأخواتكم . قال أشعث ، عن عدي بن ثابت : إن امرأة من الأنصار قالت : يا رسول الله ، إني أكون في منزلي على الحال التي لا أحب أن يراني أحد عليها ، والد ولا ولد ، وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي ، وأنا على تلك الحال؟ قال : فنزلت : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) .
وقال ابن جريج : سمعت عطاء بن أبي رباح يخبر عن ابن عباس ، رضي الله عنه ، قال : ثلاث آيات جحدها الناس : قال الله : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) [ الحجرات : 13 ] ، قال : ويقولون : إن أكرمهم عند الله أعظمهم بيتا . قال : والإذن كله قد جحده الناس . قال : قلت : أستأذن على أخواتي أيتام في حجري ، معي في بيت واحد؟ قال : نعم . فرددت ليرخص لي ، فأبى . قال : تحب أن تراها عريانة؟ قلت : لا . قال : فاستأذن . قال : فراجعته أيضا ، فقال : أتحب أن تطيع الله؟ قلت : نعم . قال : فاستأذن .
قال ابن جريج : وأخبرني ابن طاوس عن أبيه قال : ما من امرأة أكره إلي أن أرى عريتها من ذات محرم . قال : وكان يشدد في ذلك .
وقال ابن جريج ، عن الزهري : سمعت هزيل بن شرحبيل الأودي الأعمى ، أنه سمع ابن مسعود يقول : عليكم الإذن على أمهاتكم .
وقال ابن جريج : قلت لعطاء : أيستأذن الرجل على امرأته؟ قال : لا .
وهذا محمول على عدم الوجوب ، وإلا فالأولى أن يعلمها بدخوله ولا يفاجئها به ، لاحتمال أن تكون على هيئة لا تحب أن يراها عليها .
وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا القاسم ، [ قال ] حدثنا الحسين ، حدثنا محمد بن حازم عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن يحيى بن الجزار ، عن ابن أخي زينب - امرأة عبد الله بن مسعود - ، عن زينب ، رضي الله عنها ، قالت : كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب ، تنحنح وبزق; كراهية أن يهجم منا على أمر يكرهه . إسناد صحيح .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي هبيرة قال : كان عبد الله إذا دخل الدار استأنس - تكلم ورفع صوته .
[ و ] قال مجاهد : ( حتى تستأنسوا ) قال : تنحنحوا - أو تنخموا .
وعن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، أنه قال : إذا دخل الرجل بيته ، استحب له أن يتنحنح ، أو يحرك نعليه .
ولهذا جاء في الصحيح ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه نهى أن يطرق الرجل أهله طروقا - وفي رواية : ليلا يتخونهم .
وفي الحديث الآخر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة نهارا ، فأناخ بظاهرها ، وقال : " انتظروا حتى تدخل عشاء - يعني : آخر النهار - حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان ، عن واصل بن السائب ، حدثني أبو سورة ابن أخي أبي أيوب ، عن أبي أيوب قال : قلت : يا رسول الله ، هذا السلام ، فما الاستئناس؟ قال : " يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ، ويتنحنح فيؤذن أهل البيت " . هذا حديث غريب .
وقال قتادة في قوله : ( حتى تستأنسوا ) قال : هو الاستئذان . [ قال : وكان يقال : الاستئذان ] ثلاث ، فمن لم يؤذن له فيهن ، فليرجع . أما الأولى : فليسمع الحي ، وأما الثانية : فليأخذوا حذرهم ، وأما الثالثة : فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردوا . ولا تقفن على باب قوم ردوك عن بابهم; فإن للناس حاجات ولهم أشغال ، والله أولى بالعذر .
وقال مقاتل بن حيان في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) كان الرجل في الجاهلية إذا لقي صاحبه ، لا يسلم عليه ، ويقول : حييت صباحا وحييت مساء ، وكان ذلك تحية القوم بينهم . وكان أحدهم ينطلق إلى صاحبه فلا يستأذن حتى يقتحم ، ويقول : " قد دخلت " . فيشق ذلك على الرجل ، ولعله يكون مع أهله ، فغير الله ذلك كله ، في ستر وعفة ، وجعله نقيا نزها من الدنس والقذر والدرن ، فقال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) .
وهذا الذي قاله مقاتل حسن; ولهذا قال : ( ذلكم خير لكم ) يعني : الاستئذان خير لكم ، بمعنى : هو خير للطرفين : للمستأذن ولأهل البيت ، ( . لعلكم تذكرون ) .
اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: تأويله يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأذنوا.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ: " لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا " قال: وإنما " تستأنسوا " وهم من الكُتَّاب.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس في هذه الآية ( لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ) وقال: إنما هي خطأ من الكاتب حتى تستأذنوا وتسلموا.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير، بمثله. غير أنه قال: إنما هي حتى تستأذنوا، ولكنها سقط من الكاتب.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، قال: ثنا معاذ بن سليمان، عن جعفر بن إياس، عن سعيد، عن ابن عباس ( حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ) قال: أخطأ الكاتب، وكان ابن عباس يقرأ " حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا " وكان يقرؤها على قراءة أُبيّ بن كعب.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش أنه كان يقرؤها: " حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا " قال سفيان: وبلغني أن ابن عباس كان يقرؤها: " حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا " وقال: إنها خطأ من الكاتب.
حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ) قال: الاستئناس: الاستئذان.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، قال: في مصحف ابن مسعود: " حَتَّى تُسَلِّمُوا على أهْلِها وَتَسْتَأْذِنُوا ".
قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا جعفر بن إياس، عن سعيد، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: " يأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تُسَلِّمُوا عَلى أهْلِها وتَسْتَأْذِنوا " قال: وإنما تستأنسوا وهم من الكتاب.
قال: ثنا هشيم، قال مغيرة، قال مجاهد: جاء ابن عمر من حاجة وقد آذاه الرمضاء، فأتى فسطاط امرأة من قريش، فقال: السلام عليكم، أدخل؟ فقالت: ادخل بسلام، فأعاد فأعادت، وهو يراوح بين قدميه، قال: قولي ادخل، قالت: ادخل فدخل.
قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا منصور، عن ابن سيرين، وأخبرنا يونس بن عبيد، عن عمرو بن سعيد الثقفي، أن رجلا استأذن على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ألج أو أنلج؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأمة له يقال لها روضة: " قُومِي إلى هَذَا فَكَلِّمِيهِ، فإنَّهُ لا يُحسِنُ يَسْتأذِنُ، فَقُولي لَهُ يَقُولُ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، أدْخُل؟ " فسمعها الرجل، فقالها، فقال: " اُدْخُل ".
حدثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس، قوله: ( حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا ) قال: الاستئذان، ثم نسخ واستثني: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو حمزة، عن المغيرة، عن إبراهيم، قوله: ( لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ) قال: حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة: ( حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا ) قال: حتى تستأذنوا وتسلموا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أشعث بن سوار، عن كردوس، عن ابن مسعود، قال: عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم وأخواتكم، قال أشعث، عن عديّ بن ثابت: أن امرأة من الأنصار، قالت: يا رسول الله، إني أكون في منـزلي على الحال التي لا أحب أن يراني أحد عليها، والد ولا ولد، وأنه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي، وأنا على تلك الحال؟ قال: فنـزلت: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا )... الآية.
وقال آخرون: معنى ذلك: حتى تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح والتنخم وما أشبهه، حتى يعلموا أنكم تريدون الدخول عليهم.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد، في قوله: ( لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ) قال: حتى تتنحنحوا وتتنخموا.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ( حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا ) قال: حتى تجرّسوا وتسلموا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: ( حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا ) قال: تنحنحوا وتنخموا.
قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يخبر عن ابن عباس، قال: ثلاث آيات قد جحدهنّ الناس، قال الله: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ قال: ويقولون: إن أكرمهم عند الله أعظمهم شأنا، قال: والإذن كله قد جحده الناس، فقلت له: أستأذن على أخواتي، أيتام في حجري، معي في بيت واحد؟ قال: نعم (1) فرددت على من حضرني، فأبى، قال: أتحبّ أن تراها عريانة؟ قلت: لا قال: فاستأذن، فراجعته أيضا، قال: أتحبّ أن تطيع الله؟ قلت: نعم، قال: فاستأذن، فقال لي سعيد بن جُبير: إنك لتردد عليه، قلت: أردت أن يرخص لي.
قال ابن جُرَيج: وأخبرني ابن طاووس، عن أبيه قال: ما من امرأة أكره إليّ أن أرى، كأنه يقول: عريتها أو عريانة، من ذات محرم، قال: وكان يشدّد في ذلك.
قال ابن جُرَيج، وقال عطاء بن أبي رباح: وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا، فواجب على الناس أجمعين إذا احتلموا أن يستأذنوا على من كان من الناس، قلت لعطاء: أواجب على الرجل أن يستأذن على أمه، ومن وراءها من ذات قرابته؟ قال: نعم، قلت: أبرّ وجب؟ قال قوله: وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا .
قال ابن جُرَيج: وأخبرني ابن زياد: أن صفوان مولى لبني زهرة، أخبره عن عطاء بن يسار: أن رجلا قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أستأذن على أمي؟ قال: " نَعَمْ" ، قال: إنها ليس لها خادم غيري، أفأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال: " أتُحب أنْ تَراها عُرْيَانَةً؟ " قال الرجل: لا. قال: " فاسْتَأْذِنْ عَلَيْها ".
قال ابن جُرَيج عن الزهري: قال: سمعت هزيل بن شُرَحبيل الأوْدي الأعمى، أنه سمع ابن مسعود يقول: عليكم الإذن على أمهاتكم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قلت لعطاء: أيستأذن الرجل على امرأته؟ قال: لا.
حدثنا الحسين، قال: ثنا محمد بن حازم، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن يحيى بن الجزّار، عن ابن أخي زينب امرأة ابن مسعود، عن زينب قالت: كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب، تنحنح وبزق كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا ) قال: الاستئناس: التنحنح والتجرس، حتى يعرفوا أن قد جاءهم أحد، قال: والتجرّس: كلامه وتنحنحه.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الاستئناس: الاستفعال من الأنس، وهو أن يستأذن أهل البيت في الدخول عليهم، مخبرا بذلك من فيه، وهل فيه أحد؟ وليؤذنهم أنه داخل عليهم، فليأنس إلى إذنهم له في ذلك، ويأنسوا إلى استئذانه إياهم.
وقد حكي عن العرب سماعا: اذهب فاستأنس، هل ترى أحدا في الدار؟ بمعنى: انظر هل ترى فيها أحدا؟
فتأويل الكلام إذن إذا كان ذلك معناه: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تسلموا وتستأذنوا، وذلك أن يقول أحدكم: السلام عليكم، أدخل؟ وهو من المقدم الذي معناه التأخير، إنما هو حتى تسلموا وتستأذنوا، كما ذكرنا من الرواية، عن ابن عباس.
وقوله: ( ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ ) يقول: استئناسكم وتسليمكم على أهل البيت الذي تريدون دخوله، فإن دخولكموه خير لكم، لأنكم لا تدرون أنكم إذا دخلتموه بغير إذن، على ماذا تهجمون؟ على ما يسوءكم أو يسرّكم؟ وأنتم إذا دخلتم بإذن، لم تدخلوا على ما تكرهون، وأدّيتم بذلك أيضا حقّ الله عليكم في الاستئذان والسلام. وقوله: ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) يقول: لتتذكروا بفعلكم ذلك أوامر الله عليكم، واللازم لكم من طاعته، فتطيعوه.
------------------------
الهوامش:
(1) في ابن كثير: فرددت عليه ليرخص لي ، فأبى ، فلعله تصحيف عنه.
Quran Translation Sura An-Noor aya 27
O you who have believed, do not enter houses other than your own houses until you ascertain welcome and greet their inhabitants. That is best for you; perhaps you will be reminded.