فعند ذلك أمره الله تعالى بصنعة السفينة وإحكامها وإتقانها ، وأن يحمل فيها من كل زوجين اثنين ، أي : ذكرا وأنثى من كل صنف من الحيوانات والنباتات والثمار ، وغير ذلك ، وأن يحمل فيها أهله ( إلا من سبق عليه القول ) أي : سبق فيه القول من الله بالهلاك ، وهم الذين لم يؤمنوا به من أهله ، كابنه وزوجته ، والله أعلم .
وقوله : ( ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ) أي : عند معاينة إنزال المطر العظيم ، لا تأخذنك رأفة بقومك ، وشفقة عليهم ، وطمع في تأخيرهم لعلهم يؤمنون ، فإني قد قضيت أنهم مغرقون على ما هم عليه من الكفر والطغيان . وقد تقدمت القصة مبسوطة في سورة " هود " بما يغني عن إعادة ذلك هاهنا .
وقوله: ( فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنِا وَوَحْيِنَا) يقول: فقلنا له حين استنصرنَا على كَفَرة قومه: اصنع الفلك، وهي السفينة؛ بأعيننا ، يقول: بمرأى منا، ومنظر، ووحينا ، يقول: وبتعليمنا إياك صنعتها، ( فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا ) يقول: فإذا جاء قضاؤنا في قومك، بعذابهم وهلاكهم ( وَفَارَ التَّنُّورُ ) .
وقد ذكرنا فيما مضى اختلاف المختلفين في صفة فور التنور. والصواب عندنا من القول فيه بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
( فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) يقول: فادخل في الفلك واحمل. والهاء والألف في قوله: ( فِيهَا ) من ذكر الفلك ( مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ )يقال : سلكته في كذا، وأسلكته فيه، ومن سلكته قول الشاعر:
وكُـنْتُ لِـزَازَ خَـصْمِكَ لَـمْ أُعَـرّدْ
وَقَــدْ سَـلَكُوكَ فِـي يَـوْمٍ عَصِيـبِ (3)
وبعضهم يقول: أسلكت بالألف، ومنه قول الهُذَلي.
حــتى إذَا أَسْــلَكُوهُمْ فِـي قُتـائِدَةٍ
شَـلا كمَـا تَطْـرُدُ الجَمَّالَـةُ الشُّـردَا (4)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) يقول لنوح: اجعل في السفينة من كل زوجين اثنين ( وَأَهْلَكَ ) وهم ولده ونساؤهم ( إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ) من الله بأنه هالك، فيمن يهلك من قومك ، فلا تحمله معك، وهو يام الذي غرق.
ويعني بقوله: ( مِنْهُمْ ) من أهلك، والهاء والميم في قوله ( منهم ) من ذكر الأهل.
وقوله: ( وَلا تُخَاطِبْنِي ) الآية، يقول: ولا تسألني في الذين كفروا بالله أن أنجيهم.
( إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ) يقول: فإني قد حتمت عليهم أن أغرق جميعهم.
------------------------
الهوامش :
(3) البيت لعدي بن زيد العبادي (انظر شرحنا له في ص 82 من الجزء الثاني عشر من هذا التفسير ، وقد استشهد به المؤلف هناك عند قوله تعالى { وقال هذا يوم عصيب) أي شديد واستشهد به هنا على أنه يقال : سلكته في كذا بمعنى أدخلته فيه وأسلكته فيه ، والبيت شاهد على الأول . قال في اللسان ( اللسان : سلك) والسلك ، بالفتح : مصدر سلكت الشيء في الشيء ، فانسلك أي أدخلته فيه فدخل . قال عدي بن زيد : " وكنت لزاز ....." كما استشهد به المؤلف مرة أخرى في ( 14 : 9) من هذه الطبعة عند قوله تعالى : {كذلك نسلكه في قلوب المجرمين} فراجعه ثمة.
(4) البيت لعبد مناف بن ربع الهذلي ( اللسان: سلك) . قال: وسلك المكان يسلكه سلكًا وسلوكًا ، وسلكه غيره ( بنصب غير ) وفيه ، وأسلكه إياه ، وفيه ، وعليه ( بمعنى أدخله فيه ) قال عبد مناف بن ربع الهذلي : " حتى إذا أسلكوهم ... البيت " . وقد سبق استشهاد المؤلف بالبيت في ص 9 من الجزء الرابع عشر من هذه الطبعة ) عند قوله تعالى : { كذلك نسلكه في قلوب المجرمين } فراجعه ثمة .
Quran Translation Sura Al-Muminoon aya 27
So We inspired to him, "Construct the ship under Our observation, and Our inspiration, and when Our command comes and the oven overflows, put into the ship from each [creature] two mates and your family, except those for whom the decree [of destruction] has proceeded. And do not address Me concerning those who have wronged; indeed, they are to be drowned.