هذه إجابة من الله لرسوله موسى ، عليه السلام ، فيما سأل من ربه عز وجل ، وتذكير له بنعمه السالفة عليه ، فيما كان ألهم أمه حين كانت ترضعه ، وتحذر عليه من فرعون وملئه أن يقتلوه; لأنه كان قد ولد في السنة التي يقتلون فيها الغلمان . فاتخذت له تابوتا ، فكانت ترضعه ثم تضعه فيه ، وترسله في البحر - وهو النيل - وتمسكه إلى منزلها بحبل فذهبت مرة لتربطه فانفلت منها وذهب به البحر ، فحصل لها من الغم والهم ما ذكره الله عنها في قوله : ( وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ) [ القصص : 10 ] فذهب به البحر إلى دار فرعون ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ) [ القصص : 8 ] أي قدرا مقدورا من الله ، حيث كانوا هم يقتلون الغلمان من بني إسرائيل ، حذرا من وجود موسى ، فحكم الله - وله السلطان العظيم ، والقدرة التامة - ألا يربى إلا على فراش فرعون ، ويغذى بطعامه وشرابه ، مع محبته وزوجته لهولهذا قال : ( يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ) أي : عند عدوك ، جعلته يحبك . قال سلمة بن كهيل : ( وألقيت عليك محبة مني ) قال : حببتك إلى عبادي .
( ولتصنع على عيني ) قال أبو عمران الجوني : تربى بعين الله .
وقال قتادة : تغذى على عيني .
وقال معمر بن المثنى : ( ولتصنع على عيني ) بحيث أرى .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني أجعله في بيت الملك ينعم ويترف ، غذاؤه عندهم غذاء الملك ، فتلك الصنعة .
القول في تأويل قوله تعالى : أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي (39)
يقول تعالى ذكره: ولقد مننا عليك يا موسى مرّة أخرى حين أوحينا إلى أمك، أن اقذفي ابنك موسى حين ولدتك في التابوت ( فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ) يعني باليم: النيل (فليلقه اليم بالساحل) يقول: فاقذفيه في اليم، يلقه اليم بالساحل، وهو جزاء أخرج مخرج الأمر، كأن اليم هو المأمور، كما قال جلّ ثناؤه: اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ يعني: اتبعوا سبيلنا نحمل عنكم خطاياكم، ففعلت ذلك أمه به فألقاه اليم بمَشرّعة آل فرعون.
كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما ولدت موسى أمه أرضعته، حتى إذا أمر فرعون بقتل الولدان من سنته تلك عمدت إليه، فصنعت به ما أمرها الله تعالى، جعلته في تابوت صغير، ومهدت له فيه، ثم عمدت إلى النيل فقذفته فيه، وأصبح فرعون في مجلس له كان يجلسه على شفير النيل كلّ غداة، فبينا هو جالس، إذ مرّ النيل بالتابوت فقذف به وآسية ابنة مُزَاحم امرأته جالسة إلى جنبه، فقال: إن هذا لشيء في البحر، فأتوني به، فخرج إليه أعوانه حتى جاءوا به، ففتح التابوت فإذا فيه صبيّ في مهده، فألقى الله عليه محبته، وعطف عليه نفسه. وعنى جلّ ثناؤه بقوله (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) فرعون هو العدوّ، كان لله ولموسى.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله ( فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ) وهو البحر، وهو النيل.
واختلف أهل التأويل في معنى المحبة التي قال الله جلّ ثناؤه ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) فقال بعضهم: عنى بذلك أنه حببه إلى عباده.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني الحسين بن عليّ الصدائي والعباس بن محمد الدوري، قالا ثنا حسين الجعفي عن موسى بن قبس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل، في قول الله ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) قال عباس: حببتك إلى عبادي، وقال الصُّدَاني: حببتك إلى خلقي.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أي حسنت خلقك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني إبراهيم بن مهدي، عن رجل، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، قوله ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) قال: حسنا وملاحة.
قال أبو جعفر: والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله ألقى محبته على موسى، كما قال جلّ ثناؤه ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) فحببه إلى آسية امرأة فرعون، حتى تبنَّته وغذّته وربَّته، و إلى فرعون، حتى كفّ عنه عاديته وشرّه ، وقد قيل: إنما قيل: وألقيت عليك محبة مني، لأنه حببه إلى كل من رآه. ومعنى ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) حببتك إليهم، يقول الرجل لآخر إذا أحبه: ألقيت عليك رحمتي: أي محبتي.
القول في تأويل قوله تعالى : وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) فقال بعضهم: معناه: ولتغذى وتربى على محبتي وإرادتي.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: هو غذاؤه، ولتغذى على عيني.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) قال: جعله في بيت الملك ينعم ويترف غذاؤه عندهم غذاء الملك، فتلك الصنعة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأنت بعيني في أحوالك كلها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) قال: أنت بعيني إذ جعلتك أمك في التابوت، ثم في البحر، و ( إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ ). وقرأ ابن نهيك ( وَلِتَصْنَعَ) بفتح التاء.
وتأوّله كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد المؤمن، قال: سمعت أبا نهيك يقرأ ( وَلِتَصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) فسألته عن ذلك، فقال: ولتعمل على عيني.
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز القراءة بغيرها(وَلِتُصْنَعَ) بضم التاء، لإجماع الحجة من القرّاء عليها.
وإذا كان ذلك كذلك، فأولى التأويلين به، التأويل الذي تأوله قَتادَة، وهو ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) ولتغذى على عيني، ألقيت عليك المحبة مني ، وعني بقوله (عَلى عَيْنِي) بمرأى مني ومحبة وإرادة.
Quran Translation Sura Taa-Haa aya 39
[Saying], 'Cast him into the chest and cast it into the river, and the river will throw it onto the bank; there will take him an enemy to Me and an enemy to him.' And I bestowed upon you love from Me that you would be brought up under My eye.