هذه رخصة من الله تعالى للمسلمين ، ورفع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام ، فإنه كان إذا أفطر أحدهم إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك ، فمتى نام أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة . فوجدوا من ذلك مشقة كبيرة . والرفث هنا هو : الجماع . قاله ابن عباس ، وعطاء ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وطاوس ، وسالم بن عبد الله ، وعمرو بن دينار والحسن ، وقتادة ، والزهري ، والضحاك ، وإبراهيم النخعي ، والسدي ، وعطاء الخراساني ، ومقاتل بن حيان .
وقوله : ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل بن حيان : يعني هن سكن لكم ، وأنتم سكن لهن .
وقال الربيع بن أنس : هن لحاف لكم وأنتم لحاف لهن .
وحاصله أن الرجل والمرأة كل منهما يخالط الآخر ويماسه ويضاجعه ، فناسب أن يرخص لهم في المجامعة في ليل رمضان ، لئلا يشق ذلك عليهم ، ويحرجوا ، قال الشاعر
إذا ما الضجيع ثنى جيدها تداعت فكانت عليه لباسا
وكان السبب في نزول هذه الآية كما تقدم في حديث معاذ الطويل ، وقال أبو إسحاق عن البراء بن عازب قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فنام قبل أن يفطر ، لم يأكل إلى مثلها ، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما ، وكان يومه ذاك يعمل في أرضه ، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال : هل عندك طعام ؟ قالت : لا ولكن أنطلق فأطلب لك . فغلبته عينه فنام ، وجاءت امرأته ، فلما رأته نائما قالت : خيبة لك ! أنمت ؟ فلما انتصف النهار غشي عليه ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) إلى قوله : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) ففرحوا بها فرحا شديدا .
ولفظ البخاري هاهنا من طريق أبي إسحاق : سمعت البراء قال : لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء ، رمضان كله ، وكان رجال يخونون أنفسهم ، فأنزل الله : ( علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم ) .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة ، ثم إن أناسا من المسلمين أصابوا من النساء والطعام في شهر رمضان بعد العشاء ، منهم عمر بن الخطاب ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : ( علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن ) وكذا روى العوفي عن ابن عباس .
وقال موسى بن عقبة ، عن كريب ، عن ابن عباس ، قال : إن الناس كانوا قبل أن ينزل في الصوم ما نزل فيهم يأكلون ويشربون ، ويحل لهم شأن النساء ، فإذا نام أحدهم لم يطعم ولم يشرب ولا يأتي أهله حتى يفطر من القابلة ، فبلغنا أن عمر بن الخطاب بعدما نام ووجب عليه الصوم وقع على أهله ، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أشكو إلى الله وإليك الذي صنعت . قال : " وماذا صنعت ؟ " قال : إني سولت لي نفسي ، فوقعت على أهلي بعد ما نمت وأنا أريد الصوم . فزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما كنت خليقا أن تفعل " . فنزل الكتاب : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم )
وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قيس بن سعد ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة في قول الله تعالى ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) إلى قوله : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) قال : كان المسلمون قبل أن تنزل هذه الآية إذا صلوا العشاء الآخرة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء حتى يفطروا ، وإن عمر بن الخطاب أصاب أهله بعد صلاة العشاء ، وأن صرمة بن قيس الأنصاري غلبته عينه بعد صلاة المغرب ، فنام ولم يشبع من الطعام ، ولم يستيقظ حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ، فقام فأكل وشرب ، فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك ، فأنزل الله عند ذلك : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) يعني بالرفث : مجامعة النساء ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ) يعني : تجامعون النساء ، وتأكلون وتشربون بعد العشاء ( فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن ) يعني : جامعوهن ( وابتغوا ما كتب الله لكم ) يعني : الولد ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ) فكان ذلك عفوا من الله ورحمة .
وقال هشيم ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : قام عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، فقال : يا رسول الله ، إني أردت أهلي البارحة على ما يريد الرجل أهله فقالت : إنها قد نامت ، فظننتها تعتل ، فواقعتها ، فنزل في عمر : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم )
وهكذا رواه شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن ابن أبي ليلى ، به .
وقال أبو جعفر بن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا سويد ، أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن لهيعة ، حدثني موسى بن جبير مولى بني سلمة أنه سمع عبد الله بن كعب بن مالك يحدث عن أبيه قال : كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام ، حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد . فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد سمر عنده ، فوجد امرأته قد نامت ، فأرادها ، فقالت : إني قد نمت ! فقال : ما نمت ! ثم وقع بها . وصنع كعب بن مالك مثل ذلك . فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فأنزل الله : ( علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن ) [ الآية ] .
وهكذا روي عن مجاهد ، وعطاء ، وعكرمة ، والسدي ، وقتادة ، وغيرهم في سبب نزول هذه الآية في عمر بن الخطاب ومن صنع كما صنع ، وفي صرمة بن قيس ; فأباح الجماع والطعام والشراب في جميع الليل رحمة ورخصة ورفقا .
وقوله : ( وابتغوا ما كتب الله لكم ) قال أبو هريرة ، وابن عباس وأنس ، وشريح القاضي ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والربيع بن أنس ، والسدي ، وزيد بن أسلم ، والحكم بن عتبة ومقاتل بن حيان ، والحسن البصري ، والضحاك ، وقتادة ، وغيرهم : يعني الولد .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ( وابتغوا ما كتب الله لكم ) يعني : الجماع .
وقال عمرو بن مالك النكري ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس : ( وابتغوا ما كتب الله لكم ) قال : ليلة القدر . رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر قال : قال قتادة : وابتغوا الرخصة التي كتب الله لكم . وقال سعيد عن قتادة : ( وابتغوا ما كتب الله لكم ) يقول : ما أحل الله لكم .
وقال عبد الرزاق أيضا : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : قلت لابن عباس : كيف تقرأ هذه الآية : ( وابتغوا ) أو : " اتبعوا " ؟ قال : أيتهما شئت : عليك بالقراءة الأولى .
واختار ابن جرير أن الآية أعم من هذا كله .
وقوله : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ) أباح تعالى الأكل والشرب ، مع ما تقدم من إباحة الجماع في أي الليل شاء الصائم إلى أن يتبين ضياء الصباح من سواد الليل ، وعبر عن ذلك بالخيط الأبيض من الخيط الأسود ، ورفع اللبس بقوله : ( من الفجر ) كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أبو عبد الله البخاري : حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف ، حدثني أبو حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : أنزلت : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ) ولم ينزل ( من الفجر ) وكان رجال إذا أرادوا الصوم ، ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ، فلا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما ، فأنزل الله بعد : ( من الفجر ) فعلموا أنما يعني : الليل والنهار .
وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، أخبرنا حصين ، عن الشعبي ، أخبرني عدي بن حاتم قال : لما نزلت هذه الآية : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ) عمدت إلى عقالين ، أحدهما أسود والآخر أبيض ، قال : فجعلتهما تحت وسادتي ، قال : فجعلت أنظر إليهما فلا تبين لي الأسود من الأبيض ، ولا الأبيض من الأسود ، فلما أصبحت غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعت . فقال : " إن وسادك إذا لعريض ، إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل " .
أخرجاه في الصحيحين من غير وجه ، عن عدي . ومعنى قوله : " إن وسادك إذا لعريض " أي : إن كان يسع لوضع الخيط الأسود والخيط الأبيض المرادين من هذه الآية تحتها ، فإنهما بياض النهار وسواد الليل . فيقتضي أن يكون بعرض المشرق والمغرب .
وهكذا وقع في رواية البخاري مفسرا بهذا : أخبرنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة ، عن حصين ، عن الشعبي ، عن عدي قال : أخذ عدي عقالا أبيض وعقالا أسود ، حتى كان بعض الليل نظر فلم يتبينا . فلما أصبح قال : يا رسول الله ، جعلت تحت وسادتي . قال : " إن وسادك إذا لعريض ، إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك " .
وجاء في بعض الألفاظ : إنك لعريض القفا . ففسره بعضهم بالبلادة ، وهو ضعيف . بل يرجع إلى هذا ; لأنه إذا كان وساده عريضا فقفاه أيضا عريض ، والله أعلم . ويفسره رواية البخاري أيضا :
حدثنا قتيبة ، حدثنا جرير ، عن مطرف ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله ، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، أهما الخيطان ؟ قال : " إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين " . ثم قال : " لا بل هو سواد الليل وبياض النهار " .
وفي إباحته تعالى جواز الأكل إلى طلوع الفجر ، دليل على استحباب السحور ; لأنه من باب الرخصة ، والأخذ بها محبوب ; ولهذا وردت السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحث على السحور [ لأنه من باب الرخصة والأخذ بها ] ففي الصحيحين عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تسحروا فإن في السحور بركة " . وفي صحيح مسلم ، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى هو ابن الطباع ، حدثنا عبد الرحمن بن زيد ، عن أبيه ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السحور أكله بركة ; فلا تدعوه ، ولو أن أحدكم يجرع جرعة من ماء ، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين " .
وقد ورد في الترغيب في السحور أحاديث كثيرة حتى ولو بجرعة من ماء ، تشبها بالآكلين . ويستحب تأخيره إلى قريب انفجار الفجر ، كما جاء في الصحيحين ، عن أنس بن مالك ، عن زيد بن ثابت ، قال : تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قمنا إلى الصلاة . قال أنس : قلت لزيد : كم كان بين الأذان والسحور ؟ قال : قدر خمسين آية .
وقال الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود ، حدثنا ابن لهيعة ، عن سالم بن غيلان ، عن سليمان بن أبي عثمان ، عن عدي بن حاتم الحمصي ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور " . وقد ورد في أحاديث كثيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه الغداء المبارك ، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، والنسائي ، وابن ماجه من رواية حماد بن سلمة ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زر بن حبيش ، عن حذيفة بن اليمان قال : تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان النهار إلا أن الشمس لم تطلع . وهو حديث تفرد به عاصم بن أبي النجود ، قاله النسائي ، وحمله على أن المراد قرب النهار ، كما قال تعالى : ( فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ) [ الطلاق : 2 ] أي : قاربن انقضاء العدة ، فإما إمساك أو ترك للفراق . وهذا الذي قاله هو المتعين حمل الحديث عليه : أنهم تسحروا ولم يتيقنوا طلوع الفجر ، حتى أن بعضهم ظن طلوعه وبعضهم لم يتحقق ذلك . وقد روي عن طائفة كثيرة من السلف أنهم تسامحوا في السحور عند مقاربة الفجر . روي مثل هذا عن أبي بكر ، وعمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وأبي هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس ، وزيد بن ثابت وعن طائفة كثيرة من التابعين ، منهم : محمد بن علي بن الحسين ، وأبو مجلز ، وإبراهيم النخعي ، وأبو الضحى ، وأبو وائل ، وغيره من أصحاب ابن مسعود وعطاء ، والحسن ، والحكم بن عيينة ومجاهد ، وعروة بن الزبير ، وأبو الشعثاء جابر بن زيد . وإليه ذهب الأعمش ومعمر بن راشد . وقد حررنا أسانيد ذلك في كتاب الصيام المفرد ، ولله الحمد .
وحكى أبو جعفر بن جرير في تفسيره ، عن بعضهم : أنه إنما يجب الإمساك من طلوع الشمس كما يجوز الإفطار بغروبها .
قلت : وهذا القول ما أظن أحدا من أهل العلم يستقر له قدم عليه ، لمخالفته نص القرآن في قوله : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ) وقد ورد في الصحيحين من حديث القاسم ، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يمنعكم أذان بلال عن سحوركم ، فإنه ينادي بليل ، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر " . لفظ البخاري .
وقال الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود ، حدثنا محمد بن جابر ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس الفجر المستطيل في الأفق ولكنه المعترض الأحمر " . ورواه أبو داود ، والترمذي ولفظهما : " كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد ، فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر " .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا شعبة ، عن شيخ من بني قشير : سمعت سمرة بن جندب يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يغرنكم نداء بلال وهذا البياض حتى ينفجر الفجر ، أو يطلع الفجر " .
ثم رواه من حديث شعبة وغيره ، عن سوادة بن حنظلة ، عن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ، ولكن الفجر المستطير في الأفق " .
قال : وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، عن عبد الله بن سوادة القشيري ، عن أبيه ، عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض ، لعمود الصبح حتى يستطير " .
ورواه مسلم في صحيحه عن زهير بن حرب ، عن إسماعيل بن إبراهيم يعني بن علية مثله سواء .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا ابن المبارك ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يمنعن أحدكم أذان بلال عن سحوره أو قال نداء بلال فإن بلالا يؤذن أو [ قال ] ينادي لينبه نائمكم وليرجع قائمكم ، وليس الفجر أن يقول هكذا أو هكذا ، حتى يقول هكذا " .
ورواه من وجه آخر عن التيمي ، به .
وحدثني الحسن بن الزبرقان النخعي ، حدثنا أبو أسامة عن محمد بن أبي ذئب ، عن الحارث بن عبد الرحمن ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الفجر فجران ، فالذي كأنه ذنب السرحان لا يحرم شيئا ، وأما المستطير الذي يأخذ الأفق ، فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام " . وهذا مرسل جيد .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء قال : سمعت ابن عباس يقول : هما فجران ، فأما الذي يسطع في السماء فليس يحل ولا يحرم شيئا ، ولكن الفجر الذي يستبين على رؤوس الجبال ، هو الذي يحرم الشراب . قال عطاء : فأما إذا سطع سطوعا في السماء ، وسطوعه أن يذهب في السماء طولا فإنه لا يحرم به شراب لصيام ولا صلاة ، ولا يفوت به حج ولكن إذا انتشر على رؤوس الجبال ، حرم الشراب للصيام وفات الحج .
وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس وعطاء ، وهكذا روي عن غير واحد من السلف ، رحمهم الله .
مسألة : ومن جعله تعالى الفجر غاية لإباحة الجماع والطعام والشراب لمن أراد الصيام ، يستدل على أنه من أصبح جنبا فليغتسل ، وليتم صومه ، ولا حرج عليه . وهذا مذهب الأئمة الأربعة وجمهور العلماء سلفا وخلفا ، لما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة وأم سلمة ، رضي الله عنهما ، أنهما قالتا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع غير احتلام ، ثم يغتسل ويصوم . وفي حديث أم سلمة عندهما : ثم لا يفطر ولا يقضي . وفي صحيح مسلم ، عن عائشة : أن رجلا قال : يا رسول الله ، تدركني الصلاة وأنا جنب ، فأصوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب ، فأصوم " . فقال : لست مثلنا يا رسول الله ، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر . فقال : " والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي " . فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد :
حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا نودي للصلاة صلاة الصبح وأحدكم جنب فلا يصم يومئذ " فإنه حديث جيد الإسناد على شرط الشيخين ، كما ترى وهو في الصحيحين عن أبي هريرة ، عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي سنن النسائي عنه ، عن أسامة بن زيد ، والفضل بن عباس ولم يرفعه . فمن العلماء من علل هذا الحديث بهذا ، ومنهم من ذهب إليه ، ويحكى هذا عن أبي هريرة ، وسالم ، وعطاء ، وهشام بن عروة ، والحسن البصري . ومنهم من ذهب إلى التفرقة بين أن يصبح جنبا نائما فلا عليه ، لحديث عائشة وأم سلمة ، أو مختارا فلا صوم له ، لحديث أبي هريرة . يحكى هذا عن عروة ، وطاوس ، والحسن . ومنهم من فرق بين الفرض فيتمه ويقضيه وأما النفل فلا يضره . رواه الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم النخعي . وهو رواية عن الحسن البصري أيضا ، ومنهم من ادعى نسخ حديث أبي هريرة بحديثي عائشة وأم سلمة ، ولكن لا تاريخ معه .
وادعى ابن حزم أنه منسوخ بهذه الآية الكريمة ، وهو بعيد أيضا ، وأبعد ; إذ لا تاريخ ، بل الظاهر من التاريخ خلافه . ومنهم من حمل حديث أبي هريرة على نفي الكمال " فلا صوم له " لحديث عائشة وأم سلمة الدالين على الجواز . وهذا المسلك أقرب الأقوال وأجمعها ، والله أعلم .
وقوله تعالى : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) يقتضي الإفطار عند غروب الشمس حكما شرعيا ، كما جاء في الصحيحين ، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا ، فقد أفطر الصائم " .
وعن سهل بن سعد الساعدي ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " أخرجاه أيضا .
وقال الإمام أحمد : حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا قرة بن عبد الرحمن ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله ، عز وجل : إن أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا " .
ورواه الترمذي من غير وجه ، عن الأوزاعي ، به . وقال : هذا حديث حسن غريب .
وقال أحمد أيضا : حدثنا عفان ، حدثنا عبيد الله بن إياد ، سمعت إياد بن لقيط قال : سمعت ليلى امرأة بشير بن الخصاصية ، قالت : أردت أن أصوم يومين مواصلة ، فمنعني بشير وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه . وقال : " يفعل ذلك النصارى ، ولكن صوموا كما أمركم الله ، وأتموا الصيام إلى الليل ، فإذا كان الليل فأفطروا " .
[ وروى الحافظ ابن عساكر ، حدثنا بكر بن سهل ، حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا يحيى بن حمزة ، عن ثور بن يزيد ، عن علي بن أبي طلحة ، عن عبد الملك بن أبي ذر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصل يومين وليلة ; فأتاه جبريل فقال : إن الله قد قبل وصالك ، ولا يحل لأحد بعدك ، وذلك بأن الله قال : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) فلا صيام بعد الليل ، وأمرني بالوتر قبل الفجر ، وهذا إسناد لا بأس به ، أورده في ترجمة عبد الملك بن أبي ذر في تاريخه ] .
ولهذا ورد في الأحاديث الصحيحة النهي عن الوصال ، وهو أن يصل صوم يوم بيوم آخر ، ولا يأكل بينهما شيئا . قال الإمام أحمد :
حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تواصلوا " . قالوا : يا رسول الله ، إنك تواصل . قال : " فإني لست مثلكم ، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني " . قال : فلم ينتهوا عن الوصال ، فواصل بهم النبي صلى الله عليه وسلم يومين وليلتين ، ثم رأوا الهلال ، فقال : " لو تأخر الهلال لزدتكم " كالمنكل بهم .
وأخرجاه في الصحيحين ، من حديث الزهري به . وكذلك أخرجا النهي عن الوصال من حديث أنس وابن عمر .
وعن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال ، رحمة لهم ، فقالوا : إنك تواصل . قال : " إني لست كهيئتكم ، إني يطعمني ربي ويسقيني " .
فقد ثبت النهي عنه من غير وجه ، وثبت أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه كان يقوى على ذلك ويعان ، والأظهر أن ذلك الطعام والشراب في حقه إنما كان معنويا لا حسيا ، وإلا فلا يكون مواصلا مع الحسي ، ولكن كما قال الشاعر :
لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد
وأما من أحب أن يمسك بعد غروب الشمس إلى وقت السحر فله ذلك ، كما في حديث أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تواصلوا ، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر " . قالوا : فإنك تواصل يا رسول الله . قال : " إني لست كهيئتكم ، إني أبيت لي مطعم يطعمني ، وساق يسقيني " . أخرجاه في الصحيحين أيضا .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا أبو إسرائيل العبسي عن أبي بكر بن حفص ، عن أم ولد حاطب بن أبي بلتعة : أنها مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر ، فدعاها إلى الطعام . فقالت : إني صائمة . قال : وكيف تصومين ؟ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أين أنت من وصال آل محمد ، من السحر إلى السحر " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، عن محمد بن علي ، عن علي : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل من السحر إلى السحر .
وقد روى ابن جرير ، عن عبد الله بن الزبير وغيره من السلف ، أنهم كانوا يواصلون الأيام المتعددة [ وقد روى ابن جرير عن عبد الله بن الزبير وغيره من السلف ] وحمله منهم على أنهم كانوا يفعلون ذلك رياضة لأنفسهم ، لا أنهم كانوا يفعلونه عبادة . والله أعلم . ويحتمل أنهم كانوا يفهمون من النهي أنه إرشاد ، [ أي ] من باب الشفقة ، كما جاء في حديث عائشة : " رحمة لهم " ، فكان ابن الزبير وابنه عامر ومن سلك سبيلهم يتجشمون ذلك ويفعلونه ، لأنهم كانوا يجدون قوة عليه . وقد ذكر عنهم أنهم كانوا أول ما يفطرون على السمن والصبر لئلا تتخرق الأمعاء بالطعام أولا . وقد روي عن ابن الزبير أنه كان يواصل سبعة أيام ويصبح في اليوم السابع أقواهم وأجلدهم . وقال أبو العالية : إنما فرض الله الصيام بالنهار فإذا جاء بالليل فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل .
وقوله تعالى : ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هذا في الرجل يعتكف في المسجد في رمضان أو في غير رمضان ، فحرم الله عليه أن ينكح النساء ليلا ونهارا حتى يقضي اعتكافه .
وقال الضحاك : كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد ، جامع إن شاء ، فقال الله تعالى : ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) أي : لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في المسجد ولا في غيره . وكذا قال مجاهد ، وقتادة وغير واحد إنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت هذه الآية .
قال ابن أبي حاتم : وروي عن ابن مسعود ، ومحمد بن كعب ، ومجاهد ، وعطاء ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك والسدي ، والربيع بن أنس ، ومقاتل ، قالوا : لا يقربها وهو معتكف . وهذا الذي حكاه عن هؤلاء هو الأمر المتفق عليه عند العلماء : أن المعتكف يحرم عليه النساء ما دام معتكفا في مسجده ، ولو ذهب إلى منزله لحاجة لا بد له منها فلا يحل له أن يتلبث فيه إلا بمقدار ما يفرغ من حاجته تلك ، من قضاء الغائط ، أو أكل ، وليس له أن يقبل امرأته ، ولا يضمها إليه ، ولا يشتغل بشيء سوى اعتكافه ، ولا يعود المريض ، لكن يسأل عنه وهو مار في طريقه .
وللاعتكاف أحكام مفصلة في بابه ، منها ما هو مجمع عليه بين العلماء ، ومنها ما هو مختلف فيه . وقد ذكرنا قطعة صالحة من ذلك في آخر كتاب الصيام ، ولله الحمد .
ولهذا كان الفقهاء المصنفون يتبعون كتاب الصيام بكتاب الاعتكاف ، اقتداء بالقرآن العظيم ، فإنه نبه على ذكر الاعتكاف بعد ذكر الصوم . وفي ذكره تعالى الاعتكاف بعد الصيام إرشاد وتنبيه على الاعتكاف في الصيام ، أو في آخر شهر الصيام ، كما ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان ، حتى توفاه الله ، عز وجل . ثم اعتكف أزواجه من بعده . أخرجاه من حديث عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، وفي الصحيحين أن صفية بنت حيي كانت تزور النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف في المسجد ، فتحدثت عنده ساعة ، ثم قامت لترجع إلى منزلها وكان ذلك ليلا فقام النبي صلى الله عليه وسلم ليمشي معها حتى تبلغ دارها ، وكان منزلها في دار أسامة بن زيد في جانب المدينة ، فلما كان ببعض الطريق لقيه رجلان من الأنصار ، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا وفي رواية : تواريا أي حياء من النبي صلى الله عليه وسلم لكون أهله معه ، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم : " على رسلكما إنها صفية بنت حيي " أي : لا تسرعا ، واعلما أنها صفية بنت حيي ، أي : زوجتي . فقالا سبحان الله يا رسول الله ، فقال عليه الصلاة والسلام : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا " أو قال : " شرا " .
قال الشافعي ، رحمه الله : أراد ، عليه السلام ، أن يعلم أمته التبري من التهمة في محلها ، لئلا يقعا في محذور ، وهما كانا أتقى لله أن يظنا بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئا . والله أعلم .
ثم المراد بالمباشرة : إنما هو الجماع ودواعيه من تقبيل ، ومعانقة ونحو ذلك ، فأما معاطاة الشيء ونحوه فلا بأس به ; فقد ثبت في الصحيحين ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه فأرجله وأنا حائض ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان . قالت عائشة : ولقد كان المريض يكون في البيت فما أسأل عنه إلا وأنا مارة .
وقوله : ( تلك حدود الله ) أي : هذا الذي بيناه ، وفرضناه ، وحددناه من الصيام ، وأحكامه ، وما أبحنا فيه وما حرمنا ، وذكر غاياته ورخصه وعزائمه ، حدود الله ، أي : شرعها الله وبينها بنفسه ( فلا تقربوها ) أي : لا تجاوزوها ، وتعتدوها .
وكان الضحاك ومقاتل يقولان في قوله تعالى : ( تلك حدود الله ) أي : المباشرة في الاعتكاف .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني هذه الحدود الأربعة ، ويقرأ ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) حتى بلغ : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) قال : وكان أبي وغيره من مشيختنا يقولون هذا ويتلونه علينا .
( كذلك يبين الله آياته للناس ) أي : كما بين الصيام وأحكامه وشرائعه وتفاصيله ، كذلك يبين سائر الأحكام على لسان عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ( للناس لعلهم يتقون ) أي : يعرفون كيف يهتدون ، وكيف يطيعون كما قال تعالى : ( هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور [ وإن الله بكم لرءوف رحيم ) ] . [ الحديد : 9 ] .
أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم
القول في تأويل قوله تعالى : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } يعني تعالى ذكره بقوله : { أحل لكم } أطلق لكم وأبيح . ويعني بقوله : { ليلة الصيام } في ليلة الصيام . فأما الرفث فإنه كناية عن الجماع في هذا الموضع , يقال : هو الرفث والرفوث . وقد روي أنها في قراءة عبد الله : { وأحل لكم ليلة الصيام الرفوث إلى نسائكم } وبمثل الذي قلنا في تأويل الرفث قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 2396 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري , قال : ثنا أيوب بن سويد , عن سفيان , عن عاصم , عن بكر عن عبد الله المزني , عن ابن عباس قال : الرفث : الجماع , ولكن الله كريم يكني . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن عاصم , عن بكر , عن ابن عباس , مثله . * - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قال : الرفث : النكاح . 2397 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , قال : الرفث : غشيان النساء . 2398 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } قال : الجماع . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . * - حدثني المثنى , قال : حدثنا أبو صالح , قال : حدثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قال : الرفث : هو النكاح . 2399 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال ثنا عبد الكبير البصري , قال : ثنا الضحاك بن عثمان , قال : سألت سالم بن عبد الله عن قوله : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } قال : هو الجماع . 2400 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } يقول : الجماع . والرفث في غير هذا الموضع الإفحاش في المنطق كما قال العجاج : عن اللغا ورفث التكلمهن لباس لكم وأنتم لباس لهن
القول في تأويل قوله تعالى : { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } يعني تعالى ذكره بذلك : نساؤكم لباس لكم , وأنتم لباس لهن . فإن قال قائل : وكيف يكون نساؤنا لباسا لنا ونحن لهن لباسا واللباس إنما هو ما لبس ؟ قيل : لذلك وجهان من المعاني : أحدهما أن يكون كل واحد منهما جعل لصاحبه لباسا , لتخرجهما عند النوم واجتماعهما في ثوب واحد وانضمام جسد كل واحد منهما لصاحبه بمنزلة ما يلبسه على جسده من ثيابه , فقيل لكل واحد منهما هو لباس لصاحبه , كما قال نابغة بني جعدة : إذا ما الضجيع ثنى عطفها تداعت فكانت عليه لباسا ويروى " تثنت " فكنى عن اجتماعهما متجردين في فراش واحد باللباس كما يكنى بالثياب عن جسد الإنسان , كما قالت ليلى وهي تصف إبلا ركبها قوم : رموها بأثواب خفاف فلا ترى لها شبها إلا النعام المنفرا يعني رموها بأنفسهم فركبوها . وكما قال الهذلي . تبرأ من دم القتيل ووتره وقد علقت دم القتيل إزارها يعني بإزارها نفسها . وبذلك كان الربيع يقول : 2401 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الرحمن بن سعيد , قال : ثنا أبو جعفر , عن الربيع : { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } يقول : هن لحاف لكم , وأنتم لحاف لهن . والوجه الآخر أن يكون جعل كل واحد منهما لصاحبه لباسا لأنه سكن له , كما قال جل ثناؤه : { جعل لكم الليل لباسا } 25 47 يعني بذلك سكنا تسكنون فيه . وكذلك زوجة الرجل سكنه يسكن إليها , كما قال تعالى ذكره : { وجعل منها زوجها ليسكن إليها } 7 189 فيكون كل واحد منهما لباسا لصاحبه , بمعنى سكونه إليه , وبذلك كان مجاهد وغيره يقولون في ذلك . وقد يقال لما ستر الشيء وواراه عن أبصار الناظرين إليه هو لباسه وغشاؤه , فجائز أن يكون قيل : هن لباس لكم , وأنتم لباس لهن , بمعنى أن كل واحد منكم ستر لصاحبه فيما يكون بينكم من الجماع عن أبصار سائر الناس . وكان مجاهد وغيره يقولون في ذلك بما : 2402 - حدثنا به المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } يقول : سكن لهن . 2403 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } قال قتادة : هن سكن لكم , وأنتم سكن لهن . 2404 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { هن لباس لكم } يقول : سكن لكم , { وأنتم لباس لهن } يقول : سكن لهن . 2405 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال عبد الرحمن بن زيد في قوله : { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } قال : المواقعة . 2406 - حدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا إبراهيم , عن يزيد , عن عمرو بن دينار , عن ابن عباس قوله : { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } قال : هن سكن لكم , وأنتم سكن لهن .علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن
القول في تأويل قوله تعالى : { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن } إن قال لنا قائل : وما هذه الخيانة التي كان القوم يختانونها أنفسهم التي تاب الله منها عليهم فعفا عنهم ؟ قيل : كانت خيانتهم أنفسهم التي ذكرها الله في شيئين : أحدهما جماع النساء , والآخر : المطعم والمشرب في الوقت الذي كان حراما ذلك عليهم . كما : 2407 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن عمرو بن مرة , قال : ثنا ابن أبي ليلى : أن الرجل كان إذا أفطر فنام لم يأتها , وإذا نام لم يطعم , حتى جاء عمر بن الخطاب يريد امرأته فقالت امرأته : قد كنت نمت ! فظن أنها تعتل فوقع بها قال : وجاء رجل من الأنصار فأراد أن يطعم فقالوا : نسخن لك شيئا ؟ قال : ثم نزلت هذه الآية : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } الآية . 2408 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن إدريس , قال : ثنا حصين بن عبد الرحمن , عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر , فلما دخل رمضان كانوا يصومون , فإذا لم يأكل الرجل عند فطره حتى ينام لم يأكل إلى مثلها , وإن نام أو نامت امرأته لم يكن له أن يأتيها إلى مثلها . فجاء شيخ من الأنصار يقال له صرمة بن مالك , فقال لأهله : أطعموني ! فقالت : حتى أجعل لك شيئا سخنا , قال : فغلبته عينه فنام . ثم جاء عمر فقالت له امرأته : إني قد نمت ! فلم يعذرها وظن أنها تعتل فواقعها . فبات هذا وهذا يتقلبان ليلتهما ظهرا وبطنا , فأنزل الله في ذلك : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } وقال : { فالآن باشروهن } فعفا الله عن ذلك . وكانت سنة . 2409 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا يونس بن بكير , قال : ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة , عن عمرو بن مرة , عن عبد الرحمن بن أبي ليلى , عن معاذ بن جبل , قال : كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا , فإذا ناموا تركوا الطعام والشراب وإتيان النساء , فكان رجل من الأنصار يدعى أبا صرمة يعمل في أرض له , قال : فلما كان عند فطره نام , فأصبح صائما قد جهد , فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما لي أرى بك جهدا " ؟ , فأخبره بما كان من أمره . واختان رجل نفسه في شأن النساء , فأنزل الله { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } . .. إلى آخر الآية . 2410 - حدثنا سفيان بن وكيع , قال : حدثني أبي , عن إسرائيل , عن أبي إسحاق , عن البراء - نحو حديث ابن أبي ليلى الذي حدث به عمرو بن مرة , عن عبد الرحمن بن أبي ليلى - قال : كانوا إذا صاموا ونام أحدهم لم يأكل شيئا حتى يكون من الغد , فجاء رجل من الأنصار , وقد عمل في أرض له وقد أعيا وكل , فغلبته عينه ونام , وأصبح من الغد مجهودا , فنزلت هذه الآية : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } . 2411 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن رجاء البصري , قال : ثنا إسرائيل , عن أبي إسحاق , عن البراء , قال : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فنام قبل أن يفطر لم يأكل إلى مثلها , وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما , وكان توجه ذلك اليوم فعمل في أرضه , فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال : هل عندكم طعام ؟ قالت : لا , ولكن أنطلق فأطلب لك . فغلبته عينه فنام , وجاءت امرأته قالت : قد نمت ! فلم ينتصف النهار حتى غشي عليه , فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم , فنزلت فيه هذه الآية : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } إلى : { من الخيط الأسود } ففرحوا بها فرحا شديدا . 2412 - حدثني المثنى قال : ثنا أبو صالح , قال : ثنا معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس في قول الله تعالى ذكره : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة , ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا الطعام والنساء في رمضان بعد العشاء , منهم عمر بن الخطاب , فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأنزل الله : { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن } يعني انكحوهن { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } . 2413 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن ابن لهيعة , قال : حدثني موسى بن جبير مولى بني سلمة أنه سمع عبد الله بن كعب بن مالك يحدث عن أبيه قال : كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد . فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد سمر عنده , فوجد امرأته قد نامت فأرادها , فقالت : إني قد نمت ! فقال : ما نمت ! ثم وقع بها , وصنع كعب بن مالك مثل ذلك . فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره , فأنزل الله تعالى ذكره : { علم الله أنكم كنتم تختالون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن } . .. الآية . 2414 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا حماد بن سلمة , قال : ثنا ثابت : أن عمر بن الخطاب واقع أهله ليلة في رمضان , فاشتد ذلك عليه , فأنزل الله : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } . 2415 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } إلى : { وعفا عنكم } كان الناس أول ما أسلموا إذا صام أحدهم يصوم يومه , حتى إذا أمسى طعم من الطعام فيما بينه وبين العتمة , حتى إذا صليت حرم عليهم الطعام حتى يمسي من الليلة القابلة . وإن عمر بن الخطاب بينما هو نائم , إذ سولت له نفسه , فأتى أهله لبعض حاجته , فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه كأشد ما رأيت من الملامة . ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنى أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة , فانها زينت لي فواقعت أهلي , هل تجد لي من رخصة يا رسول الله ؟ قال : " لم تكن حقيقا بذلك يا عمر " , فلما بلغ بيته , أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن , وأمر الله رسوله أن يضعها في المائة الوسطى من سورة البقرة , فقال : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } إلى { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } يعني بذلك الذي فعل عمر بن الخطاب . فأنزل الله عفوه , فقال : { فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن } إلى : { من الخيط الأسود } فأحل لهم المجامعة والأكل والشرب حتى يتبين لهم الصبح . 2416 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } قال : كان الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يصوم الصيام بالنهار , فإذا أمسى أكل وشرب وجامع النساء , فإذا رقد حرم ذلك كله عليه إلى مثلها من القابلة . وكان منهم رجال يختانون أنفسهم في ذلك , فعفا الله عنهم , وأحل ذلك لهم بعد الرقاد وقبله في الليل كله . 2417 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصوم الصائم في رمضان , فإذا أمسى , ثم ذكر نحو حديث محمد بن عمرو وزاد فيه : وكان منهم رجال يختانون أنفسهم , وكان عمر بن الخطاب ممن اختان نفسه , فعفا الله عنهم , وأحل ذلك لهم بعد الرقاد وقبله , وفي الليل كله . 2418 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , قال : أخبرني إسماعيل بن شروس , عن عكرمة مولى ابن عباس : أن رجلا قد سماه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار جاء ليلة وهو صائم , فقالت له امرأته : لا تنم حتى نصنع لك طعاما ! فنام , فجاءت فقالت : نمت والله ! فقال : لا والله ! قالت : بلى والله ! فلم يأكل تلك الليلة وأصبح صائما , فغشي عليه ; فأنزلت الرخصة فيه . 2419 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } وكان بدء الصيام أمروا بثلاثة أيام من كل شهر ركعتين غدوة , وركعتين عشية , فأحل الله لهم في صيامهم - في ثلاثة أيام , وفي أول ما افترض عليهم في رمضان - إذا أفطروا وكان الطعام والشراب وغشيان النساء لهم حلالا ما لم يرقدوا , فإذا رقدوا حرم عليهم ذلك إلى مثلها من القابلة . وكانت خيانة القوم أنهم كانوا يصيبون أو ينالون من الطعام والشراب وغشيان النساء بعد الرقاد , وكانت تلك خيانة القوم أنفسهم , ثم أحل الله لهم ذلك الطعام والشراب وغشيان النساء إلى طلوع الفجر . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } قال : كان الناس قبل هذه الآية إذا رقد أحدهم من الليل رقدة , لم يحل له طعام ولا شراب , ولا أن يأتي امرأته إلى الليلة المقبلة , فوقع بذلك بعض المسلمين , فمنهم من أكل بعد هجعته أو شرب , ومنهم من وقع على امرأته فرخص الله ذلك لهم . 2420 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : كتب على النصارى رمضان , وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ولا ينكحوا النساء شهر رمضان , فكتب على المؤمنين كما كتب عليهم , فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى , حتى أقبل رجل من الأنصار يقال له أبو قيس بن صرمة , وكان يعمل في حيطان المدينة بالأجر , فأتى أهله بتمر , فقال لامرأته : استبدلي بهذا التمر طحينا فاجعليه سخينة لعلي أن آكله , فإن التمر قد أحرق جوفي , فانطلقت فاستبدلت له , ثم صنعت , فأبطأت عليه فنام , فأيقظته , فكره أن يعصي الله ورسوله , وأبى أن يأكل , وأصبح صائما ; فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشي , فقال : " ما لك يا أبا قيس أمسيت طليحا " , فقص عليه القصة . وكان عمر بن الخطاب وقع على جارية له في ناس من المؤمنين لم يملكوا أنفسهم ; فلما سمع عمر كلام أبي قيس رهب أن ينزل في أبي قيس شيء , فتذكر هو , فقام فاعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال : يا رسول الله إني أعوذ بالله إني وقعت على جاريتي , ولم أملك نفسي البارحة ! فلما تكلم عمر تكلم أولئك الناس , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما كنت جديرا بذلك يا ابن الخطاب " , فنسخ ذلك عنهم , فقال : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن , علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } يقول : إنكم تقعون عليهن خيانة , { فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم } يقول : جامعوهن ; ورجع إلى أبي قيس فقال : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } . 2421 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } قال : كانوا في رمضان لا يمسون النساء ولا يطعمون ولا يشربون بعد أن يناموا حتى الليل من القابلة , فإن مسوهن قبل أن يناموا لم يروا بذلك بأسا . فأصاب رجل من الأنصار امرأته بعد أن نام , فقال : قد اختنت نفسي ! فنزل القرآن , فأحل لهم النساء والطعام والشراب حتى يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر . قال : وقال مجاهد : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يصوم الصائم منهم في رمضان , فإذا أمسى أكل وشرب وجامع النساء , فإذا رقد حرم عليه ذلك كله حتى كمثلها من القابلة , وكان منهم رجاله يختانون أنفسهم في ذلك . فعفا عنهم وأحل لهم بعد الرقاد وقبله في الليل , فقال : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } . .. الآية . 2422 - حدثني القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن عكرمة أنه قال في هذه الآية : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } مثل قول مجاهد , وزاد فيه : أن عمر بن الخطاب قال لامرأته : لا ترقدي حتى أرجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فرقدت قبل أن يرجع , فقال لها : ما أنت براقدة ! ثم أصابها حتى جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له , فنزلت هذه الآية . قال عكرمة : نزلت { وكلوا واشربوا } الآية في أبي قيس بن صرمة من بني الخزرج أكل بعد الرقاد . 2423 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا حماد , قال : أخبرنا محمد بن إسحاق , عن محمد بن يحيى بن حبان أن صرمة بن أنس أتى أهله ذات ليلة وهو شيخ كبير وهو صائم , فلم يهيئوا له طعاما , فوضع رأسه فأغفى , وجاءته امرأته بطعامه , فقالت له : كل ! فقال : إني قد نمت , قالت : إنك لم تنم ! فأصبح جائعا مجهودا , فأنزل الله : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } فأما المباشرة في كلام العرب : فإنه ملاقاة بشرة ببشرة , وبشرة الرجل : جلدته الظاهرة . وإنما كنى الله بقوله : { فالآن باشروهن } عن الجماع : يقول : فالآن إذا أحللت لكم الرفث إلى نسائكم فجامعوهن في ليالي شهر رمضان حتى يطلع الفجر , وهي تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر , وبالذي قلنا في المباشرة قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 2424 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا سفيان . وحدثنا عبد الحميد بن سنان , قال : حدثنا إسحاق , عن سفيان . وحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم , قال : ثنا أيوب بن سويد , عن سفيان , عن عاصم , عن بكر بن عبد الله المزني , عن ابن عباس , قال : المباشرة : الجماع , ولكن الله كريم يكني . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن عاصم , عن بكر بن عبد الله المزني , عن ابن عباس نحوه . * - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , ثنا معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { فالآن باشروهن } انكحوهن . * - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قال : المباشرة : النكاح . 2425 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قلت لعطاء قوله : { فالآن باشروهن } قال : الجماع , وكل شيء في القرآن من ذكر المباشرة فهو الجماع نفسه , وقالها عبد الله بن كثير مثل قول عطاء في الطعام والشراب والنساء . * - حدثنا حميد بن مسعدة قال : ثنا يزيد بن زريع قال : وحدثنا ابن بشار , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال : المباشرة الجماع , ولكن الله يكني ما شاء بما شاء . * - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : حدثنا هشيم , قال أبو بشر : أخبرنا , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس مثله . 2426 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { فالآن باشروهن } يقول : جامعوهن . 2427 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : المباشرة : الجماع . 2428 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن ابن جريج , عن عطاء , مثله . * - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن الأوزاعي , قال : حدثني عبدة بن أبي لبابة , قال : سمعت مجاهدا يقول : المباشرة في كتاب الله : الجماع . * - حدثنا ابن البرقي , ثنا عمرو بن أبي سلمة , قال : قال الأوزاعي : ثنا من سمع مجاهدا يقول : المباشرة في كتاب الله الجماع .وابتغوا ما كتب الله لكم
واختلفوا في تأويل قوله { وابتغوا ما كتب الله لكم } فقال بعضهم : الولد . ذكر من قال ذلك : 2429 - حدثني عبدة بن عبد الله الصفار البصري , قال : ثنا إسماعيل بن زياد الكاتب , عن شعبة , عن الحكم , عن مجاهد : { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال : الولد . 2430 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا سهل بن يوسف وأبو داود , عن شعبة قال : سمعت الحكم : { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال : الولد . 2431 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا أبو تميلة , قال : ثنا عبيد الله , عن عكرمة قوله : { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال : الولد . 2432 - حدثني علي بن سهل , قال : ثنا مؤمل , ثنا أبو مردود بحر بن موسى قال : سمعت الحسن بن أبي الحسن يقول في هذه الآية : { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال : الولد . 2433 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وابتغوا ما كتب الله لكم } فهو الولد . 2434 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثنا أبي , قال : ثنا عمي , قال : ثنا أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { وابتغوا ما كتب الله لكم } يعني الولد . 2435 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثني عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال : الولد , فإن لم تلد هذه فهذه . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد بنحوه . * - حدثنا الحسن بن يحيى , أخبرنا عبد الرزاق , أخبرنا معمر , عمن سمع الحسن في قوله : { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال : هو الولد . 2436 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال : ما كتب لكم من الولد . 2437 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال : الجماع . 2438 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : ثنا الفضل بن خالد , قال : ثنا عبيد بن سلمان , قال : سمعت الضحاك بن مزاحم قوله : { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال : الولد . وقال بعضهم : معنى ذلك ليلة القدر . ذكر من قال ذلك : 2439 - حدثنا أبو هشام الرفاعي , قال : ثنا معاذ بن هشام , قال : ثني أبي عن عمرو بن مالك , عن أبي الجوزاء عن ابن عباس : { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال : ليلة القدر . قال أبو هشام : هكذا قرأها معاذ . * - حدثني المثنى , قال : ثنا مسلم بن إبراهيم , قال : ثنا الحسن بن أبي جعفر , قال : ثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء , عن ابن عباس في قوله : { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال : ليلة القدر . وقال آخرون : بل معناه : ما أحله الله لكم ورخصه لكم . ذكر من قال ذلك : 2440 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { وابتغوا ما كتب الله لكم } يقول : ما أحله الله لكم . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , قال : قال قتادة في ذلك : ابتغوا الرخصة التي كتبت لكم . وقرأ ذلك بعضهم : { واتبعوا ما كتب الله لكم } ذكر من قال ذلك : 2441 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا ابن عيينة , عن عمرو بن دينار , عن عطاء بن أبي رباح , قال : قلت لابن عباس : كيف تقرأ هذه الآية : { وابتغوا } أو " واتبعوا " ؟ قال : أيتهما شئت . قال : عليك بالقراءة الأولى . والصواب من القول في تأويل ذلك عندي أن يقال : إن الله تعالى ذكره قال : { وابتغوا } بمعنى : اطلبوا ما كتب الله لكم , يعني الذي قضى الله تعالى لكم . وإنما يريد الله تعالى ذكره : اطلبوا الذي كتبت لكم في اللوح المحفوظ أنه يباح فيطلق لكم وطلب الولد إن طلبه الرجل بجماعه المرأة مما كتب الله له في اللوح المحفوظ , وكذلك إن طلب ليلة القدر , فهو مما كتب الله له , وكذلك إن طلب ما أحل الله وأباحه , فهو مما كتبه له في اللوح المحفوظ . وقد يدخل في قوله : { وابتغوا ما كتب الله لكم } جميع معاني الخير المطلوبة , غير أن أشبه المعاني بظاهر الآية قول من قال معناه : وابتغوا ما كتب الله لكم من الولد لأنه عقيب قوله : { فالآن باشروهن } بمعنى : جامعوهن ; فلأن يكون قوله : { وابتغوا ما كتب الله لكم } بمعنى : وابتغوا ما كتب الله في مباشرتكم إياهن من الود والنسل أشبه بالآية من غيره من التأويلات التي ليس على صحتها دلالة من ظاهر التنزيل , ولا خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم .وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر
القول في تأويل قوله تعالى : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } فقال بعضهم : يعني بقوله : الخيط الأبيض : ضوء النهار . وبقوله : الخيط الأسود : سواد الليل . فتأويله على قول قائل هذه المقالة : وكلوا بالليل في شهر صومكم , واشربوا , وباشروا نساءكم . مبتغين ما كتب الله لكم من الولد , من أول الليل إلى أن يقع لكم ضوء النهار بطلوع الفجر من ظلمة الليل وسواده . ذكر من قال ذلك : 2442 - حدثني الحسن بن عرفة , قال : ثنا روح بن عبادة , قال : ثنا أشعث , عن الحسن في قول الله تعالى ذكره : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } قال : الليل من النهار . 2443 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } قال : حتى يتبين لكم النهار من الليل . ثم أتموا الصيام إلى الليل . 2444 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } فهما علمان وحدان بينان فلا يمنعكم أذان مؤذن مراء أو قليل العقل من سحوركم فإنهم يؤذنون بهجيع من الليل طويل . وقد يرى بياض ما على السحر يقال له الصبح الكاذب كانت تسميه العرب , فلا يمنعكم ذلك من سحوركم , فإن الصبح لا خفاء به : طريقة معترضة في الأفق , وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الصبح , فإذا رأيتم ذلك فأمسكوا . 2445 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } يعني الليل من النهار . فأحل لكم المجامعة والأكل والشرب حتى يتبين لكم الصبح , فإذا تبين الصبح حرم عليهم المجامعة والأكل والشرب حتى يتموا الصيام إلى الليل . فأمر بصوم النهار إلى الليل , وأمر بالإفطار بالليل . 2446 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أبو بكر بن عياش , وقيل له : أرأيت قول الله تعالى : { الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } ؟ قال : " إنك لعريض القفا " , قال : هذا ذهاب الليل ومجيء النهار . قيل له : الشعبي عن عدي بن حاتم ؟ قال : نعم , حدثنا حصين . وعلة من قال هذه المقالة وتأول الآية هذا التأويل ما : 2447 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا حفص بن غياث , عن مجالد بن سعيد , عن الشعبي , عن عدي بن حاتم , قال : قلت يا رسول الله , قول الله : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } قال : " هو بياض النهار وسواد الليل " 2448 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن نمير وعبد الرحيم بن سليمان , عن مجالد , عن سعيد , عن عامر , عن عدي بن حاتم , قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمني الإسلام , ونعت لي الصلوات , كيف أصلي كل صلاة لوقتها , ثم قال : " إذا جاء رمضان فكل واشرب حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر , ثم أتم الصيام إلى الليل " , ولم أدر ما هو , ففعلت خيطين من أبيض وأسود , فنظرت فيهما عند الفجر , فرأيتهما سواء . فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله كل شيء أوصيتني قد حفظت , غير الخيط الأبيض من الخيط الأسود , قال : " وما منعك يا ابن حاتم ؟ " وتبسم كأنه قد علم ما فعلت . قلت : فتلت خيطين من أبيض وأسود فنظرت فيهما من الليل فوجدتهما سواء . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رئي نواجذه , ثم قال : " ألم أقل لك من الفجر ؟ إنما هو ضوء النهار وظلمة الليل " . * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا مالك بن إسماعيل , قال : ثنا داود وابن علية جميعا , عن مطرف , عن الشعبي , عن عدي بن حاتم , قال : قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود , أهما خيطان أبيض وأسود ؟ فقال : وإنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين " , ثم قال : " لا ولكنه سواد الليل وبياض النهار " . 2449 - حدثني أحمد بن عبد الرحيم البرقي , قال : ثنا ابن أبي مريم , قال : ثنا أبو غسان , قال : ثنا أبو حازم عن سهل بن سعد , قال : نزلت هذه الآية : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } فلم ينزل { من الفجر } قال : فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأسود والخيط الأبيض , فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له ; فأنزل الله بعد ذلك : { من الفجر } فعلموا إنما يعني بذلك : الليل والنهار . وقال متأولو قول الله تعالى ذكره : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } أنه بياض النهار وسواد الليل , صفة ذلك البياض أن يكون منتشرا مستفيضا في السماء يملأ بياضه وضوءه الطرق , فأما الضوء الساطع في السماء فإن ذلك غير الذي عناه الله بقوله : { الخيط الأبيض من الخيط الأسود } . ذكر من قال ذلك : 2450 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني , قال : ثنا معتمر بن سليمان , قال : سمعت عمران بن حدير , عن أبي مجلز : الضوء الساطع في السماء ليس بالصبح , ولكن ذاك الصبح الكذاب , إنما الصبح إذا انفضح الأفق . 2451 - حدثني سلم بن جنادة السوائي , قال : ثنا أبو معاوية , عن الأعمش , عن مسلم , قال : لم يكونوا يعدون الفجر فجركم هذا , كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق . * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا عثام , عن الأعمش , عن مسلم : ما كانوا يرون إلا أن الفجر الذي يستفيض في السماء . 2452 - حدثنا الحسن بن عرفة , قال : ثنا روح بن عبادة , قال : ثنا ابن جريج , قال : أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يقول : هما فجران , فأما الذي يسطع في السماء فليس يحل ولا يحرم شيئا , ولكن الفجر الذي يستبين على رءوس الجبال هو الذي يحرم الشراب . 2453 - حدثنا الحسن بن الزبرقان النخعي , قال : ثنا أبو أسامة , عن محمد بن أبي ذؤيب , عن الحرث بن عبد الرحمن , عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان , قال : " الفجر فجران , فالذي كأنه ذنب السرحان لا يحرم شيئا , وأما المستطير الذي يأخذ الأفق فإنه يحل الصلاة ويحرم الصوم " . 2454 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع وإسماعيل بن صبيح وأبو أسامة , عن أبي هلال , عن سوادة بن حنظلة , عن سمرة بن جندب , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل , ولكن الفجر المستطير في الأفق " . 2455 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا معاوية بن هشام الأسدي , قال : ثنا شعبة , عن سوادة قال : سمعت سمرة بن جندب يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه وهو يقول : " لا يغرنكم نداء بلال ولا هذا البياض حتى يبدو الفجر وينفجر " . وقال آخرون : الخيط الأبيض : هو ضوء الشمس , والخيط الأسود : هو سواد الليل . ذكر من قال ذلك : 2456 - حدثنا هشام بن السري , قال : ثنا عبادة بن حميد , عن الأعمش , عن إبراهيم التيمي , قال : سافر أبي مع حذيفة قال : فسار حتى إذا خشينا أن يفجأنا الفجر , قال : هل منكم من أحد آكل أو شارب ؟ قال : قلت له : أما من يريد الصوم فلا . قال : بلى ! قال : ثم سار حتى إذا استبطأنا الصلاة نزل فتسحر . 2457 - حدثنا هناد وأبو السائب , قالا : ثنا أبو معاوية , عن الأعمش , عن إبراهيم التيمي , عن أبيه , قال : خرجت مع حذيفة إلى المدائن في رمضان , فلما طلع الفجر , قال : هل منكم من أحد آكل أو شارب ؟ قلنا : أما رجل يريد أن يصوم فلا . قال : لكني ! قال : ثم سرنا حتى استبطأنا الصلاة , قال : هل منكم أحد يريد أن يتسحر ؟ قال : قلنا أما من يريد الصوم فلا . قال : لكني ! ثم نزل فتسحر , ثم صلى . 2458 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أبو بكر , قال : ربما شربت بعد قول المؤذن - يعني في رمضان - قد قامت الصلاة . قال : وما رأيت أحدا كان أفعل له من الأعمش , وذلك لما سمع , قال : حدثنا إبراهيم التيمي عن أبيه قال : كنا مع حذيفة نسير ليلا , فقال : هل منكم متسحر الساعة ؟ قال : ثم سار , ثم قال حذيفة : هل منكم متسحر الساعة ؟ قال : ثم سار حتى استبطأنا الصلاة , قال : فنزل فتسحر . 2459 - حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني , قال : ثنا مصعب بن المقدام , قال : ثنا إسرائيل , قال : ثنا أبو إسحاق عن هبيرة , عن علي , أنه لما صلى الفجر , قال : هذا حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر . 2460 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن الصلت , قال : ثنا إسحاق بن حذيفة العطار , عن أبيه , عن البراء , قال : تسحرت في شهر رمضان , ثم خرجت , فأتيت ابن مسعود , فقال : اشرب ! فقلت : إني قد تسحرت . فقال : اشرب ! فشربنا ثم خرجنا والناس في الصلاة . 2461 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أبو معاوية , عن الشيباني , عن جبلة بن سحيم , عن عامر بن مطر , قال أتيت عبد الله بن مسعود في داره , فأخرج فضلا من سحوره , فأكلنا معه , ثم أقيمت الصلاة فخرجنا فصلينا . 2462 - حدثنا خلاد بن أسلم , قال : ثنا أبو بكر بن عياش , عن أبي إسحاق , عن عبد الله بن معقل , عن سالم مولى أبي حذيفة قال , كنت أنا وأبو بكر الصديق فوق سطح واحد في رمضان , فأتيت ذات ليلة فقلت : ألا تأكل يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأومأ بيده أن كف , ثم أتيته مرة أخرى , فقلت له : ألا تأكل يا خليفة رسول الله ؟ فأومأ بيده أن كف . ثم أتيته مرة أخرى , فقلت : ألا تأكل يا خليفة رسول الله ؟ فنظر إلى الفجر ثم أومأ بيده أن كف . ثم أتيته فقلت : ألا تأكل يا خليفة رسول الله ؟ قال , هات غذاءك ! قال : فأتيته به فأكل ثم صلى ركعتين , ثم قام إلى الصلاة . 2463 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي , قال : ثنا شعبة , عن مغيرة , عن إبراهيم , قال : الوتر بالليل والسحور بالنهار . وقد روي عن إبراهيم غير ذلك . 2464 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , عن حماد , عن إبراهيم , قال : السحور بليل , والوتر بليل . 2465 - حدثنا حكام عن ابن أبي جعفر , عن المغيرة , عن إبراهيم , قال : السحور والوتر ما بين التثويب والإقامة . 2466 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن شبيب بن غرقدة , عن عروة , عن حبان , قال : تسحرنا مع علي ثم خرجنا وقد أقيمت الصلاة فصلينا . 2467 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا سفيان , عن شبيب , عن حبان بن الحرث , قال : مررت بعلي وهو في دار أبي موسى وهو يتسحر , فلما انتهيت إلى المسجد أقيمت الصلاة . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن منصور , عن أبي إسحاق , عن أبي السفر , قال : صلى علي بن أبي طالب الفجر , ثم قال : هذا حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر . وعلة من قال هذا القول أن القول إنما هو النهار دون الليل . قالوا : وأول النهار طلوع الشمس , كما أن آخره غروبها . قالوا : ولو كان أوله طلوع الفجر لوجب أن يكون آخره غروب الشفق . قالوا : وفي إجماع الحجة على أن آخر النهار غروب الشمس دليل واضح , على أن أوله طلوعها . قالوا : وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تسحر بعد طلوع الفجر أوضح الدليل على صحة قولنا . ذكر الأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك : 2468 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أبو بكر , عن عاصم , عن زر , عن حذيفة , قال : قلت : تسحرت مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم , قال : لو أشاء لأقول هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع . * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أبو بكر , قال : ما كذب عاصم على زر , ولا زر على حذيفة , قال : قلت له : يا أبا عبد الله تسحرت مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع . 2469 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا سفيان , عن عاصم , عن زر , عن حذيفة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتسحر وما أرى مواقع النبل . قال : قلت أبعد الصبح ؟ قال : هو الصبح إلا أنه لم تطلع الشمس . 2470 - حدثنا ابن حميد , قال : حدثنا الحكم بن بشير , قال : حدثنا عمرو بن قيس وخلاد الصفار , عن عاصم بن بهدلة , عن زر بن حبيش , قال : أصبحت ذات يوم فغدوت إلى المسجد , فقلت : لو مررت على باب حذيفة ! ففتح لي فدخلت , فإذا هو يسخن له طعام , فقال : اجلس حتى تطعم ! فقلت : إني أريد الصوم . فقرب طعامه فأكل وأكلت معه , ثم قام إلى لقحة في الدار , فأخذ يطلب من جانب وأحلب أنا من جانب , فناولني , فقلت : ألا ترى الصبح ؟ فقال : اشرب ! فشربت , ثم جئت إلى باب المسجد فأقيمت الصلاة , فقلت له : أخبرني بآخر سحور تسحرته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقال : هو الصبح إلا أنه لم تطلع الشمس . 2471 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي , قال : ثنا روح بن جنادة , قال : ثنا حماد , عن محمد بن عمرو , عن أبي سلمة , عن أبي هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه " . 2472 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا روح بن جنادة , قال : ثنا حماد , عن عمار بن أبي عمار , عن أبي هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله , وزاد فيه : وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر . 2473 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا الحسين . وحدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق , قال : سمعت أبي قال : أخبرنا الحسين بن واقد قالا جميعا , عن أبي غالب , عن أبي أمامة قال : أقيمت الصلاة والإناء في يد عمر , قال : أشربها يا رسول الله ؟ قال : " نعم " , فشربها . 2474 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا يونس , عن أبيه , عن عبد الله , قال : قال بلال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أؤذنه بالصلاة وهو يريد الصوم , فدعا بإناء فشرب , ثم ناولني فشربت , ثم خرج إلى الصلاة . * - حدثني محمد بن أحمد الطوسي , قال : ثنا عبيد الله بن موسى , قال : أخبرنا إسرائيل , عن أبي إسحاق عن عبد الله بن مغفل , عن بلال قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أوذنه بصلاة الفجر وهو يريد الصيام , فدعا بإناء فشرب , ثم ناولني فشربت , ثم خرجنا إلى الصلاة . وأولى التأويلين بالآية , التأويل الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " الخيط الأبيض : بياض النهار , والخيط الأسود : سواد الليل " وهو المعروف في كلام العرب , قال أبو دؤاد الإيادي : فلما أضاءت لنا سدفة ولاح من الصبح خيط أنارا وأما الأخبار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شرب أو تسحر ثم خرج إلى الصلاة , فإنه غير دافع صحة ما قلنا في ذلك ; لأنه غير مستنكر أن يكون صلى الله عليه وسلم شرب قبل الفجر , ثم خرج إلى الصلاة , إذ كانت الصلاة صلاة الفجر هي على عهده كانت تصلى بعد ما يطلع الفجر ويتبين طلوعه ويؤذن لها قبل طلوعه . وأما الخبر الذي روي عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتسحر وأنا أرى مواقع النبل , فإنه قد استثبت فيه , فقيل له : أبعد الصبح ؟ فلم يجب في ذلك بأنه كان بعد الصبح , ولكنه قال : هو الصبح . وذلك من قوله يحتمل أن يكون معناه هو الصبح لقربه منه وإن لم يكن هو بعينه , كما تقول العرب : " هذا فلان شبها " , وهي تشير إلى غير الذي سمته , فتقول : " هو هو " تشبيها منها له به , فكذلك قول حذيفة : هو الصبح , معناه : هو الصبح شبها به وقربا منه . وقال ابن زيد في معنى الخيط الأبيض والأسود ما : 2475 - حدثني به يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } قال : الخيط الأبيض الذي يكون من تحت الليل يكشف الليل , والأسود : ما فوقه . وأما قوله : { من الفجر } فإنه تعالى ذكره يعني : حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود الذي هو من الفجر . وليس ذلك هو جميع الفجر , ولكنه إذا تبين لكم أيها المؤمنون من الفجر ذلك الخيط الأبيض الذي يكون من تحت الليل الذي فوقه سواد الليل , فمن حينئذ فصوموا , ثم أتموا صيامكم من ذلك إلى الليل . وبمثل ما قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول : 2476 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { من الفجر } قال : ذلك الخيط الأبيض هو من الفجر نسبة إليه , وليس الفجر كله , فإذا جاء هذا الخيط وهو أوله فقد حلت الصلاة وحرم الطعام والشراب على الصائم . وفي قوله تعالى ذكره : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } أوضح الدلالة على خطأ قول من قال : حلال الأكل والشرب لمن أراد الصوم إلى طلوع الشمس ; لأن الخيط الأبيض من الفجر يتبين عند ابتداء طلوع أوائل الفجر , وقد جعل الله تعالى ذكره ذلك حدا لمن لزمه الصوم في الوقت الذي أباح إليه الأكل والشرب والمباشرة . فمن زعم أن له أن يتجاوز ذلك الحد , قيل له : أرأيت إن أجاز له آخر ذلك ضحوة أو نصف النهار ؟ فإن قال : إن قائل ذلك مخالف للأمة قيل له : وأنت لما دل عليه كتاب الله ونقل الأمة مخالف , فما الفرق بينك وبينه من أصل أو قياس ؟ فإن قال : الفرق بيني وبينه أن الله أمر بصوم النهار دون الليل , والنهار من طلوع الشمس . قيل له : كذلك يقول مخالفوك : والنهار عندهم أوله طلوع الفجر , وذلك هو ضوء الشمس وابتداء طلوعها دون أن يتتام طلوعها , كما أن آخر النهار ابتداء غروبها دون أن يتتام غروبها . ويقال لقائلي ذلك : إن كان النهار عندكم كما وصفتم هو ارتفاع الشمس , وتكامل طلوعها وذهاب جميع سدفة الليل وغبس سواده , فكذلك عندكم الليل هو تتام غروب الشمس وذهاب ضيائها وتكامل سواد الليل وظلامه . فإن قالوا : ذلك كذلك . قيل لهم : فقد يجب أن يكون الصوم إلى مغيب الشفق وذهاب ضوء الشمس وبياضها من أفق السماء . فإن قالوا : ذلك كذلك , أوجبوا الصوم إلى مغيب الشفق الذي هو بياض . وذلك قول إن قالوه مدفوع بنقل الحجة التي لا يجوز فيما نقلته مجمعة عليه الخطأ والسهو على تخطئته . وإن قالوا : بل أول الليل ابتداء سدفته وظلامه ومغيب عين الشمس عنا . قيل لهم : وكذلك أول النهار : طلوع أول ضياء الشمس ومغيب أوائل سدفة الليل . ثم يعكس عليه القول في ذلك , ويسأل الفرق بين ذلك , فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله . وأما الفجر , فإنه مصدر من قول القائل : تفجر الماء يتفجر فجرا : إذا انبعث وجرى , فقيل للطالع من تباشير ضياء الشمس من مطلع الشمس فجر , لانبعاث ضوئه عليهم وتورده عليم بطرقهم ومحاجهم تفجر الماء المنفجر من منبعه .ثم أتموا الصيام إلى الليل
وأما قوله : { ثم أتموا الصيام إلى الليل } فإنه تعالى ذكره حد الصوم بأن آخر وقته إقبال الليل , كما حد الإفطار وإباحة الأكل والشرب والجماع وأول الصوم بمجيء أول النهار وأول إدبار آخر الليل , فدل بذلك على أن لا صوم بالليل كما لا فطر بالنهار في أيام الصوم , وعلى أن المواصل مجوع نفسه في غير طاعة ربه . كما : 2477 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو معاوية ووكيع وعبدة , عن هشام بن عروة , عن أبيه , عن عاصم بن عمر , عن عمر , قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس فقد أفطر الصائم " . 2478 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو بكر بن عياش , قال : ثنا أبو إسحاق الشيباني , وحدثنا هناد بن السري , قال : ثنا أبو عبيدة وأبو معاوية , عن شيبان , وحدثنا ابن المثنى , قال : ثنا أبو معاوية , وحدثني أبو السائب , قال : ثنا ابن إدريس , عن الشيباني قالوا جميعا في حديثهم عن عبد الله بن أبي أوفى قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير وهو صائم , فلما غربت الشمس قال لرجل : " انزل فاجدل لي " قالوا : لو أمسيت يا رسول الله ! فقال : " انزل فاجدح لي ! " فقال الرجل : يا رسول الله لو أمسيت ! قال : " انزل فاجدح لي ! " قال : يا رسول الله إن علينا نهارا ! فقال له الثالثة , فنزل فجدح له . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أقبل الليل من ههنا " - وضرب بيده نحو المشرق - " فقد أفطر الصائم " . 2479 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا داود , عن رفيع , قال : فرض الله الصيام إلى الليل , فإذا جاء الليل فأنت مفطر إن شئت فكل , وإن شئت فلا تأكل . 2480 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا داود , عن أبي العالية أنه سئل عن الوصال في الصوم فقال : افترض الله على هذه الأمة صوم النهار , فإذا جاء الليل فإن شاء أكل وإن شاء لم يأكل . * - حدثني يعقوب , قال : حدثني ابن علية , عن داود بن أبي هند , قال : قال أبو العالية في الوصال في الصوم , قال : قال الله : { ثم أتموا الصيام إلى الليل } فإذا جاء الليل فهو مفطر , فإن شاء أكل , وإن شاء لم يأكل . 2481 - حدثني المثنى , قال : ثنا ابن دكين , عن مسعر , عن قتادة , قال : قالت عائشة : { أتموا الصيام إلى الليل } يعني أنها كرهت الوصال . فإن قال قائل : فما وجه وصال من واصل ؟ فقد علمت بما : 2482 - حدثكم به أبو السائب , قال : ثنا حفص , عن هشام بن عروة , قال : كان عبد الله بن الزبير يواصل سبعة أيام , فلما كبر جعلها خمسا , فلما كبر جدا جعلها ثلاثا . 2483 - حدثنا أبو السائب , قال : ثنا حفص , عن عبد الملك , قال : كان ابن أبي يعمر يفطر في كل شهر مرة . 2484 - حدثنا ابن أبي بكر المقدمي , قال : ثنا الفروي , قال : سمعت مالكا يقول : كان عامر بن عبد الله بن الزبير يواصل ليلة ست عشرة وليلة سبع عشرة من رمضان لا يفطر بينهما , فلقيته فقلت له : يا أبا الحرث ماذا تجده يقويك في وصالك ؟ قال : السمن أشربه أجده يبل عروقي , فأما الماء فإنه يخرج من جسدي . وما أشبه ذلك ممن فعل ذلك , ممن يطول بذكرهم الكتاب . قيل : وجه من فعل ذلك إن شاء الله تعالى على طلب الخموصة لنفسه والقوة , لا على طلب البر بفعله . وفعلهم ذلك نظير ما كان عمر بن الخطاب يأمرهم به بقوله : " اخشوشنوا وتمعددوا وانزوا على الخيل نزوا وا
Quran Translation Sura Al-Baqara aya 187
It has been made permissible for you the night preceding fasting to go to your wives [for sexual relations]. They are clothing for you and you are clothing for them. Allah knows that you used to deceive yourselves, so He accepted your repentance and forgave you. So now, have relations with them and seek that which Allah has decreed for you. And eat and drink until the white thread of dawn becomes distinct to you from the black thread [of night]. Then complete the fast until the sunset. And do not have relations with them as long as you are staying for worship in the mosques. These are the limits [set by] Allah, so do not approach them. Thus does Allah make clear His ordinances to the people that they may become righteous.