أرشد الله تعالى عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مفصلا وبما أنزل على الأنبياء المتقدمين مجملا ونص على أعيان من الرسل ، وأجمل ذكر بقية الأنبياء ، وأن لا يفرقوا بين أحد منهم ، بل يؤمنوا بهم كلهم ، ولا يكونوا كمن قال الله فيهم : ( ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا ) [ النساء : 150 ، 151 ] .
وقال البخاري : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عثمان بن عمر ، أخبرنا علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، قال : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنا بالله وما أنزل إلينا " .
وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي من حديث عثمان بن حكيم ، عن سعيد بن يسار عن ابن عباس ، قال ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصلي الركعتين اللتين قبل الفجر ب ( آمنا بالله وما أنزل إلينا ) الآية ، والأخرى ب ( آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ) [ آل عمران : 52 ] . وقال أبو العالية والربيع وقتادة : الأسباط : بنو يعقوب اثنا عشر رجلا ; ولد كل رجل منهم أمة من الناس ، فسموا الأسباط .
وقال الخليل بن أحمد وغيره : الأسباط في بني إسرائيل ، كالقبائل في بني إسماعيل ; وقال الزمخشري في الكشاف : الأسباط : حفدة يعقوب وذراري أبنائه الاثنى عشر ، وقد نقله الرازي عنه ، وقرره ولم يعارضه . وقال البخاري : الأسباط : قبائل بني إسرائيل ، وهذا يقتضي أن المراد بالأسباط هاهنا شعوب بني إسرائيل ، وما أنزل الله تعالى من الوحي على الأنبياء الموجودين منهم ، كما قال موسى لهم : ( اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) [ المائدة : 20 ] وقال تعالى : ( وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما ) [ الأعراف : 160 ] وقال القرطبي : وسموا الأسباط من السبط ، وهو التتابع ، فهم جماعة متتابعون . وقيل : أصله من السبط ، بالتحريك ، وهو الشجر ، أي : هم في الكثرة بمنزلة الشجر ، الواحدة سبطة . قال الزجاج : ويبين لك هذا : ما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري ، حدثنا أبو نجيد الدقاق ، حدثنا الأسود بن عامر ، حدثنا إسرائيل عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام . قال القرطبي : والسبط : الجماعة والقبيلة ، الراجعون إلى أصل واحد .
وقال قتادة : أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا به ، ويصدقوا بكتبه كلها وبرسله .
وقال سليمان بن حبيب : إنما أمرنا أن نؤمن بالتوراة والإنجيل ، ولا نعمل بما فيهما .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن محمد بن مصعب الصوري ، حدثنا مؤمل ، حدثنا عبيد الله بن أبي حميد ، عن أبي المليح ، عن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آمنوا بالتوراة والزبور والإنجيل ، وليسعكم القرآن " .
القول في تأويل قوله تعالى : قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: " قولوا " -أيها المؤمنون، لهؤلاء اليهودِ والنصارَى، الذين قالوا لكم: كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا -: "آمنا ", أي صدَّقنا بالله .
وقد دللنا فيما مضى أنّ معنى " الإيمان "، التصديقُ، بما أغنى عن إعادته. (15) .
* * *
" وما أنـزل إلينا "، يقول أيضًا: صدّقنا بالكتاب الذي أنـزل الله إلى نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم. فأضاف الخطاب بالتنـزيل إليهم، إذ كانوا متّبعيه، ومأمورين منهيين به. فكان - وإنْ كان تنـزيلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - بمعنى التنـزيل إليهم، للذي لهم فيه من المعاني التي وصفتُ
* * *
ويعني بقوله: " ومَا أنـزل إلى إبراهيم "، صدَّقنا أيضًا وآمنا بما أنـزل إلى إبراهيم وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباط , وهم الأنبياء من ولد يَعقوب.
* * *
وقوله: " ومَا أوتي مُوسَى وعيسى "، يعني: وآمنا أيضًا بالتوراة التي آتاها الله موسى, وبالإنجيل الذي آتاه الله عيسى, والكتب التي آتى النبيين كلهم, وأقرَرنا وصدّقنا أن ذلك كله حَق وهُدى ونور من عند الله، وأن جَميع من ذكر الله من أنبيائه كانوا على حق وهدى، يُصدِّق بعضهم بعضًا، على منهاج واحد في الدعاء إلى توحيد الله، والعمل بطاعته," لا نُفرِّق بَينَ أحد منهم "، يقول: لا نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض, ونتبرَّأ من بعضٍ ونتولى بعضًا, كما تبرأت اليهودُ من عيسى ومحمد عليهما السلام وأقرّت بغيرهما من الأنبياء, وكما تبرأت النصارَى من محمد صلى الله عليه وسلم وأقرّت بغيره من الأنبياء، بل نشهد لجميعهم أنّهم كانوا رسلَ الله وأنبياءَه, بعثوا بالحق والهدى.
* * *
وأما قوله: " ونحنُ لَهُ مُسلمون "، فإنه يعني تعالى ذكره: ونحنُ له خاضعون بالطاعة, مذعنون له بالعبودية. (16)
* * *
فذُكر أنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك لليهود, فكفروا بعيسى وبمن يؤمن به، كما:-
2101- حدثنا أبو كريب قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال: حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة, عن ابن عباس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نَفرٌمن يهود، فيهم أبو ياسر بن أخطب، (17) ورافع بن أبي رافع، وعازر، وخالد، وزيد، وأزار بن أبي أزار، وأشْيَع, فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال: أومن بالله وَمَا أنـزلَ إلينا وما أنـزلَ إلى إبرَاهيمَ وإسماعيل وإسحاقَ ويعقوب والأسباط, ومَا أوتي مُوسى وعيسى وَمَا أوتي النبيون من رَبهم لا نُفرّق بين أحد منهم ونحن له مُسلمون. فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته، وقالوا: لا نؤمن بعيسى, ولا نؤمن بمن آمن به. فأنـزل الله فيهم: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْـزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْـزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (18) [سورة المائدة:59]
2102- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد, عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكر نحوه - إلا أنه قال: " ونافع بن أبي نافع " مكانَ" رافع بن أبي رافع " (19) .
* * *
وقال قتادة: أنـزلتْ هذه الآية، أمرًا من الله تعالى ذكره للمؤمنين بتصديق رُسله كلهم.
2103- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: " قُولُوا آمنا بالله وما أنـزل إلينا وما أنـزل إلى إبراهيم " إلى قوله: " ونَحنُ له مسلمون "، أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا ويصدقوا بأنبيائه ورسله كلهم, ولا يفرِّقوا بين أحد منهم.
* * *
وأما " الأسباط" الذين ذكرهم، فهم اثنا عشر رَجلا من ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. وَلَد كل رجل منهم أمّة من الناس, فسموا " أسباطًا " (20) . كما:-
2104- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: الأسباط، يوسفُ وإخوته، بنو يَعقوب. ولد اثني عشر رجلا فولد كل رجل منهم أمَّة من الناس, فسموا: " أسباطا ".
2105- حدثني موسى قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط, عن السدي: أما الأسباط، فهم بنو يعقوب: يوسُف, وبنيامين, ورُوبيل, ويهوذا, وشَمعون, ولاوِي, ودَان, وقهاث. (21) .
2106- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, قال: " الأسباط" يوسف وإخوته بنو يعقوب، اثنا عشر رجلا فولد لكل رجل منهم أمّة من الناس, فسموا " الأسباط".
2107- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة قال: حدثني محمد بن إسحاق قال (22) نكح يَعقوب بن إسحاق -وهو إسرائيل- ابنة خاله " ليا " ابنة " ليان بن توبيل بن إلياس "، (23) فولدت له " روبيل بن يعقوب "، (24) وكان أكبر ولده, و " شمعون بن يعقوب ", و " لاوي بن يعقوب " و " يهوذا بن يعقوب " و " ريالون بن يعقوب "، (25) و " يشجر بن يعقوب "، (26) و " دينة بنت يعقوب "، ثم توفيت " ليا بنت ليان ". (27) فخلف يعقوب على أختها " راحيل بنت ليان بن توبيل بن إلياس " (28) فولدت له " يوسف بن يعقوب " و " بنيامين " -وهو بالعربية أسد- وولد له من سُرِّيتين له: اسم إحداهما " زلفة ", واسم الأخرى " بلهية "، (29) أربعة نفر: " دان بن يعقوب ", و " نَفثالي بن يعقوب " و " جَاد بن يعقوب ", و " إشرب بن يعقوب " (30) فكان بنو يعقوب اثني عشرَ رجلا نشر الله منهم اثنَى عشر سبطًا، لا يُحصى عددَهم ولا يعلم أنسابَهم إلا الله, يقول الله تعالى: وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا . [سورة الأعراف: 160]
-----------
الهوامش :
(15) انظر ما سلف 1 : 235-236 ، ثم 2 : 143 ، 348 . . . ومواضع أخرى غيرها .
(16) انظر"الإسلام" فيما سلف : 510 ، 511 / وهذا الجزء 3 ، 74 ، 92 ، 94 .
(17) في سيرة ابن هشام 2 : 216"منهم : أبو ياسر" .
(18) الأثر : 2101- سيأتي في تفسير سورة المائدة : 59 (6 : 188-189 بولاق) بإسناده عن هناد بن السري عن يونس بن بكير ، وهو في سيرة ابن هشام 2 : 216 مع اختلاف يسير في بعض لفظه . وانظر الأثر التالي .
(19) الأثر : 2102 - هكذا جاء في سيرة ابن هشام 2 : 216 ، وانظر سيرة ابن هشام أيضًا 1 : 161 ، 162"رافع بن أبي رافع" ، و"نافع بن أبي نافع" ، والخلط في أسماء يهود ذلك العهد كثير في كتب السير .
(20) انظر تفسير"الأسباط" فيما سلف أيضًا 2 : 121 .
(21) الأثر : 2105- في الدر المنثور 1 : 140 . ولم أجد في ولد يعقوب"قهاث" وفي الدر المنثور"وتهان" ، والظاهر أنهما جميعًا محرفان عن"نفتالى" أخبر"دان" من أمها"بلهية" جارية"راحيل" ، كما سيأتي في الأثر التالي : 2107 ، وكما هو في كتاب بني إسرائيل الذي بين أيدينا . هذا ، وقد اقتصر الطبري هنا على ثمانية نفر من الأسباط . وزاد السيوطي في الدر المنثور تاسعًا -في روايته عن الطبري- قال"وكونوا - بالنون" ، وليس في ولد يعقوب هذا الاسم ، إلا أن يكون تصحيفًا صوابه"زبلون" كما هو في كتب القوم . انظر التعليق على الأثر التالي : 2107 .
(22) الأثر : 2107- لم أصحح هذه الأسماء ، مع الاختلاف فيها ، ولكني سأذكر مواضع الاختلاف على رسمها في كتاب بني إسرائيل الذي بين أيدينا ، في التعليقات الآتية .
(23) "ليئة ابنة لابَان بن بَتُوئِيل""وراحيل بنت لابان . . "
(24) (رأُوبين بن يعقُوبُ)
(25) (زَبُولُون بن يعقوب)
(26) (يسَّاكر بن يعقوب)
(27) "ليئَة ابنة لابَان بن بَتُوئِيل""وراحيل بنت لابان . . "
(28) "ليئَة ابنة لابَان بن بَتُوئِيل""وراحيل بنت لابان . . "
(29) (بِلْهة)
(30) (أشِير بن يَعْقُوب) وراجع في الجميع سفر التكوين إصحاح : 29 ، 30 ، 35 .
Quran Translation Sura Al-Baqara aya 136
Say, [O believers], "We have believed in Allah and what has been revealed to us and what has been revealed to Abraham and Ishmael and Isaac and Jacob and the Descendants and what was given to Moses and Jesus and what was given to the prophets from their Lord. We make no distinction between any of them, and we are Muslims [in submission] to Him."