قال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( ما ننسخ من آية ) ما نبدل من آية .
وقال ابن جريج ، عن مجاهد : ( ما ننسخ من آية ) أي : ما نمح من آية .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ما ننسخ من آية ) قال : نثبت خطها ونبدل حكمها . حدث به عن أصحاب عبد الله بن مسعود .
وقال ابن أبي حاتم : وروي عن أبي العالية ، ومحمد بن كعب القرظي ، نحو ذلك .
وقال الضحاك : ( ما ننسخ من آية ) ما ننسك . وقال عطاء : أما ( ما ننسخ ) فما نترك من القرآن . وقال ابن أبي حاتم : يعني : ترك فلم ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال السدي : ( ما ننسخ من آية ) نسخها : قبضها . وقال ابن أبي حاتم : يعني : قبضها : رفعها ، مثل قوله : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة . وقوله : " لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثا " .
وقال ابن جرير : ( ما ننسخ من آية ) ما ينقل من حكم آية إلى غيره فنبدله ونغيره ، وذلك أن يحول الحلال حراما والحرام حلالا والمباح محظورا ، والمحظور مباحا . ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة . فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ . وأصل النسخ من نسخ الكتاب ، وهو نقله من نسخة أخرى إلى غيرها ، فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره ، إنما هو تحويله ونقل عبادة إلى غيرها . وسواء نسخ حكمها أو خطها ، إذ هي في كلتا حالتيها منسوخة . وأما علماء الأصول فاختلفت عباراتهم في حد النسخ ، والأمر في ذلك قريب ; لأن معنى النسخ الشرعي معلوم عند العلماء ، ولخص بعضهم أنه رفع الحكم بدليل شرعي متأخر . فاندرج في ذلك نسخ الأخف بالأثقل ، وعكسه ، والنسخ لا إلى بدل . وأما تفاصيل أحكام النسخ وذكر أنواعه وشروطه فمبسوط في فن أصول الفقه .
وقال الطبراني : حدثنا أبو شبيل عبيد الله بن عبد الرحمن بن واقد ، حدثنا أبي ، حدثنا العباس بن الفضل ، عن سليمان بن أرقم ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : قرأ رجلان سورة أقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانا يقرءان بها ، فقاما ذات ليلة يصليان ، فلم يقدرا منها على حرف فأصبحا غاديين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها مما نسخ وأنسي ، فالهوا عنها " . فكان الزهري يقرؤها : ( ما ننسخ من آية أو ننسها ) بضم النون خفيفة . سليمان بن أرقم ضعيف .
[ وقد روى أبو بكر بن الأنباري ، عن أبيه ، عن نصر بن داود ، عن أبي عبيد ، عن عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن يونس وعبيد وعقيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف مثله مرفوعا ، ذكره القرطبي ] .
وقوله تعالى : ( أو ننسها ) فقرئ على وجهين : " ننسأها وننسها " . فأما من قرأها : " ننسأها " بفتح النون والهمزة بعد السين فمعناه : نؤخرها . قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( ما ننسخ من آية أو ننسئها ) يقول : ما نبدل من آية ، أو نتركها لا نبدلها .
وقال مجاهد عن أصحاب ابن مسعود : ( أو ننسئها ) نثبت خطها ونبدل حكمها . وقال عبيد بن عمير ، ومجاهد ، وعطاء : ( أو ننسئها ) نؤخرها ونرجئها . وقال عطية العوفي : ( أو ننسئها ) نؤخرها فلا ننسخها . وقال السدي مثله أيضا ، وكذا [ قال ] الربيع بن أنس . وقال الضحاك : ( ما ننسخ من آية أو ننسئها ) يعني : الناسخ من المنسوخ . وقال أبو العالية : ( ما ننسخ من آية أو ننسئها ) أي : نؤخرها عندنا .
وقال ابن حاتم : حدثنا عبيد الله بن إسماعيل البغدادي ، حدثنا خلف ، حدثنا الخفاف ، عن إسماعيل يعني ابن مسلم عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال :
خطبنا عمر ، رضي الله عنه ، فقال : يقول الله عز وجل : ( ما ننسخ من آية أو ننسها ) أي : نؤخرها .
وأما على قراءة : ( أو ننسها ) فقال عبد الرزاق ، عن قتادة في قوله : ( ما ننسخ من آية أو ننسها ) قال : كان الله تعالى ينسي نبيه ما يشاء وينسخ ما يشاء .
وقال ابن جرير : حدثنا سواد بن عبد الله ، حدثنا خالد بن الحارث ، حدثنا عوف ، عن الحسن أنه قال في قوله : ( أو ننسها ) قال : إن نبيكم صلى الله عليه وسلم أقرئ قرآنا ثم نسيه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن نفيل ، حدثنا محمد بن الزبير الحراني ، عن الحجاج يعني الجزري عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان مما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بالليل وينساه بالنهار ، فأنزل الله ، عز وجل : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها )
قال أبو حاتم : قال لي أبو جعفر بن نفيل : ليس هو الحجاج بن أرطاة ، هو شيخ لنا جزري .
وقال عبيد بن عمير : ( أو ننسها ) نرفعها من عندكم .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، عن يعلى بن عطاء ، عن القاسم بن ربيعة قال : سمعت سعد بن أبي وقاص يقرأ : " ما ننسخ من آية أو تنسها " قال : قلت له : فإن سعيد بن المسيب يقرأ : " أو تنسها " . قال : فقال سعد : إن القرآن لم ينزل على المسيب ولا على آل المسيب ، قال الله ، جل ثناؤه : ( سنقرئك فلا تنسى ) [ الأعلى : 6 ] ( واذكر ربك إذا نسيت ) [ الكهف : 24 ] .
وكذا رواه عبد الرزاق ، عن هشيم وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث أبي حاتم الرازي ، عن آدم ، عن شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، به . وقال : على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
قال ابن أبي حاتم : وروي عن محمد بن كعب ، وقتادة وعكرمة ، نحو قول سعيد .
وقال الإمام أحمد : أخبرنا يحيى ، حدثنا سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال عمر : علي أقضانا ، وأبي أقرؤنا ، وإنا لندع بعض ما يقول أبي ، وأبي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، فلن أدعه لشيء . والله يقول : ( ما ننسخ من آية أو ننسأها نأت بخير منها أو مثلها ) .
قال البخاري : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى ، حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال عمر : أقرؤنا أبي ، وأقضانا علي ، وإنا لندع من قول أبي ، وذلك أن أبيا يقول : لا أدع شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد قال الله : ( ما ننسخ من آية أو ننسها )
وقوله : ( نأت بخير منها أو مثلها ) أي : في الحكم بالنسبة إلى مصلحة المكلفين ، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( نأت بخير منها ) يقول : خير لكم في المنفعة ، وأرفق بكم .
وقال أبو العالية : ( ما ننسخ من آية ) فلا نعمل بها ، ( أو ننسأها ) أي : نرجئها عندنا ، نأت بها أو نظيرها .
وقال السدي : ( نأت بخير منها أو مثلها ) يقول : نأت بخير من الذي نسخناه ، أو مثل الذي تركناه .
وقال قتادة : ( نأت بخير منها أو مثلها ) يقول : آية فيها تخفيف ، فيها رخصة ، فيها أمر ، فيها نهي .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة } يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة } إلَى غَيْره , فَنُبَدِّلهُ وَنُغَيِّرهُ . وَذَلِك أَنْ يُحَوِّل الْحَلَال حَرَامًا وَالْحَرَام حَلَالًا , وَالْمُبَاح مَحْظُورًا وَالْمَحْظُور مُبَاحًا ; وَلَا يَكُون ذَلِكَ إلَّا فِي الْأَمْر وَالنَّهْي وَالْحَظْر وَالْإِطْلَاق وَالْمَنْع وَالْإِبَاحَة , فَأَمَّا الْأَخْبَار فَلَا يَكُون فِيهَا نَاسِخ وَلَا مَنْسُوخ . وَأَصْل النَّسْخ مِنْ " نَسْخ الْكِتَاب " وَهُوَ نَقْله مِنْ نُسْخَة إلَى أُخْرَى غَيْرهَا , فَكَذَلِكَ مَعْنَى نَسْخ الْحُكْم إلَى غَيْره إنَّمَا هُوَ تَحْوِيله وَنَقْل عِبَارَته عَنْهُ إلَى غَيْره . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى نَسْخ الْآيَة فَسَوَاء - إذَا نُسِخَ حُكْمهَا فَغُيِّرَ وَبُدِّلَ فَرْضهَا وَنُقِلَ فَرْض الْعِبَاد عَنْ اللَّازِم كَانَ لَهُمْ بِهَا - أَأُقِرُّ خَطّهَا فَتُرِكَ , أَوْ مُحِيَ أَثَرهَا , فَعُفِيَ وَنُسِيَ , إذْ هِيَ حِينَئِذٍ فِي كِلْتَا حَالَتَيْهَا مَنْسُوخَة . وَالْحُكْم الْحَادِث الْمُبَدَّل بِهِ الْحُكْم الْأَوَّل وَالْمَنْقُول إلَيْهِ فَرْض الْعِبَاد هُوَ النَّاسِخ , يُقَال مِنْهُ : نَسَخَ اللَّه آيَة كَذَا وَكَذَا يَنْسَخهُ نَسْخًا , وَالنُّسْخَة الِاسْم . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ يَقُول . 1448 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه الْعَنْبَرِيّ , قَالَ : ثنا خَالِد بْن الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا } قَالَ : إنَّ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُقْرِئ قُرْآنًا ثُمَّ نَسِيَهُ فَلَا يَكُنْ شَيْئًا , وَمِنْ الْقُرْآن مَا قَدْ نُسِخَ وَأَنْتُمْ تَقْرَءُونَهُ . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { مَا نَنْسَخ } فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 1449 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَمَّار , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة } أَمَّا نَسْخهَا فَقَبْضهَا . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1450 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة } يَقُول : مَا نُبَدِّل مِنْ آيَة . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1451 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ أَصْحَاب عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُمْ قَالُوا : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة } نُثْبِت خَطّهَا وَنُبَدِّل حُكْمهَا . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة } نُثْبِت خَطّهَا , وَنُبَدِّل حُكْمهَا , حُدِّثْت بِهِ عَنْ أَصْحَاب ابْن مَسْعُود . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي بَكْر بْن شَوْذَب , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ أَصْحَاب ابْن مَسْعُود : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة } نُثْبِت خَطّهَا .
أَوْ نُنْسِهَا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ نُنْسِهَا } . اخْتَلَفَتْ الْقِرَاءَة فِي قَوْله ذَلِكَ , فَقَرَأَهَا قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : { أَوْ نُنْسِهَا } وَلِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل , أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون تَأْوِيله : مَا نَنْسَخ يَا مُحَمَّد مِنْ آيَة فَنُغَيِّر حُكْمهَا أَوْ نُنْسِهَا . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا فِي مُصْحَف عَبْد اللَّه : { مَا نُنْسِك مِنْ آيَة أَوْ نَنْسَخهَا نَجِئْ بِمِثْلِهَا } , فَذَلِكَ تَأْوِيل النِّسْيَان . وَبِهَذَا التَّأْوِيل قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1452 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا أَوْ مِثْلهَا } كَانَ يَنْسَخ الْآيَة بِالْآيَةِ بَعْدهَا , وَيَقْرَأ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآيَة أَوْ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ تُنْسَى وَتُرْفَع . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا } قَالَ : كَانَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره يُنْسِي نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ وَيَنْسَخ مَا شَاءَ . 1453 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول : { نُنْسِهَا } نَرْفَعهَا مِنْ عِنْدكُمْ . 1454 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا خَالِد بْن الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : { أَوْ نُنْسِهَا } قَالَ : إنَّ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُقْرِئَ قُرْآنًا , ثُمَّ نَسِيَهُ . وَكَذَلِك كَانَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص يَتَأَوَّل الْآيَة إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : { أَوْ تَنْسَهَا } بِمَعْنَى الْخِطَاب لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَأَنَّهُ عَنَى أَوْ تَنْسَهَا أَنْت يَا مُحَمَّد . ذِكْر الْأَخْبَار بِذَلِكَ : 1455 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْن عَطَاء , عَنْ الْقَاسِم , قَالَ : سَمِعْت سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص يَقُول : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ تَنْسَهَا } قُلْت لَهُ : فَإِنَّ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب يَقْرَؤُهَا : { أَوْ تَنْسَهَا } قَالَ : فَقَالَ سَعْد : إنَّ الْقُرْآن لَمْ يَنْزِل عَلَى الْمُسَيِّب وَلَا عَلَى آل الْمُسَيِّب , قَالَ اللَّه : { سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى } 87 6 { وَاذْكُرْ رَبّك إذَا نَسِيت } . 18 24 * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , قَالَ : ثنا يَعْلَى بْن عَطَاء , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن رَبِيعَة بْن قَانِف الثَّقَفِيّ , قَالَ : سَمِعْت ابْن أَبِي وَقَّاص يَذْكُر نَحْوه . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى وَآدَم الْعَسْقَلَانِيّ قَالَا جَمِيعًا , عَنْ شُعْبَة , عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاء , قَالَ : سَمِعْت الْقَاسِم بْن رَبِيعَة الثَّقَفِيّ يَقُول : قُلْت لِسَعْدِ بْن أَبِي وَقَّاص : إنِّي سَمِعْت ابْن الْمُسَيِّب يَقْرَأ : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ تَنْسَهَا } فَقَالَ سَعْد : إنَّ اللَّه لَمْ يُنْزِل الْقُرْآن عَلَى الْمُسَيِّب وَلَا عَلَى ابْنه , إنَّمَا هِيَ : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ تَنْسَهَا } يَا مُحَمَّد . ثُمَّ قَرَأَ : { سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى } 87 6 { وَاذْكُرْ رَبّك إذَا نَسِيت } . 18 24 1456 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا } يَقُول : نُنْسِهَا : نَرْفَعهَا ; وَكَانَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْزَلَ أُمُورًا مِنْ الْقُرْآن ثُمَّ رَفَعَهَا . وَالْوَجْه الْآخَر مِنْهُمَا أَنْ يَكُون بِمَعْنَى التَّرْك , مِنْ قَوْل اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ } 9 67 يَعْنِي بِهِ تَرَكُوا اللَّه فَتَرَكَهُمْ . فَيَكُون تَأْوِيل الْآيَة حِينَئِذٍ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل : مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة فَنُغَيِّر حُكْمهَا وَنُبَدِّل فَرْضهَا نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْ الَّتِي نَسَخْنَاهَا أَوْ مِثْلهَا . وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل تَأَوَّلَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1457 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { أَوْ نُنْسِهَا } يَقُول : أَوْ نَتْرُكهَا لَا نُبَدِّلهَا . 1458 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { أَوْ نُنْسِهَا } نَتْرُكهَا لَا نَنْسَخهَا . 1459 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا } قَالَ : النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ . قَالَ : وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 1460 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { نُنْسِهَا } نَمْحُهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : { أَوْ نَنْسَأهَا } بِفَتْحِ النُّون وَهَمْزَة بَعْد السِّين بِمَعْنَى نُؤَخِّرهَا , مِنْ قَوْلك : نَسَأْت هَذَا الْأَمْر أَنْسَؤُهُ نَسَأَ وَنَسَاء إذَا أَخَّرْته , وَهُوَ مِنْ قَوْلهمْ : بِعْته بِنَسَاءِ , يَعْنِي بِتَأْخِيرِ . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل طَرَفَة بْن الْعَبْد : لَعُمْرك إنَّ الْمَوْت مَا أَنْسَأَ الْفَتَى لَكَالطَّوْلِ الْمُرْخَى وَثَنَيَاهُ بِالْيَدِ يَعْنِي بِقَوْلِهِ أَنْسَأَ : أَخَّرَ . وَمِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ , وَقَرَأَهُ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ , وَتَأَوَّلَهُ كَذَلِكَ جِمَاع مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1461 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , وَيَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَا : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك . عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نَنْسَأهَا } قَالَ : نُؤَخِّرهَا . 1462 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , قَالَ : سَمِعْت ابْن أَبِي نَجِيح , يَقُول فِي قَوْل اللَّه : { أَوْ نَنْسَأهَا } قَالَ : نُرْجِئهَا . 1463 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَوْ نَنْسَأهَا } نُرْجِئهَا وَنُؤَخِّرهَا . 1464 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا فُضَيْل , عَنْ عَطِيَّة : { أَوْ نَنْسَأهَا } قَالَ : نُؤَخِّرهَا فَلَا نَنْسَخهَا . 1465 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير عَنْ عُبَيْد الْأَزْدِيّ , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر { أَوْ نَنْسَأهَا } إرْجَاؤُهَا وَتَأْخِيرهَا . هَكَذَا حَدَّثَنَا الْقَاسِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ عُبَيْد الْأَزْدِيّ . وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ عَلِيّ الْأَزْدِيّ . * حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ عَلِيّ الْأَزْدِيّ , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر أَنَّهُ قَرَأَهَا : { نَنْسَأهَا } . قَالَ : فَتَأْوِيل مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : مَا نُبَدِّل مِنْ آيَة أَنْزَلْنَاهَا إلَيْك يَا مُحَمَّد , فَنُبْطِل حُكْمهَا وَنُثْبِت خَطّهَا , أَوْ نُؤَخِّرهَا فَنُرْجِئهَا وَنُقِرّهَا فَلَا نُغَيِّرهَا وَلَا نُبْطِل حُكْمهَا ; نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا أَوْ مِثْلهَا . وَقَدْ قَرَأَ بَعْضهمْ ذَلِكَ : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ تَنْسَهَا } وَتَأْوِيل هَذِهِ الْقِرَاءَة نَظِير تَأْوِيل قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ { أَوْ نُنْسِهَا } إلَّا أَنَّ مَعْنَى { أَوْ نُنْسِهَا } أَنْت يَا مُحَمَّد . وَقَدْ قَرَأَ بَعْضهمْ : { مَا نُنْسِخ مِنْ آيَة } بِضَمِّ النُّون وَكَسْر السِّين , بِمَعْنَى : مَا نَنْسَخَك يَا مُحَمَّد نَحْنُ مِنْ آيَة , مِنْ أَنْسَخْتُك فَأَنَا أَنْسَخُك . وَذَلِك خَطَأ مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا لِخُرُوجِهِ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ الْحُجَّة مِنْ الْقِرَاءَة بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيض . وَكَذَلِك قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ { تُنْسَهَا } أَوْ { تُنْسَهَا } لِشُذُوذِهَا وَخُرُوجهَا عَنْ الْقِرَاءَة الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الْحُجَّة مِنْ قُرَّاء الْأُمَّة . وَأُولَى الْقِرَاءَات فِي قَوْله : { أَوْ نُنْسِهَا } بِالصَّوَابِ مَنْ قَرَأَ : { أَوْ نُنْسِهَا } , بِمَعْنَى نَتْرُكهَا ; لِأَنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَهْمَا بَدَّلَ حُكْمًا أَوْ غَيَّرَهُ أَوْ لَمْ يُبَدِّلهُ وَلَمْ يُغَيِّرهُ , فَهُوَ آتِيه بِخَيْرِ مِنْهُ أَوْ بِمِثْلِهِ . فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْآيَةِ إذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهَا , أَنْ يَكُون إذْ قَدِمَ الْخَبَر عَمَّا هُوَ صَانِع إذَا هُوَ غَيَّرَ وَبَدَّلَ حُكْم آيَة أَنْ يُعْقِب ذَلِكَ بِالْخَبَرِ عَمَّا هُوَ صَانِع , إذَا هُوَ لَمْ يُبَدِّل ذَلِكَ وَلَمْ يُغَيِّر . فَالْخَبَر الَّذِي يَجِب أَنْ يَكُون عَقِيب قَوْله : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة } قَوْله : أَوْ نَتْرُك نَسْخهَا , إذْ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْرُوف الْجَارِي فِي كَلَام النَّاس . مَعَ أَنَّ ذَلِكَ إذَا قُرِئَ كَذَلِكَ بِالْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت , فَهُوَ يَشْتَمِل عَلَى مَعْنَى الْإِنْسَاء الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّرْك , وَمَعْنَى النَّسَاء الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّأْخِير , إذْ كَانَ كُلّ مَتْرُوك فَمُؤَخَّر عَلَى حَال مَا هُوَ مَتْرُوك . وَقَدْ أَنْكَرَ قَوْم قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { أَوْ تُنْسَهَا } إذَا عُنِيَ بِهِ النِّسْيَان , وَقَالُوا : غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسِيَ مِنْ الْقُرْآن شَيْئًا مِمَّا لَمْ يُنْسَخ إلَّا أَنْ يَكُون نَسَى مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ ذَكَرَهُ . قَالُوا : وَبَعْد , فَإِنَّهُ لَوْ نَسِيَ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ قَرَءُوهُ وَحَفِظُوهُ مِنْ أَصْحَابه بِجَائِزِ عَلَى جَمِيعهمْ أَنْ يَنْسَوْهُ . قَالُوا : وَفِي قَوْل اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِاَلَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْك } 17 86 مَا يُنْبِئ عَنْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَمْ يُنْسِ نَبِيّه شَيْئًا مِمَّا آتَاهُ مِنْ الْعِلْم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا قَوْل يَشْهَد عَلَى بُطُوله وَفَسَاده الْأَخْبَار الْمُتَظَاهِرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا . 1466 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : حَدَّثَنَا أَنَس بْن مَالِك : إنَّ أُولَئِكَ السَّبْعِينَ مِنْ الْأَنْصَار الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَة قَرَأْنَا بِهِمْ وَفِيهِمْ كِتَابًا : " بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمنَا أَنَّا لَقِينَا رَبّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا " . ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ رُفِعَ . فَاَلَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ : " لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَم وَادِيَيْنِ مِنْ مَال لَابْتَغَى لَهُمَا ثَالِثًا , وَلَا يَمْلَأ جَوْف ابْن آدَم إلَّا التُّرَاب , وَيَتُوب اللَّه عَلَى مَنْ تَابَ " ثُمَّ رُفِعَ ; وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَار الَّتِي يَطُول بِإِحْصَائِهَا الْكِتَاب . وَغَيْر مُسْتَحِيل فِي فِطْرَة ذِي عَقْل صَحِيح وَلَا بِحُجَّةِ خَبَر أَنْ يُنْسِي اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْض مَا قَدْ كَانَ أَنْزَلَهُ إلَيْهِ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْر مُسْتَحِيل مِنْ أَحَد هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ , فَغَيْر جَائِز لِقَائِلِ أَنْ يَقُول ذَلِكَ غَيْر جَائِز . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِاَلَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْك } فَإِنَّهُ جَلّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يُخْبِر أَنَّهُ لَا يَذْهَب بِشَيْءِ مِنْهُ , وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَذَهَبَ بِجَمِيعِهِ , فَلَمْ يَذْهَب بِهِ وَالْحَمْد لِلَّهِ ; بَلْ إنَّمَا ذَهَبَ بِمَا لَا حَاجَة بِهِمْ إلَيْهِ مِنْهُ , وَذَلِك أَنَّ مَا نُسِخَ مِنْهُ فَلَا حَاجَة بِالْعِبَادِ إلَيْهِ , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى إلَّا مَا شَاءَ اللَّه } 87 6 - 7 فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُنْسِي نَبِيّه مِنْهُ مَا شَاءَ , فَاَلَّذِي ذَهَبَ مِنْهُ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ اللَّه . فَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّمَا اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَا مِنْ التَّأْوِيل طَلَب اتِّسَاق الْكَلَام عَلَى نِظَام فِي الْمَعْنَى , لَا إنْكَار أَنْ يَكُون اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ كَانَ أَنْسَى نَبِيّه بَعْض مَا نُسِخَ مِنْ وَحْيه إلَيْهِ وَتَنْزِيله .
نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا أَوْ مِثْلهَا } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا أَوْ مِثْلهَا } , فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 1467 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا أَوْ مِثْلهَا } يَقُول : خَيْر لَكُمْ فِي الْمَنْفَعَة وَأَرْفَق بِكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1468 - حَدَّثَنِي بِهِ الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا أَوْ مِثْلهَا } يَقُول : آيَة فِيهَا تَخْفِيف , فِيهَا رَحْمَة , فِيهَا أَمْر , فِيهَا نَهْي . وَقَالَ آخَرُونَ : نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْ الَّتِي نَسَخْنَاهَا , أَوْ بِخَيْرِ مِنْ الَّتِي تَرَكْنَاهَا فَلَمْ نَنْسَخهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1469 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا } يَقُول : نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْ الَّتِي نَسَخْنَاهَا أَوْ مِثْلهَا أَوْ مِثْل الَّتِي تَرَكْنَاهَا . فَالْهَاء وَالْأَلِف اللَّتَانِ فِي قَوْله : { مِنْهَا } عَائِدَتَانِ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَة عَلَى الْآيَة فِي قَوْله : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة } وَالْهَاء وَالْأَلِف اللَّتَانِ فِي قَوْله : { أَوْ مِثْلهَا } عَائِدَتَانِ عَلَى الْهَاء وَالْأَلِف اللَّتَيْنِ فِي قَوْله : { أَوْ نُنْسِهَا } . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1470 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول : { نُنْسِهَا } نَرْفَعهَا مِنْ عِنْدكُمْ , نَأْتِ بِمِثْلِهَا أَوْ خَيْر مِنْهَا . 1471 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { أَوْ نُنْسِهَا } نَرْفَعهَا نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا أَوْ بِمِثْلِهَا . 1472 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا بَكْر بْن شَوْذَب , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ أَصْحَاب ابْن مَسْعُود , مِثْله . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدنَا : مَا نُبَدِّل مِنْ حُكْم آيَة فَنُغَيِّرهُ أَوْ نَتْرُك تَبْدِيله فَنُقِرّهُ بِحَالِهِ , نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا لَكُمْ مِنْ حُكْم الْآيَة الَّتِي نَسَخْنَا فَغَيَّرْنَا حُكْمهَا , إمَّا فِي الْعَاجِل لِخَفَّتِهِ عَلَيْكُمْ , مِنْ أَجْل أَنَّهُ وَضْع فَرْض كَانَ عَلَيْكُمْ فَأَسْقَطَ ثِقَله عَنْكُمْ , وَذَلِكَ كَاَلَّذِي كَانَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ فَرْض قِيَام اللَّيْل , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فَوُضِعَ عَنْهُمْ , فَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ فِي عَاجِلهمْ لِسُقُوطِ عِبْء ذَلِكَ وَثِقَل حَمْله عَنْهُمْ ; وَإِمَّا فِي الْآجِل لِعِظَمِ ثَوَابه مِنْ أَجْل مَشَقَّة حَمْله وَثِقَل عِبْئِهِ عَلَى الْأَبْدَان , كَاَلَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ صِيَام أَيَّام مَعْدُودَات فِي السَّنَة , فَنُسِخَ وَفُرِضَ عَلَيْهِمْ مَكَانه صَوْم شَهْر كَامِل فِي كُلّ حَوْل , فَكَانَ فَرْض صَوْم شَهْر كَامِل كُلّ سَنَة أَثْقَل عَلَى الْأَبْدَان مِنْ صِيَام أَيَّام مَعْدُودَات . غَيْر أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَالثَّوَاب عَلَيْهِ أَجْزَل وَالْأَجْر عَلَيْهِ أَكْثَر , لِفَضْلِ مَشَقَّته عَلَى مُكَلَّفِيهِ مِنْ صَوْم أَيَّام مَعْدُودَات , فَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَبْدَان أَشَقّ فَهُوَ خَيْر مِنْ الْأَوَّل فِي الْآجِل لِفَضْلِ ثَوَابه وَعِظَم أَجْره الَّذِي لَمْ يَكُنْ مِثْله لِصَوْمِ الْأَيَّام الْمَعْدُودَات . فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا } لِأَنَّهُ إمَّا بِخَيْرِ مِنْهَا فِي الْعَاجِل لِخَفَّتِهِ عَلَى مَنْ كُلِّفَهُ , أَوْ فِي الْآجِل لِعِظَمِ ثَوَابه وَكَثْرَة أَجْره . أَوْ يَكُون مِثْلهَا فِي الْمَشَقَّة عَلَى الْبَدَن وَاسْتِوَاء الْأَجْر وَالثَّوَاب عَلَيْهِ , نَظِير نَسْخ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فَرْض الصَّلَاة شَطْر بَيْت الْمَقْدِس إلَى فَرْضهَا شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام . فَالتَّوَجُّه شَطْر بَيْت الْمَقْدِس , وَإِنْ خَالَفَ التَّوَجُّه شَطْر الْمَسْجِد , فَكُلْفَة التَّوَجُّه شَطْر أَيّهمَا تَوَجَّهَ شَطْره وَاحِدَة ; لِأَنَّ الَّذِي عَلَى الْمُتَوَجِّه شَطْر الْبَيْت الْمُقَدَّس مِنْ مُؤْنَة تَوَجُّهه شَطْره , نَظِير الَّذِي عَلَى بَدَنه مُؤْنَة تَوَجُّهه شَطْر الْكَعْبَة سَوَاء . فَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الْمِثْل الَّذِي قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { أَوْ مِثْلهَا } . وَإِنَّمَا عَنَى جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا } مَا نَنْسَخ مِنْ حُكْم آيَة أَوْ نُنْسِهِ . غَيْر أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِالْآيَةِ لَمَّا كَانَ مَفْهُومًا عِنْدهمْ مَعْنَاهَا اُكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ ذِكْر الْآيَة مِنْ ذِكْر حُكْمهَا . وَذَلِك نَظِير سَائِر مَا ذَكَرْنَا مِنْ نَظَائِره فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا , كَقَوْلِهِ : { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبهمْ الْعِجْل } 2 93 بِمَعْنَى حُبّ الْعِجْل وَنَحْو ذَلِكَ . فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا : مَا نُغَيِّر مِنْ حُكْم آيَة فَنُبَدِّلهُ أَوْ نَتْرُكهُ فَلَا نُبَدِّلهُ , نَأْتِ بِخَيْرِ لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ حُكْمًا مِنْهَا , أَوْ مِثْل حُكْمهَا فِي الْخِفَّة وَالثِّقَل وَالْأَجْر وَالثَّوَاب . فَإِنَّ قَالَ قَائِل : فَإِنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْعِجْل لَا يُشْرَب فِي الْقُلُوب وَأَنَّهُ لَا يَلْتَبِس عَلَى مَنْ سَمِعَ قَوْله : { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبهمْ الْعِجْل } أَنَّ مَعْنَاهُ : وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبهمْ حُبّ الْعِجْل , فَمَا الَّذِي يَدُلّ عَلَى أَنَّ قَوْله : { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا } لِذَلِكَ نَظِير ؟ قِيلَ : الَّذِي دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْله : { نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا أَوْ مِثْلهَا } وَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مِنْ الْقُرْآن شَيْء خَيْر مِنْ شَيْء ; لِأَنَّ جَمِيعه كَلَام اللَّه , وَلَا يَجُوز فِي صِفَات اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنْ يُقَال بَعْضهَا أَفْضَل مِنْ بَعْض وَبَعْضهَا خَيْر مِنْ بَعْض .
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { أَلَمْ تَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } أَلَمْ تَعْلَم يَا مُحَمَّد أَنِّي قَادِر عَلَى تَعْوِيضك مِمَّا نَسَخْت مِنْ أَحْكَامِي وَغَيَّرْته مِنْ فَرَائِضِي الَّتِي كُنْت افْتَرَضْتهَا عَلَيْك مَا أَشَاء مِمَّا هُوَ خَيْر لَك وَلِعِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَعَك وَأَنْفَع لَك وَلَهُمْ , إمَّا عَاجِلًا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا آجِلًا فِي الْآخِرَة . أَوْ بِأَنْ أُبَدِّل لَك وَلَهُمْ مَكَانه مِثْله فِي النَّفْع لَهُمْ عَاجِلًا فِي الدُّنْيَا وَآجِلًا فِي الْآخِرَة وَشَبِيهه فِي الْخِفَّة عَلَيْك وَعَلَيْهِمْ . فَاعْلَمْ يَا مُحَمَّد أَنِّي عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . وَمَعْنَى قَوْله : { قَدِير } فِي هَذَا الْمَوْضِع : قَوِيّ , يُقَال مِنْهُ : " قَدْ قَدَرْت عَلَى كَذَا وَكَذَا " . إذَا قَوِيت عَلَيْهِ " أَقْدِرُ عَلَيْهِ وَأَقْدُرُ عَلَيْهِ قُدْرَة وَقِدْرَانًا وَمَقْدِرَة " . وَبَنُو مُرَّة مِنْ غَطَفَانَ تَقُول : " قَدِرْت عَلَيْهِ " بِكَسْرِ الدَّال . فَأَمَّا مِنْ التَّقْدِير مِنْ قَوْل الْقَائِل : " قَدَرْت الشَّيْء " فَإِنَّهُ يُقَال مِنْهُ : " قَدَرْته أَقْدِرُهُ قَدْرًا وَقَدَرًا " .
Quran Translation Sura Al-Baqara aya 106
We do not abrogate a verse or cause it to be forgotten except that We bring forth [one] better than it or similar to it. Do you not know that Allah is over all things competent?