يقول تعالى : هؤلاء النبيون . وليس المراد هؤلاء المذكورين في هذه السورة فقط ، بل جنس الأنبياء عليهم السلام ، استطرد من ذكر الأشخاص إلى الجنس - ( الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم ) الآية .
قال السدي وابن جرير ، رحمه الله : فالذي عنى به من ذرية آدم : إدريس ، والذي عنى به من ذرية من حملنا مع نوح : إبراهيم والذي عنى به من ذرية إبراهيم : إسحاق ويعقوب وإسماعيل ، والذي عنى به من ذرية إسرائيل : موسى ، وهارون ، وزكريا ويحيى وعيسى ابن مريم .
قال ابن جرير : ولذلك فرق أنسابهم ، وإن كان يجمع جميعهم آدم ; لأن فيهم من ليس من ولد من كان مع نوح في السفينة ، وهو إدريس ، فإنه جد نوح .
قلت : هذا هو الأظهر أن إدريس في عمود نسب نوح ، عليهما السلام . وقد قيل : إنه من أنبياء بني إسرائيل ، أخذا من حديث الإسراء ، حيث قال في سلامه على النبي صلى الله عليه وسلم : " مرحبا بالنبي الصالح ، والأخ الصالح " ، ولم يقل : " والولد الصالح " ، كما قال آدم وإبراهيم ، عليهما السلام .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عبد الله بن محمد أن إدريس أقدم من نوح بعثه الله إلى قومه ، فأمرهم أن يقولوا : " لا إله إلا الله " ، ويعملوا ما شاءوا فأبوا ، فأهلكهم الله عز وجل .
ومما يؤيد أن المراد بهذه الآية جنس الأنبياء ، أنها كقوله تعالى في سورة الأنعام : ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ) إلى أن قال : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين ) الأنعام [ : 83 - 90 ] وقال تعالى : ( منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ) [ غافر : 78 ] . وفي صحيح البخاري ، عن مجاهد : أنه سأل ابن عباس : أفي " ص " سجدة ؟ قال : نعم ، ثم تلا هذه الآية : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) ، فنبيكم ممن أمر أن يقتدي بهم ، قال : وهو منهم ، يعني داود .
وقال الله تعالى في هذه الآية الكريمة : ( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ) أي : إذا سمعوا كلام الله المتضمن حججه ودلائله وبراهينه ، سجدوا لربهم خضوعا واستكانة ، وحمدا وشكرا على ما هم فيه من النعم العظيمة .
" والبكي " : جمع باك ، فلهذا أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا ، اقتداء بهم ، واتباعا لمنوالهم
قال سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي معمر قال : قرأ عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، سورة مريم ، فسجد وقال : هذا السجود ، فأين البكي ؟ يريد البكاء .
رواه ابن أبي حاتم وابن جرير ، وسقط من روايته ذكر " أبي معمر " فيما رأيت ، والله أعلم .
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: هؤلاء الذين اقتصصتُ عليك أنباءهم في هذه السورة يا محمد، الذين أنعم الله عليهم بتوفيقه، فهداهم لطريق الرشد من الأنبياء من ذريّة آدم، ومن ذرّية من حملنا مع نوح في الفُلك، ومن ذرّية إبراهيم خليل الرحمن، ومن ذرّية إسرائيل، وممن هدينا للإيمان بالله والعمل بطاعته واجتبينا: يقول: وممن اصطفينا واخترنا لرسالتنا ووحينا، فالذي عنى به من ذرية آدم إدريس، والذي عنى به من ذرية من حملنا مع نوح إبراهيم، والذي عنى به من ذرية إبراهيم إسحاق ويعقوب وإسماعيل، والذي عنى به من ذرية إسرائيل: موسى وهارون وزكريا وعيسى وأمه مريم، ولذلك فرق تعالى ذكره أنسابهم وإن كان يجمع جميعهم آدم لأن فيهم من ليس من ولد من كان مع نوح في السفينة، وهو إدريس، وإدريس جدّ نوح.
وقوله تعالى ذكره: ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ ) يقول إذا تتلى على هؤلاء الذين أنعم الله عليهم من النبيين أدلة الله وحججه التي أنـزلها عليهم في كتبه، خروا لله سجدا، استكانة له وتذللا وخضوعا لأمره وانقيادا، (وَبُكِيًّا) يقول: خرّوا سجدا وهم باكون، والبُكِيّ: جمع باك، كما العُتِيّ جمع عات والجُثِيّ: جمع جاث، فجمع وهو فاعل على فعول، كما يجمع القاعد قعودا، والجالس جلوسا، وكان القياس أن يكون: وبُكوّا وعتوّا، ولكن كرهت الواو بعد الضمة فقلبت ياء، كما قيل في جمع دلو أدل. وفي جمع البهو أبه، وأصل ذلك أفعل أدلو وأبهو، فقلبت الواو ياء لمجيئها بعد الضمة استثقالا وفي ذلك لغتان مستفيضتان، قد قرأ بكلّ واحدة علماء من القرّاء بالقرآن بكيا وعتوّا بالضم، وبكيا وعتيا بالكسر. وقد يجوز أن يكون البكيّ هو البكاء بعينه.
وقد حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: قرأ عمر بن الخطاب سورة مريم فسجد وقال: هذا السجود، فأين البكيّ؟ يريد: فأين البكاء.
Quran Translation Sura Maryam aya 58
Those were the ones upon whom Allah bestowed favor from among the prophets of the descendants of Adam and of those We carried [in the ship] with Noah, and of the descendants of Abraham and Israel, and of those whom We guided and chose. When the verses of the Most Merciful were recited to them, they fell in prostration and weeping.