ومعنى قول إبراهيم لأبيه : ( سلام عليك ) يعني : أما أنا فلا ينالك مني مكروه ولا أذى ، وذلك لحرمة الأبوة ، ( سأستغفر لك ربي ) أي : ولكن سأسأل الله تعالى فيك أن يهديك ويغفر ذنبك ، ( إنه كان بي حفيا ) قال ابن عباس وغيره : لطيفا ، أي : في أن هداني لعبادته والإخلاص له . وقال مجاهد وقتادة ، وغيرهما : ( إنه كان بي حفيا ) قال : وعوده الإجابة .
وقال السدي : " الحفي " : الذي يهتم بأمره .
وقد استغفر إبراهيم لأبيه مدة طويلة ، وبعد أن هاجر إلى الشام وبنى المسجد الحرام ، وبعد أن ولد له إسماعيل وإسحاق ، عليهما السلام ، في قوله : ( ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ) [ إبراهيم : 41 ] .
وقد استغفر المسلمون لقراباتهم وأهليهم من المشركين في ابتداء الإسلام ، وذلك اقتداء بإبراهيم الخليل في ذلك حتى أنزل الله تعالى : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ) الآية الممتحنة : 4 ، يعني إلا في هذا القول ، فلا تتأسوا به . ثم بين تعالى أن إبراهيم أقلع عن ذلك ، ورجع عنه ، فقال تعالى : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) [ التوبة : 113 ، 114 ] .
يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لأبيه حين توعَّده على نصيحته إياه ودعائه إلى الله بالقول السيئ والعقوبة: سلام عليك يا أبت، يقول: أمنة مني لك أن أعاودك فيما كرهت، ولدعائك إليّ ما توعدتني عليه بالعقوبة، ولكني ( سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ) يقول: ولكني سأسأل ربي أن يستر عليك ذنوبك بعفوه إياك عن عقوبتك عليها( إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ) يقول: إن ربي عهدته بي لطيفا يجيب دعائي إذا دعوته ، يقال منه: تحفى بي فلان. وقد بيَّنت ذلك بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته هاهنا.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ) يقول: لطيفا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ) قال: إنه كان بي لطيفا، فإن الحفيّ: اللطيف.
Quran Translation Sura Maryam aya 47
[Abraham] said, "Peace will be upon you. I will ask forgiveness for you of my Lord. Indeed, He is ever gracious to me.