وقوله : ( فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا ) أي : إنهم لما استرابوا في أمرها واستنكروا قضيتها ، وقالوا لها ما قالوا معرضين بقذفها ورميها بالفرية ، وقد كانت يومها ذلك صائمة ، صامتة فأحالت الكلام عليه ، وأشارت لهم إلى خطابه وكلامه ، فقالوا متهكمين بها ، ظانين أنها تزدري بهم وتلعب بهم : ( كيف نكلم من كان في المهد صبيا )
قال ميمون بن مهران : ( فأشارت إليه ) ، قالت : كلموه . فقالوا : على ما جاءت به من الداهية تأمرنا أن نكلم من كان في المهد صبيا!
وقال السدي : لما أشارت إليه غضبوا ، وقالوا : لسخريتها بنا حين تأمرنا أن نكلم هذا الصبي أشد علينا من زناها .
( قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا ) أي : من هو موجود في مهده في حال صباه وصغره ، كيف يتكلم ؟
يقول تعالى ذكره: فلما قال قومها ذلك لها قالت لهم ما أمرها عيسى بقيله لهم، ثم أشارت لهم إلى عيسى أن كلِّموه.
كما حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو ، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: لما قالوا لها مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا قالت لهم ما أمرها الله به، فلما أرادوها بعد ذلك على الكلام أشارت إليه، إلى عيسى.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ) قال: أمرتهم بكلامه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه ( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ) يقول: أشارت إليه أن كلِّموه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله ( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ) أن كَلِّموه.
وقوله ( قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ) يقول تعالى ذكره ، قال قومها لها: كيف نكلم من وُجد في المهد؟ وكان في قوله ( مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ) معناها التمام، لا التي تقتضي الخبر، وذلك شبيه المعنى بكان التي في قوله هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا وإنما معنى ذلك: هل أنا إلا بشر رسول؟ وهل وجدت أو بعثت; وكما قال زهير بن أبي سُلْمَى:
زَجَــرْتُ علَيْــهِ حُــرَّةً أرْحَبِيَّـةً
وَقَـدْ كَـانَ لَـوْنُ اللَّيْـلِ مِثْلَ الأرَنْدَجِ (2)
بمعنى: وقد صار أو وُجد. وقيل: إنه عنى بالمهد في هذا الموضع: حجر أمه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ) والمهد: الحجر.
قال أبو جعفر: وقد بينا معنى المهد فيما مضى بشواهده، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.
------------------------
الهوامش:
(2) البيت في ( ديوان زهير بن أبي سلمى . طبعة دار الكتب المصرية بشرح أبي العباس ثعلب ، ص 323 ) ورواية الأصل : أجرت تحريف . وقوله عليه : على ذلك الطريق . وحرة كريمة وأرحبية : منسوبة إلى أرحب ، وأرحب بطن من همدان ، تنسب إليهم النجائب الأرحبية ، وقيل هو موضع . وقال الأزهري : يحتمل أن يكون أرحب فحلا تنسب إليه النجائب لأنها من نسله والأرندج واليرندج : السواد يسود به الخف ، أو هو الجلد الأسود . أي زجرت على هذا الطريق هذه الناقة . والليل أسود مثل الأرندج .
Quran Translation Sura Maryam aya 29
So she pointed to him. They said, "How can we speak to one who is in the cradle a child?"