يقول تعالى مخبرا عن يأجوج ومأجوج أنهم ما قدروا على أن يصعدوا فوق هذا السد ولا قدروا على نقبه من أسفله . ولما كان الظهور عليه أسهل من نقبه قابل كلا بما يناسبه فقال : ( فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ) وهذا دليل على أنهم لم يقدروا على نقبه ، ولا على شيء منه .
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد :
حدثنا روح ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، حدثنا أبو رافع ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم ، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غدا فيعودون إليه كأشد ما كان ، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس [ حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس ] قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله . ويستثني ، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه ، فيحفرونه ويخرجون على الناس ، فينشفون المياه ، ويتحصن الناس منهم في حصونهم ، فيرمون بسهامهم إلى السماء ، [ فترجع وعليها هيئة الدم ، فيقولون : قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء ] . فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم ، فيقتلهم بها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، إن دواب الأرض لتسمن ، وتشكر شكرا من لحومهم ودمائهم " .
ورواه أحمد أيضا عن حسن - هو ابن موسى الأشيب - عن سفيان ، عن قتادة ، به . وكذا رواه ابن ماجه ، عن أزهر بن مروان ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة قال : حدث رافع . وأخرجه الترمذي ، من حديث أبي عوانة ، عن قتادة . ثم قال : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
وهذا إسناده قوي ، ولكن في رفعه نكارة ؛ لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه ، لإحكام بنائه وصلابته وشدته . ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار : أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل ، فيقولون : غدا نفتحه . فيأتون من الغد وقد عاد كما كان ، فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل ، فيقولون كذلك ، ويصبحون وهو كما كان ، فيلحسونه ويقولون : غدا نفتحه . ويلهمون أن يقولوا : " إن شاء الله " ، فيصبحون وهو كما فارقوه ، فيفتحونه . وهذا متجه ، ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب . فإنه كثيرا ما كان يجالسه ويحدثه ، فحدث به أبو هريرة ، فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع ، فرفعه ، والله أعلم .
ويؤكد ما قلناه - من أنهم لم يتمكنوا من نقبه ولا نقب شيء منه ، ومن نكارة هذا المرفوع - قول الإمام أحمد :
حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عروة ، عن [ زينب بنت أبي سلمة ، عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان ، عن أمها أم حبيبة ، عن ] زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم - قال سفيان أربع نسوة - قالت : استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نومه . وهو محمر وجهه ، وهو يقول : " لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب ! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا " . وحلق . قلت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : " نعم إذا كثر الخبث " .
هذا حديث صحيح ، اتفق البخاري ومسلم على إخراجه ، من حديث الزهري ، ولكن سقط في رواية البخاري ذكر حبيبة ، وأثبتها مسلم . وفيه أشياء عزيزة نادرة قليلة الوقوع في صناعة الإسناد ، منها رواية الزهري عن عروة ، وهما تابعيان ومنها اجتماع أربع نسوة في سنده ، كلهن يروي بعضهن عن بعض . ثم كل منهن صحابية ، ثم ثنتان ربيبتان وثنتان زوجتان ، رضي الله عنهن .
وقد روي نحو هذا عن أبي هريرة أيضا ، فقال البزار : حدثنا محمد بن مرزوق ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، حدثنا وهيب ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا " وعقد التسعين . وأخرجه البخاري ومسلم من حديث وهيب ، به .
القول في تأويل قوله : (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ ) يقول عزّ ذكره:
فما اسطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوا الردم الذي جعله ذو القرنين حاجزا بينهم، وبين من دونهم من الناس، فيصيروا فوقه وينـزلوا منه إلى الناس.
يقال منه: ظهر فلان فوق البيت: إذا علاه ، ومنه قول الناس: ظهر فلان على فلان: إذا قهره وعلاه وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ) يقول: ولم يستطيعوا أن ينقبوه من أسفله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ ) من قوله ( وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) أي من أسفله.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ ) قال : ما استطاعوا أن ينـزعوه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين ، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة ( فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ ) قال: أن يرتقوه ( وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا )
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاج، عن ابن جريج، ( فما استطاعوا أن يظهروه ) قال: أن يرتقُوه ( وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا )
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ( فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ ) قال: يعلوه ( وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ) أي ينقبوه من أسفله.
واختلف أهل العربية في وجه حذف التاء من قوله: (فَمَا اسْطَاعُوا ) فقال بعض نحويي البصرة: فعل ذلك لأن لغة العرب أن تقول: اسطاع يسطيع، يريدون بها: استطاع يستطيع، ولكن حذفوا التاء إذا جُمعت مع الطاء ومخرجهما واحد. قال: وقال بعضهم: استاع، فحذف الطاء لذلك. وقال بعضهم: أسطاع يسطيع، فجعلها من القطع كأنها أطاع يطيع، فجعل السين عوضًا من إسكان الواو . (9) وقال بعض نحوييّ الكوفة: هذا حرف استعمل فكثر حتى حذف.
------------------------
الهوامش:
(7) البيتان من شواهد أبي عبيدة في ( مجاز القرآن 1 : 414 ) قال : " بين الصدفين " : فبعضهم يضمها ، وبعضهم يفتحها ( الصاد المشددة ) يحرك الدال . ومجازهما : ما بين الناحيتين من الجبلين . وقال : " قد أخذت . . . البيتين " . ولم ينسبهما وفي ( اللسان : صدف ) : والصدفان ( التحدريك ) والصدفان بضمهما : جبلان متلاقيان بيننا وبين يأجوج ومأجوج . وفي التنزيل العزيز : ( حتى إذا ساوى بين الصدفين ) : قرئ الصدفين ( بالتحريك ) والصدفين وبضمهما ، والصدفين ( بضم الأول وفتح الثاني ) .وفي هامش اللسان " وبقيت رابعة : الصدّفين كعضوين كما في القاموس " . ( ثم قال في اللسان وفي الحديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مر بصدف أو هدف مائل أسرع المشي " . ابن الأثير : هو بفتحتين وضمتين . قال أبو عبيدة : الصدف والهدف : واحد ، وهو كل بناء مرتفع عظيم . قال الأزهري : وهو مثل صدف الجبل ، شبه به ، وهو ما قابلك من جانبه . أه .
(8) البيت من شواهد أبي عبيدة في ( مجاز القرآن 1 : 415 ) عند تفسير قوله تعالى : ( أفرغ عليه قطرا ) قال : أي أصب عليه حديدًا ذائبا ، قال : " حساما . . . البيت " جمع قطر ، وجعله بعضهم الرصاص النقرة أه . وفي ( اللسان : قطر ) والقطر بالكسر : النحاس الذائب، وقيل ضرب منه أه . وفي ( اللسان : جرز ) : وسيف جراز : قاطع : ويقال : سيف جراز : إذا كان مستأصلا . والجراز من السيوف : الماضي النافذ أه .
(9) أي عوضا من ذهاب حركة الواو ، كما في اللسان .
Quran Translation Sura Al-Kahf aya 97
So Gog and Magog were unable to pass over it, nor were they able [to effect] in it any penetration.