يخبر تعالى عن نقص الإنسان من حيث هو ، إلا من عصم الله تعالى في حالتي سرائه وضرائه ، بأنه إذا أنعم الله عليه بمال وعافية ، وفتح ورزق ونصر ، ونال ما يريد ، أعرض عن طاعة الله وعبادته ونأى بجانبه .
قال مجاهد : بعد عنا .
قلت : وهذا كقوله تعالى : ( فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه ) [ يونس : 12 ] ، وقوله ) فلما نجاكم إلى البر أعرضتم ) [ الإسراء : 67 ] .
وبأنه إذا مسه الشر - وهو المصائب والحوادث والنوائب - ( كان يئوسا ) أي : قنط أن يعود يحصل له بعد ذلك خير ، كما قال تعالى : ( ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير ) [ هود : 10 ، 11 ] .
يقول تبارك وتعالى: وإذا أنعمنا على الإنسان، فنجَّيناه من كرب ما هو فيه في البحر، وهو ما قد أشرف فيه عليه من الهلاك بعصوف الريح عليه إلى البرّ، وغير ذلك من نعمنا، أعرض عن ذكرنا، وقد كان بنا مستغيثا دون كلّ أحد سوانا في حال الشدّة التي كان فيها( وَنَأَى بِجَانِبِهِ ) يقول: وبعد منا بجانبه، يعني بنفسه، كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ قبل ذلك.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن مجاهد ، في قوله ( وَنَأَى بِجَانِبِهِ ) قال: تباعد منا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
والقراءة على تصيير الهمزة في نَأَى قبل الألف، وهي اللغة الفصيحة، وبها نقرأ. وكان بعض أهل المدينة يقرأ ذلك " ونَاء " فيصير الهمزة بعد الألف، وذلك وإن كان لغة جائزة قد جاءت عن العرب بتقديمهم في نظائر ذلك الهمز في موضع هو فيه مؤخرّ، وتأخيرهموه في موضع، هو مقدّم، كما قال الشاعر:
أعـــلامٌ يُقَلِّـــلُ رَاءَ رُؤْيـــا
فَهْـوَ يَهْـذِي بِمـا رأى فِـي المَنـامِ (9)
وكما قال آبار وهي أبآر، فقدموا الهمزة، فليس ذلك هو اللغة الجُودَى، بل الأخرى هي الفصيحة.
وقوله عزّ وجلّ( وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا ) يقول: وإذا مسه الشرّ والشدّة كان قنوطا من الفرج والروْح.
وبنحو الذي قلنا في اليئوس، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عليّ بن داود، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا ) يقول: قَنُوطا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا ) يقول: إذا مسه الشرّ أَيِس وقَنِط.
---------------------
الهوامش :
(9) هكذا جاء هذا البيت في الأصول، ولم نهتد إلى قائله بعد بحث، وهو من بحر الخفيف، وفيه تحريف في شطره الأول. ولعل الصواب في روايته هكذا:
أم غـــلامٌ مُضلــل راء رُؤْيــا
فَهْـوَ يَهْـذِي بِمـا رأى فِـي المنَـامِ
أما محل الشاهد في البيت فسليم، في قوله "راء" فإنه مقلوب رأى، قدمت اللام على العين، وهو في تقدير "فلع" والدليل على ذلك أن مصدر الفعلين واحد هو الرؤيا، ومثله في القلب: "ناء" ومصدرهما النأي.
Quran Translation Sura Al-Israa aya 83
And when We bestow favor upon the disbeliever, he turns away and distances himself; and when evil touches him, he is ever despairing.