وقوله : ( وجعلنا على قلوبهم أكنة ) : جمع كنان الذي يغشى القلب ( أن يفقهوه ) أي لئلا يفهموا القرآن ( وفي آذانهم وقرا ) وهو الثقل الذي يمنعهم من سماع القرآن سماعا ينفعهم ويهتدون به
وقوله : ( وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ) أي إذا وحدت الله في تلاوتك وقلت لا إله إلا الله ( ولوا ) أي أدبروا راجعين ( على أدبارهم نفورا ) ونفور جمع نافر كقعود جمع قاعد ويجوز أن يكون مصدرا من غير الفعل والله أعلم كما قال تعالى : ( وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ) [ الزمر 45 .
قال قتادة في قوله : ( وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا ) إن المسلمين لما قالوا لا إله إلا الله أنكر ذلك المشركون وكبرت عليهم وضاقها إبليس وجنوده فأبى الله إلا أن يمضيها وينصرها ويفلجها ويظهرها على من ناوأها إنها كلمة من خاصم بها فلج ومن قاتل بها نصر إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة من المسلمين التي يقطعها الراكب في ليال قلائل ويسير الدهر في فئام من الناس لا يعرفونها ولا يقرون بها
قول آخر في الآية
وروى ابن جرير حدثني الحسين بن محمد الذارع ، حدثنا روح بن المسيب أبو رجاء الكلبي حدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس في قوله : ( وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا ) هم الشياطين
هذا غريب جدا في تفسيرها وإلا فالشياطين إذا قرئ القرآن أو نودي بالأذان أو ذكر الله انصرفوا .
يقول تعالى ذكره: وجعلنا على قلوب هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة عند قراءتك عليهم القرآن أكنة، وهي جمع كِنان، وذلك ما يتغشَّاها من خِذلان الله إياهم عن فهم ما يُتلى عليهم (وفِي آذانهِمْ وَقْرًا) يقول: وجعلنا في آذانهم وقرا عن سماعه، وصمما، والوَقر بالفتح في الأذن : الثقل. والوِقر بالكسر: الحِمْل. وقوله ( وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ ) يقول: وإذا قلت: لا إله إلا الله في القرآن وأنت تتلوه ( وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ) يقول: انفضوا، فذهبوا عنك نفورا من قولك استكبارا له واستعظاما من أن يوحِّد الله تعالى.
وبما قلنا في ذلك، قال بعض أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا ) وإن المسلمين لما قالوا: لا إله إلا الله، أنكر ذلك المشركون وكبرت عليهم، فصافها (2) إبليس وجنوده، فأبى الله إلا أن يمضيها وينصرها ويفلجها ويظهرها على من ناوأها، إنها كلمة من خاصم بها فلج، ومن قاتل بها نُصِر، إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة من المسلمين، التي يقطعها الراكب في ليال قلائل ويسير الدهر في فِئام من الناس لا يعرفونها ولا يقرّون بها.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ) قال: بغضا لما تكلم به لئلا يسمعوه، كما كان قوم نوح يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا ما يأمرهم به من الاستغفار والتوبة، ويَستغشُون ثيابهم، قال: يلتفون بثيابهم، ويجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا ولا يُنظر إليهم.
وقال آخرون: إنما عُنِي بقوله ( وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ) الشياطين، وإنها تهرب من قراءة القرآن، وذكر الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني الحسين بن محمد الذارع، قال: ثنا روح بن المسيب أبو رجاء الكلبي، قال: ثنا عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، في قوله ( وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ) هم الشياطين.
والقول الذي قلنا في ذلك أشبه بما دلّ عليه ظاهر التنـزيل، وذلك أن الله تعالى أتبع ذلك قوله ( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ) فأن يكون ذلك خبرا عنهم أولى إذا كان بخبرهم متصلا من أن يكون خبرا عمن لم يجز له ذكر. وأما النفور، فإنها جمع نافر، كما القعود جمع قاعد، والجلوس جمع جالس؛ وجائز أن يكون مصدرا أخرج من غير لفظه، إذ كان قوله (وَلَّوْا) بمعنى: نفروا، فيكون معنى الكلام: نفروا نفورا، كما قال امرؤ القيس:
وَرُضْتُ فَذَلَّتْ صَعْبَةٌ أَيَّ إِذْلالِ (3)
إذا كان رُضْت بمعنى: أذللت، فأخرج الإذلال من معناه، لا من لفظه.
-------------------------
الهوامش :
(2) يقال : صافه ، بتشديد الفاء ، فهو مضاف : إذا رتب صفوفه في مقابله صفوف العدو ، وتصافوا عليه : اجتمعوا صفا .
(3) هذا عجز بيت لامرئ القيس بن حجر الكندي ، صدره * وصرنـا إلى الحسنى ورق كلامنا *
وهو من قصيدة عدة أبياتها 54 بيتا ، وهو الخامس والعشرون فيها ، ( انظر مختار الشعر الجاهلي ، بشرح مصطفى السقا ، طبعة الحلبي ص 38 ) . وقد استشهد المؤلف على أن قول القرآن ، " ولوا على أدبارهم نفورا " يجوز أن يكون لفظ ( نفورا) جمع نافر ، كجلوس جمع جالس ، وقعود جمع قاعد ، ويجوز أن يكون مصدر نفر ، وهو مفعول مطلق للفعل " ولوا " لأنه يئول بمعنى نفورا كما يئول قول امرئ القيس (أي إذلال) بمعنى أي ذل مع ما بينهما من فرق في المعنى . ولكن العرب تتسمح في وضع بعض المصادر موضع بعض على التأويل .
Quran Translation Sura Al-Israa aya 46
And We have placed over their hearts coverings, lest they understand it, and in their ears deafness. And when you mention your Lord alone in the Qur'an, they turn back in aversion.