وقوله : ( وإذ تأذن ربكم ) أي : آذنكم وأعلمكم بوعده لكم . ويحتمل أن يكون المعنى : وإذ أقسم ربكم وآلى بعزته وجلاله وكبريائه كما قال : ( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة [ من يسومهم سوء العذاب ] ) [ الأعراف : 167 ] .
وقوله ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) أي : لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها ، ( ولئن كفرتم ) أي : كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها ، ( إن عذابي لشديد ) وذلك بسلبها عنهم ، وعقابه إياهم على كفرها .
وقد جاء في الحديث : " إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " .
وفي المسند : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر به سائل فأعطاه تمرة ، فتسخطها ولم يقبلها ، ثم مر به آخر فأعطاه إياها ، فقبلها وقال : تمرة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر له بأربعين درهما أو كما قال .
قال الإمام أحمد : حدثنا أسود ، حدثنا عمارة الصيدلاني ، عن ثابت ، عن أنس قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها - أو : وحش بها - قال : وأتاه آخر فأمر له بتمرة ، فقال : سبحان الله! تمرة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال للجارية : " اذهبي إلى أم سلمة ، فأعطيه الأربعين درهما التي عندها " .
تفرد به الإمام أحمد .
وعمارة بن زاذان وثقه ابن حبان ، وأحمد ، ويعقوب بن سفيان وقال ابن معين : صالح . وقال أبو زرعة : لا بأس به . وقال أبو حاتم : يكتب حديثا ولا يحتج به ، ليس بالمتين . وقال البخاري : ربما يضطرب في حديثه . وعن أحمد أيضا أنه قال : روي عنه أحاديث منكرة . وقال أبو داود : ليس بذاك . وضعفه الدارقطني ، وقال ابن عدي : لا بأس به ممن يكتب حديثه .
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه: واذكروا أيضًا حين آذنكم رَبُّكم.
* * *
و " تأذن " ، " تفعَّل " من "آذن " . والعرب ربما وضعت " تفعَّل " موضع " أفعل " ، كما قالوا: " أوعدتُه " " وتَوعَّدته " ، بمعنى واحد . و "آذن " ، أعلم ، (11) كما قال الحارث بن حِلِّزة:
آذَنَتْنَــــا بِبَيْنِهَــــا أَسْـــمَاءُ
رُبَّ ثَــاوٍ يُمَــلُّ مِنْــهُ الثَّــوَاءُ (12)
يعني بقوله: "آذنتنا " ، أعلمتنا.
* * *
وذكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرأ : ( وإذ تأذن ربكم ) : " وَإِذْ قَالَ رَبُّكُمْ ":-
20583- حدثني بذلك الحارث قال ، حدثني عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش عنه. (13)
20584- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله: ( وإذ تأذن ربكم ) ، وإذ قال ربكم ، ذلك " التأذن ".
* * *
وقوله: ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، يقول: لئن شكرتم ربَّكم ، بطاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم ، لأزيدنكم في أياديه عندكم ونعمهِ عليكم ، على ما قد أعطاكم من النجاة من آل فرعون والخلاص مِنْ عذابهم.
* * *
وقيل في ذلك قولٌ غيره ، وهو ما:-
20585- حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا الحسين بن الحسن قال ، أخبرنا ابن المبارك قال ، سمعت علي بن صالح ، يقول في قول الله عز وجل: ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، قال: أي من طاعتي.
20586- حدثنا المثنى قال ، حدثنا يزيد قال ، أخبرنا ابن المبارك قال: سمعت علي بن صالح ، فذكر نحوه.
20587- حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان: ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، قال: من طاعتي.
20588- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا مالك بن مغول ، عن أبان بن أبي عياش ، عن الحسن ، في قوله: ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، قال: من طاعتي.
* * *
قال أبو جعفر : ولا وجهَ لهذا القول يُفْهَم ، لأنه لم يجرِ للطاعة في هذا الموضع ذكرٌ فيقال: إن شكرتموني عليها زدتكم منها ، وإنما جَرَى ذكر الخبر عن إنعام الله على قوم موسى بقوله: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ، ثم أخبرهم أن الله أعلمهم إن شكروه على هذه النعمة زادهم . فالواجب في المفهوم أن يكون معنى الكلام: زادهم من نعمه ، لا مما لم يجرِ له ذكر من " الطاعة " ، إلا أن يكون أريد به: لئن شكرتم فأطعتموني بالشكر ، لأزيدنكم من أسباب الشكر ما يعينكم عليه ، فيكون ذلك وجهًا.
* * *
وقوله: ( ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) ، يقول: ولئن كفرتم ، أيها القوم ، نعمةَ الله ، فجحدتموها بتركِ شكره عليها وخلافِه في أمره ونهيه ، وركوبكم معاصيه ( إن عَذَابي لشديد ) ، أعذبكم كما أعذب من كفر بي من خلقي.
* * *
وكان بعض البصريين يقول في معنى قوله: ( وإذ تأذن ربكم ) ، وتأذّن ربكم: ويقول: " إذ " من حروف الزوائد ، (14) وقد دللنا على فساد ذلك فيما مضى قبل. (15)
-------------------------
الهوامش :
(11) انظر تفسير " أذن " فيما سلف 13 : 204 ، ثم تفسير " الإذن " فيما سلف من فهارس اللغة . ثم انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 345 .
(12) مطلع طويلته المشهورة ، انظر شرح القصائد السبع لابن الأنباري : 433 .
(13) الأثر : 20583 - " الحارث " ، هو " الحارث بن أبي أسامة " منسوبًا إلى جده ، وهو " الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي " ، شيخ الطبري ، ثقة ، سلف مرارًا آخرها رقم : 14333.
و " عبد العزيز " ، هو " عبد العزيز بن أبان الأموي " ، كذاب خبيث يضع الأحاديث ، مضى مرارًا كثيرة آخرها رقم 14333 .
(14) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1 : 345 .
(15) انظر ما سلف 1 : 439 - 444 ويزاد في المراجع ص : 439 ، تعليق : 1 أن قول أبي عبيدة هذا في مجاز القرآن 1 : 36 ، 37 .
Quran Translation Sura Ibrahim aya 7
And [remember] when your Lord proclaimed, 'If you are grateful, I will surely increase you [in favor]; but if you deny, indeed, My punishment is severe.' "