ولهذا قال : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) أي : وعده هذا حاصل يوم تبدل الأرض غير الأرض ، وهي هذه على غير الصفة المألوفة المعروفة ، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء ، كقرصة النقي ، ليس فيها معلم لأحد " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة أنها قالت : أنا أول الناس سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار ) قالت : قلت : أين الناس يومئذ يا رسول الله ؟ قال : " على الصراط " .
رواه مسلم منفردا به دون البخاري ، والترمذي ، وابن ماجه ، من حديث داود بن أبي هند به . وقال الترمذي : حسن صحيح .
ورواه أحمد أيضا ، عن عفان ، عن وهيب عن داود ، عن الشعبي ، عنها ولم يذكر مسروقا .
وقال قتادة ، عن حسان بن بلال المزني ، عن عائشة - رضي الله عنها - أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) قال : قالت يا رسول الله ، فأين الناس يومئذ ؟ قال : " لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي ، ذاك أن الناس على جسر جهنم .
وروى الإمام أحمد من حديث حبيب بن أبي عمرة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، حدثتني عائشة أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله تعالى : ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) [ الزمر : 67 ] فأين الناس يومئذ يا رسول الله ؟ قال : " هم على متن جهنم " .
وقال ابن جرير : حدثنا الحسن ، حدثنا علي بن الجعد ، أخبرني القاسم ، سمعت الحسن قال : قالت عائشة : يا رسول الله ، ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) فأين الناس يومئذ ؟ قال : " إن هذا شيء ما سألني عنه أحد " قال : " على الصراط يا عائشة " .
ورواه أحمد ، عن عفان عن القاسم بن الفضل ، عن الحسن به .
وقال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه : حدثني الحسن بن علي الحلواني ، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ، حدثنا معاوية بن سلام ، عن زيد - يعني : أخاه - أنه سمع أبا سلام ، حدثني أبو أسماء الرحبي أن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثه قال : كنت قائما عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه حبر من أحبار اليهود ، فقال : السلام عليك يا محمد . فدفعته دفعة كاد يصرع منها ، فقال : لم تدفعني ؟ فقلت : ألا تقول : يا رسول الله ؟! فقال اليهودي : إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي " . فقال اليهودي : جئت أسألك . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أينفعك شيء إن حدثتك ؟ " فقال : أسمع بأذني . فنكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعود معه فقال : " سل " فقال اليهودي : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هم في الظلمة دون الجسر " قال فمن أول الناس إجازة ؟ قال : فقال : " [ فقراء ] المهاجرين " . قال اليهودي : فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ قال : " زيادة كبد النون " قال : فما غذاؤهم في أثرها ؟ قال : " ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها " . قال : فما شرابهم عليه ؟ قال : " من عين فيها تسمى سلسبيلا " . قال : صدقت . قال : وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان ؟ قال : " أينفعك إن حدثتك ؟ " قال : أسمع بأذني . قال : جئت أسألك عن الولد . قال : " ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله " " قال اليهودي : لقد صدقت ، وإنك لنبي ، ثم انصرف . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله به " .
[ و ] قال أبو جعفر بن جرير الطبري : حدثني ابن عوف ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا سعيد بن ثوبان الكلاعي ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - حبر من اليهود فقال : أرأيت إذ يقول الله في كتابه : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) فأين الخلق عند ذلك ؟ فقال : " أضياف الله ، فلن يعجزهم ما لديه " .
ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم به .
وقال شعبة : أخبرنا أبو إسحاق ، سمعت عمرو بن ميمون - وربما قال : قال عبد الله ، وربما لم يقل - فقلت له : عن عبد الله ؟ فقال : سمعت عمرو بن ميمون يقول : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) قال : أرض كالفضة البيضاء نقية ، لم يسفك فيها دم ، ولم يعمل عليها خطيئة ، ينفذهم البصر ، ويسمعهم الداعي ، حفاة عراة كما خلقوا . قال : أراه قال : قياما حتى يلجمهم العرق .
وروي من وجه آخر عن شعبة عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن مسعود بنحوه . وكذا رواه عاصم ، عن زر ، عن ابن مسعود به .
وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون لم يخبر به . أورد ذلك كله ابن جرير .
وقد قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل ، حدثنا سهل بن حماد أبو عتاب ، حدثنا جرير بن أيوب ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قول الله - عز وجل - : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) قال : " أرض بيضاء لم يسقط عليها دم ولم يعمل عليها خطيئة " . ثم قال : لا نعلم رفعه إلا جرير بن أيوب ، وليس بالقوي .
ثم قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن سنان عن جابر الجعفي ، عن أبي جبيرة عن زيد قال : أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليهود فقال : " هل تدرون لم أرسلت إليهم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " أرسلت إليهم أسألهم عن قول الله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) إنها تكون يومئذ بيضاء مثل الفضة " . فلما جاءوا سألهم فقالوا : تكون بيضاء مثل النقي .
وهكذا روي عن علي ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، ومجاهد بن جبر أنها تبدل يوم القيامة بأرض من فضة .
وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال : تصير الأرض فضة ، والسموات ذهبا .
وقال الربيع : عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : تصير السموات جنانا .
وقال أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ، أو عن محمد بن قيس في قوله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) قال : [ تبدل ] خبزة يأكل منها المؤمنون من تحت أقدامهم .
وكذا روى وكيع ، عن عمر بن بشير الهمداني ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) قال : تبدل خبزة بيضاء ، يأكل المؤمن من تحت قدميه .
وقال الأعمش ، عن خيثمة قال : قال عبد الله - هو ابن مسعود - : الأرض كلها يوم القيامة نار ، والجنة من ورائها ترى كواعبها وأكوابها ، ويلجم الناس العرق ، أو يبلغ منهم العرق ، ولم يبلغوا الحساب .
وقال الأعمش أيضا ، عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن السكن قال : قال عبد الله : الأرض كلها نار يوم القيامة ، [ و ] الجنة من ورائها ، ترى أكوابها وكواعبها ، والذي نفس عبد الله بيده ، إن الرجل ليفيض عرقا حتى ترسخ في الأرض قدمه ، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه ، وما مسه الحساب . قالوا مم ذاك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : مما يرى الناس يلقون .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن كعب في قوله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) قال : تصير السموات جنانا ، ويصير مكان البحر نارا ، وتبدل الأرض غيرها .
وفي الحديث الذي رواه أبو داود : " لا يركب البحر إلا غاز أو حاج أو معتمر ، فإن تحت البحر نارا - أو : تحت النار بحرا " .
وفي حديث الصور المشهور المروي عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " تبدل الأرض غير الأرض والسموات ، فيبسطها ويمدها مد الأديم العكاظي ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، ثم يزجر الله الخلق زجرة ، فإذا هم في هذه المبدلة " .
وقوله : ( وبرزوا لله ) أي : خرجت الخلائق جميعها من قبورهم لله ( الواحد القهار ) أي : الذي قهر كل شيء وغلبه ، ودانت له الرقاب ، وخضعت له الألباب .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ ) الذي وعدهم من كذّبهم ، وجحد ما أتَوْهم به من عنده ، وإنما قاله تعالى ذكره لنبيه تثبيتا وتشديدا لعزيمته ، ومعرّفه أنه منـزل من سخطه بمن كذّبه وجحد نبوّته ، وردّ عليه ما أتاه به من عند الله ، مثال ما أنـزل بمن سلكوا سبيلهم من الأمم الذين كانوا قبلهم على مثل منهاجهم من تكذيب رسلهم وجحود نبوّتهم وردّ ما جاءوهم به من عند الله عليهم.
وقوله ( إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ) يعني بقوله ( إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ) لا يمانع منه شيء أراد عقوبته ، قادر على كلّ من طلبه ، لا يفوتُه بالهَرَب منه.( ذُو انْتِقَامٍ ) ممن كفر برسله وكذّبهم ، وجحد نبوتهم ، وأشرك به واتخذ معه إلها غيره. وأضيف قوله ( مُخْلِفَ ) إلى الوعد ، وهو مصدر ، لأنه وقع موقع الاسم ، ونصب قوله (رُسُلَهَ) بالمعنى ، وذلك أن المعنى: فلا تحسبنّ الله مخلف رسله وعده ، فالوعد وإن كان مخفوضا بإضافة " مخلف " إليه ، ففي معنى النصب ، وذلك أن الإخلاف يقع على منصوبين مختلفين ، كقول القائل: كسوت عبد الله ثوبا ، وأدخلته دارا ؛ وإذا كان الفعل كذلك يقع على منصوبين مختلفين ، جاز تقديم أيِّهما قُدّم ، وخفضُ ما وَلِيَ الفعل الذي هو في صورة الأسماء ، ونصب الثاني ، فيقال: أنا مدخلُ عبد الله الدار ، وأنا مدخلُ الدَّارِ عبدَ الله ، إن قدَّمت الدار إلى المُدْخل وأخرت عبدَ الله خفضت الدار ، إذ أضيف مُدْخل إليها ، ونُصِب عبد الله ؛ وإن قُدّم عبدُ الله إليه ، وأخِّرت الدار ، خفض عبد الله بإضافة مُدْخلٍ إليه ، ونُصِب الدار ؛ وإنما فعل ذلك كذلك ، لأن الفعل ، أعني مدخل ، يعمل في كلّ واحد منهما نصبا نحو عمله في الآخر ؛ ومنه قول الشاعر:
تَـرَى الثَّـوْرَ فيهـا مُدْخِلَ الظِّلِّ رأسَهُ
وسـائرُهُ بـادٍ إلـى الشَّـمْسِ أجْـمَعُ (14)
أضاف مُدْخل إلى الظلّ ، ونصب الرأس ، وإنما معنى الكلام: مدخلٌ رأسَه الظلَّ. ومنه قول الآخر:
فَرِشْــني بِخَـيْرٍ لا أكُـونَ وَمِدْحَـتِي
كنــاحِتِ يَــوْمٍ صَخْــرَةٌ بعَسِـيلِ (15)
والعسيل: الريشة جُمع بها الطيب ، وإنما معنى الكلام: كناحت صخرة يوما بعسيل ، وكذلك قول الآخر:
رُبَّ ابْــنِ عَــمٍّ لِسُـلَيْمَى مُشْـمَعِلْ
طَبَّـاخِ سـاعاتِ الكَـرَى زَادَ الكَسِـلْ (16)
وإنما معنى الكلام: طباخ زاد الكَسل ساعات الكَرَى.
فأما من قرأ ذلك ( فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلُهُ ) فقد بيَّنا وجه بُعْدِه من الصحة في كلام العرب في سورة الأنعام ، عند قوله وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
--------------------------
الهوامش :
(14) هذا البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 165 ) كما استشهد به المؤلف ، ولم ينسبه ، قال : وقوله " فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله " أضفت مخلف إلى الوعد ، ونصبت الرسل على التأويل ، وإذا كان الفعل يقع على شيئين مختلفين مثل : كسوتك الثوب ، وأدخلتك الدار ، فابدأ بإضافة الفعل إلى الرجل ، فتقول : هو كاسي عبد الله ثوبا ، ومدخله الدار ، ويجوز هو كاسي الثوب عبد الله ، ومدخل الدار زيدا .. ومثله قول الشاعر : ترى الثور .. البيت ، فأضاف مدخل إلى الظن ، وكان الوجه أن يضف مدخل إلى الرأس .
(15) وهذا البيت أيضا من شواهد الفراء ( الورقة 165 ) عطفه على آخر قبله وعطفهما على الأول ، ومحل الشاهد فيه : أن الشاعر أضاف ناحت وهو وصف مشبه الفعل إلى يوم ، ونصب الصخرة ، والأولى إضافة الوصف إلى الصخرة ، ونصب يوما على ما قاله القراء .
(16) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( مصورة الجامعة ص 165 ) على أن طباخ كان حقه أن يضاف إلى " زاد الكسل " ، فأضافه الشاعر إلى الساعات . والمشمعل : الخفيف الماضي في الأمر المسرع . والكرى : النوم .
Quran Translation Sura Ibrahim aya 48
[It will be] on the Day the earth will be replaced by another earth, and the heavens [as well], and all creatures will come out before Allah, the One, the Prevailing.