ولشدة ما أخبر الله تعالى [ به ] عنهم ، قال لرسوله : ( وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب ) .
يقول تعالى مخبرا عن قيل الذين ظلموا أنفسهم عند معاينة العذاب : ( ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل ) كما قال تعالى : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) [ المؤمنون : 99 ، 100 ] . وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ) [ المنافقون : 9 ، 10 ] وقال تعالى مخبرا عنهم في حال محشرهم : ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ) [ السجدة : 12 ] وقال تعالى : ( ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) [ الأنعام : 27 ، 28 ] وقال تعالى : ( وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ) [ فاطر : 37 ] .
وقال تعالى رادا عليهم في قولهم هذا : ( أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ) أي : أولم تكونوا تحلفون من قبل هذه الحال : أنه لا زوال لكم عما أنتم فيه ، وأنه لا معاد ولا جزاء ، فذوقوا هذا بذاك .
قال مجاهد وغيره : ( ما لكم من زوال ) أي : ما لكم من انتقال من الدنيا إلى الآخرة ، كما أخبر عنهم تعالى : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ) [ النحل : 38 ] .
يقول تعالى ذكره: وأنذر يا محمد الناس الذين أرسلتك إليهم داعيا إلى الإسلام ما هو نازل بهم ، يوم يأتيهم عذاب الله في القيامة.( فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) يقول: فيقول الذين كفروا بربهم ، فظلموا بذلك أنفسهم ( رَبَّنَا أَخِّرْنَا ) أي أخِّر عنا عذابك ، وأمهلنا( إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ ) الحقّ ، فنؤمن بك ، ولا نشرك بك شيئا ، ( وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ) يقولون: ونصدّق رسلك فنتبعهم على ما دعوتنا إليه من طاعتك واتباع أمرك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله ( وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ ) قال: يوم القيامة ( فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) قال: مدّة يعملون فيها من الدنيا.
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ ) يقول: أنذرهم في الدنيا قبل أن يأتيهم العذاب.
وقوله ( فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) رفع عطفا على قوله ( يَأْتِيهِمُ) في قوله ( يَأْتِيهِمُ العَذَابُ) وليس بجواب للأمر ، ولو كان جوابا لقوله ( وَأَنْذِرِ النَّاسَ ) جاز فيه الرفع والنصب. أما النصب فكما قال الشاعر:
يــا نَــاقَ سِـيرِي عَنقَـا فَسِـيحا
إلـــى سُـــلَيْمَانَ فَنَسْـــتَرِيحا (7)
والرفع على الاستئناف. وذُكر عن العلاء بن سيابة أنه كان ينكر النصب في جواب الأمر بالفاء ، قال الفراء: وكان العلاء هو الذي علَّم معاذا وأصحابه.
------------------------
الهوامش :
(7) هذا البيت من شواهد النحويين وهو لأبي النجم العجلي يخاطب ناقته في سيره إلى سليمان بن عبد الملك . وناق : منادي مرخم ، أي يا ناقة ، وعنقا : منصوب على أنه نائب عن المصدر ، أي صفة مصدر محذوف ، أي سيراد عنقا ، وهو ضرب من سير الدابة والإبل ، وهو سير مسيطر ، قال أبو النجم ... وأنشد البيت ، والفسيح : الواسع . نعت . والشاهد في " فنستريحا " حيث نصب ، لأنه جواب الأمر بالفاء ، وهذا بلا خلاف إلا ما نقل عن العلاء بن سيابة ، أنه كان لا يجيز ذلك ، وهو محجوج به . ( انظر فرائد القلائد للعيني : باب إعراب الفعل ) . وقال الفراء في معاني القرآن : ( الورقة 164 ) ، وقوله " يأتيهم العذاب فيقول " : رفع ، تابع ليأتيهم ، وليس بجواب الأمر ، ولو كان جوابا لجاز نسبه ورفعه ، كما قال الشاعر : يا ناق .... البيت . والرفع عن الاستئناف والأتناف بالفاء في جواب الأمر حسن. وكان شيخ لنا يقال له العلاء بن سيابة ، وهو الذي علم معاذا الهراء وأصحابه ، يقول : لا أنصب بالأمر .
Quran Translation Sura Ibrahim aya 44
And, [O Muhammad], warn the people of a Day when the punishment will come to them and those who did wrong will say, "Our Lord, delay us for a short term; we will answer Your call and follow the messengers." [But it will be said], "Had you not sworn, before, that for you there would be no cessation?