لما ذكر تعالى حال الأشقياء ثنى بذكر السعداء ، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فآمنت قلوبهم وعملت جوارحهم الأعمال الصالحة قولا وفعلا من الإتيان بالطاعات وترك المنكرات ، وبهذا ورثوا الجنات المشتملة على الغرف العاليات ، والسرر المصفوفات ، والقطوف الدانيات ، والفرش المرتفعات ، والحسان الخيرات ، والفواكه المتنوعات ، والمآكل المشتهيات والمشارب المستلذات ، والنظر إلى خالق الأرض والسموات ، وهم في ذلك خالدون ، لا يموتون ولا يهرمون ولا يمرضون ، وينامون ولا يتغطون ، ولا يبصقون ولا يتمخطون ، إن هو إلا رشح مسك يعرقون .
القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين صدقوا الله ورسوله ، وعملوا في الدنيا بطاعة الله ، و " أخبتوا إلى ربهم ".
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى " الإخبات ".
فقال بعضهم: معنى ذلك: وأنابوا إلى ربهم.
*ذكر من قال ذلك:
18095- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال حدثني عمي قال، حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم)، قال: " الإخبات " ، الإنابة.
18096- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وأخبتوا إلى ربهم) ، يقول: وأنابوا إلى ربهم.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: وخافوا.
*ذكر من قال ذلك:
18097- حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: (وأخبتوا إلى ربهم) ، يقول: خافوا.
* * *
وقال آخرون: معناه: اطمأنوا.
*ذكر من قال ذلك:
18098- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى وحدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأخبتوا إلى ربهم) ، قال: اطمأنوا.
18099- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18100- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: خشعوا.
*ذكر من قال ذلك:
18101- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وأخبتوا إليهم ربهم)، " الإخبات "، التخشُّع والتواضع
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة المعاني ، وإن اختلفت ألفاظها، لأن الإنابة إلى الله من خوف الله، ومن الخشوع والتواضع لله بالطاعة، والطمأنينة إليه من الخشوع له، غير أن نفس " الإخبات " ، عند العرب : الخشوع والتواضع.
* * *
وقال: (إلى ربهم) ، ومعناه: وأخبتوا لربهم. وذلك أن العرب تضع " اللام " موضع " إلى " و " إلى " موضع " اللام " كثيًرا، كما قال تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ، [سورة الزلزلة: 5] بمعنى: أوحى إليها. وقد يجوز أن يكون قيل ذلك كذلك، لأنهم وصفوا بأنهم عمدوا بإخباتهم إلى الله.
* * *
وقوله: (أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) ، يقول: هؤلاء الذين هذه صفتهم ، هم سكان الجنة الذين لا يخرجون عنها ولا يموتون فيها، ولكنهم فيها لابثُون إلى غير نهاية. (10)
-------------------
الهوامش :
(10) انظر تفسير " أصحاب الجنة " و " الخلود " في فهارس اللغة ( صحب ) ، ( خلد ) .
Quran Translation Sura Hud aya 23
Indeed, they who have believed and done righteous deeds and humbled themselves to their Lord - those are the companions of Paradise; they will abide eternally therein.